من المعروف ان الانتخابات العامة تكتسب شرعيتها الوطنية لترابطها والديمقراطية السياسية وبهذا السياق بات ضروريا تحديد فعالية الشرعيتين الانتخابية والديمقراطية في الانتخابات العراقية الأخيرة استناداً الى الدالات التالية--

الدالة الاولى- ترتكز الشرعية الديمقراطية على المنافسة السلمية بين القوى والأحزاب السياسية بينما تسعى الشرعية الانتخابية الى تثبيت قيادة الطبقات الفرعية لسلطة الدولة الوطنية.  

الدالة الثانية – تعتمد الشرعية الديمقراطية على منافسة البرامج الاقتصادية السياسية لطبقات تشكيلتها الاجتماعية بينما تعمل قوى الشرعية الانتخابية الى صياغة برامج هلامية تكرس هيمنة الطبقات الفرعية على التشكيلة الاجتماعية الوطنية.

الدالة الثالثة – تتنافس في الشرعية الديمقراطية برامج الأحزاب السياسية بينما توظف الطبقات الفرعية الايديولوجية الطائفية والمشاعر الدينية في حملاتها الانتخابية.

الدالة الرابعة – تهدف الشرعية الديمقراطية الى التداول السلمي للسلطة السياسية بينما تهدف الطبقات الفرعية الى احتكار السلطة السياسية وتأبيد سيطرتها السياسية.

الدالة الخامسة -- تعبر الشرعية الديمقراطية عن مصالح الطبقات الأساسية في التشكيلة الاجتماعية بينما تسعى الطبقات الفرعية الى تأمين سيطرتها الطبقية عبر التحالف مع القوى الخارجية.

أخيرا لابد من التأكيد على ان المضامين الفكرية - السياسية للشرعيتين الانتخابية والديمقراطية تحددها مستويات تطور بنية البلاد الاقتصادية -السياسية ومصالح طبقاتها الأساسية والفرعية، وبهذا السياق تسعى الطبقات المنتجة الى ابعاد الدولة الوطنية عن التبعية والتهميش وبالضد من ذلك تنحو الطبقات الفرعية الى التحالف مع القوى الأجنبية بهدف ادامة مصالحها الطبقية.

استنادا الى تلك الرؤى السياسية نسعى الى تناول الانتخابات العراقية وفق المسارات التالية-

أولا – التيارات السياسية المتنافسة في الانتخابات التشريعية.

ثانيا- برامج القوى السياسية المشاركة في الانتخابات العراقية.

ثالثاً – الشرعية الانتخابية والتداول السلمي للسلطة السياسية.

استنادا الى تلك العدة المنهجية نحاول متابعة مضامينها بتكثيف بالغ.

 أولا - التيارات السياسية المتنافسة في الانتخابات التشريعية.

-- سادت الانتخابات التشريعية العراقية كثرة من السمات الرئيسية أهمها –

1- تنافست في الانتخابية التشريعية ثلاثة تيارات سياسية أولهما تيار الإسلام السياسي. وثانيهما التيار الوطني - الديمقراطي وثالثهما أحزاب التيار القومي الكردستاني.

2- مقاطعة قوى اليسار الاشتراكي في مقدمتهم الحزب الشيوعي العراقي للانتخابات التشريعية.

3- ارتكاز الدعاية السياسية للتيار الإسلامي على الشد الطائفي مترافقا وهلامية الرؤى الاقتصادية -الاجتماعية في برامج قوى الإسلام السياسي الطائفي.

4- استعراض لفصائل المليشيات المسلحة التابعة للأحزاب الطائفية بهدف التأثير على سير العملية الانتخابية.

5- عزوف شعبي عن المشاركة في الانتخابات التشريعية بسبب عجز قواها المشاركة عن تقديم معالجات واضحة لهموم العراق الاجتماعية.

  ثانيا- برامج القوى السياسية المشاركة في الانتخابات العراقية.

- سيادة الشرعية الانتخابية في التشكيلة العراقية فرضتها مستويات تطور الدولة العراقية وانعدام الممارسة الديمقراطية من جهة وهيمنة الطبقات الفرعية في التشكيلة العراقية من جهة اخرى.

- انطلاقاً من ذلك اتسمت الانتخابات العراقية بسمتين أساسيتين -أولاهما ان الانتخابات التشريعية جرت بين الفصائل الطائفية المتسيدة. وثانيتهما امتلاك الفصائل الطائفية المتنافسة لمليشيات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة العراقية.

--- وبهذا المسار أشارت الانتخابات التشريعية الى سيادة تيارين طائفيين في التشكيلة الوطنية السياسية (أ) تيار سياسي طائفي ملتحم والخارج الاقليمي بوحدة طائفية. (ب) وتيار سياسي طائفي أخر يسعى الى الوحدة الوطنية رافضاً للوصاية الخارجية.    

-- أكدت التجربة التاريخية المنصرمة ان احترام نتائج الانتخابات التشريعية من قبل القوى المشاركة يبعد الدولة الوطنية عن النزاعات الأهلية والصراعات الطائفية.

ثالثاً - الشرعية الانتخابية والتداول السلمي للسلطة السياسية.

-- مواقف القوى الطائفية الرافضة لنتائج الانتخابات التشريعية تدعو الى القول ان الدولة العراقية تتعرض لخطر النزاعات الاهلية وما ينتجه ذلك من ضياع الوحدة الوطنية التي جلبتها العملية السياسية في مكافحة الإرهاب الداعشي.

 انطلاقا من تلك الموضوعة لابد من تسجيل بعض الرؤى السياسية المتمثلة ب-

أ- أهمية امتثال جميع القوى السياسية الطائفية لنتائج الانتخابات التشريعية اعتماد التداول السلمي للسلطة السياسية الناتج عن الانتخابات التشريعية.

ب– تتحكم الجهات الرسمية المسؤولة عن الطعون بنتائج الانتخابات التشريعية المسندة بعيدا عن الاتهامات السياسية.

ج– الابتعاد عن استعراض القوة العسكرية والتهديد بالسلاح لما يحمله ذلك من خطر النزاعات لاجتماعية والحروب الاهلية.

د -الابتعاد عن التخوين واعتماد نتائج الشرعية الانتخابية المعلنة عبر الحوار الهادف الى بناء سلطة الدولة السياسية على أساس النتائج الفعلية للانتخابات التشريعية.

ه-– التشاور بين القوى الفائزة لغرض تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج وطني - اجتماعي تعيد ثقة المواطن بسلطة بلاده الوطنية.

ان الموضوعات المشار اليها كفيلة بتجنيب البلاد النزاعات الاهلية وتعزز سبل انتقال البلاد من الشرعية الانتخابية الى الشرعية الديمقراطية.

- استنادا الى ما جرى استعراضه لابد من ايراد الاستنتاجات التالية --

أولا – تعكس الشرعية الانتخابية مستوى تطور التشكيلة الاجتماعية وقواها السياسية الفاعلة في الظروف التاريخية المعاشة.

ثانيا – تشكل الشرعية الانتخابية مرحلة تاريخية ضرورية لانتقال سلطة الدولة الوطنية الى الشرعية الديمقراطية والمنافسة السلمية.

ثالثا – تتطلب الشرعية الانتخابية المنافسة السلمية بين القوى السياسية بدلا ً عن النزاعات الاجتماعية والحروب الاهلية.

رابعا – تلزم الشرعية الانتخابية القوى السياسية والطائفية التقيد بنتائجها المعلنة بعيداً عن التهديد بلغة السلاح وتعريض البلاد الى الخراب والنزاعات الوطنية.

عرض مقالات: