طالبان التي استولت على السلطة في أفغانستان لم تتلق حتى الآن أية رسالة تهنئة من أي دولة سوى من تنظيم القاعدة! وهنأت القاعدة "الأمة الإسلامية" بانتصار طالبان في بيان من صفحتين نُشر على الإنترنت باللغتين الإنجليزية والعربية بعد ساعات من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وقد أشار البيان مراراً وتكراراً إلى حركة طالبان على أنها الإمارة الإسلامية، وإن أفغانستان هي "مقبرة الإمبراطوريات" و "القلعة التي لا يمكن اختراقها". ودعا البيان الشعب الأفغاني إلى "الإتحاد خلف القيادة المباركة للإمارة الإسلامية، وهي القيادة التي ظلت على مر السنين مدافعة عن الجماهير وحماية الدين، وأرواح وثروات الشعب.
في الحقيقة، لا شيء يثير الدهشة. فبعد انفجار برجي مركز التجارة العالمي في 11 أيلول عام 2001، لجأ بن لادن إلى أفغانستان بعد أن قطع العلاقات مع داعميه السابقين في وكالة المخابرات المركزية، والمملكة العربية السعودية وباكستان. ورفض الملا عمر، زعيم طالبان آنذاك، الذي بايع مؤسس القاعدة، الاستسلام للولايات المتحدة. وتسليم بن لادن.
وأشاد بيان القاعدة بأربعة من قيادات طالبان، ومن بينهم ثلاثة من قيادات الجماعة منذ إنشائها: الملا عمر، الملا منصور، وكلاهما قتلا، والزعيم الحالي هبة الله أخوند زاده، وجلال الدين حقاني، الذي ظهر بجانب زعيم طالبان في كابول.
إن شبكة حقاني هي واحدة من أكثر المنظمات المتمردة خبرة وتطوراً في أفغانستان، والتي يقودها منذ فترة طويلة زعيم المجاهدين السابق جلال الدين حقاني، بدعم من أجهزة المخابرات الباكستانية.
لقد قُتل جلال الدين حقاني بواسطة طائرة أميركية بدون طيار، لكن أبناءه، بمن فيهم سراج الدين حقاني، الذي يرأس الشبكة الآن، تولوا المسؤولية. وقد وصفته الأمم المتحدة بأنه "واحد من أكثر قادة شبكة حقاني شهرة وتأثيراً وجاذبية وخبرة. ومن ناحية أخرى، فقد ترسخت العلاقة بين حقاني والطالبان من جهة، والقاعدة من جهة أخرى.
إن الوثائق التي عثر عليها في منزل أسامة بن لادن في الثاني من أيار عام 2011 في أبوت آباد - باكستان، تشير كيف عملت القاعدة مع سراج الدين حقاني لتنسيق الهجمات ضد قوات الناتو في أفغانستان في عام 2010. ويقال إن القاعدة موجودة الآن في 15 مقاطعة على الأقل في أفغانستان، معظمها في الشرق والجنوب والجنوب الشرقي، ولعبت دوراً رئيسياً في انتصار طالبان. ويبدو أن شبكة "حقاني" هي الجسر الحقيقي الواصل بين التنظيمات الجهادية المختلفة. ووفقاً لمصادر الأمم المتحدة، فإن شهاب المهاجر، رئيس فرع داعش في أفغانستان المعروف باسم "دولة خراسان الإسلامية الكبرى"، أصبح منذ حزيران عام 2020، قائداً متوسط المستوى في شبكة حقاني ويواصل العمل مع التنظيم.
يقال إن بعض التفجيرات والهجمات الانتحارية في الماضي ضد الحكومة الأفغانية نفذتها داعش ولكن تحت اسم طالبان. بالطبع، لا يزال يتردد أن عملية القصف الأخيرة، والتي تزامنت مع انسحاب الأمريكيين من أفغانستان من قبل داعش، تسببت في حدوث بعض التوتر في العلاقات بين طالبان وداعش.
ومع ذلك، فإن القاعدة تتابع نشاطها مستغلة انتصار طالبان. إن أهداف هذا التنظيم واضحة في رسالة القاعدة الأخيرة حيث جرت الإشارة إلى أن:
"انتصار طالبان أظهر ما يمكن للأمة الإسلامية أن تفعله عندما تتوحد وتحمل السلاح وتقاتل في سبيل الله للدفاع عن دينها ومقدساتها وأراضيها وثرواتها".
وتنص رسالة القاعدة على أنه "مثلما تم تحرير أفغانستان، يمكن تحرير فلسطين من احتلال النظام الصهيوني وتحرير المغرب الإسلامي (لبنان) من فرنسا، وكذلك تحرير سوريا، والصومال، واليمن، وكشمير وباقي المناطق.. فيجب تحرير الأراضي الإسلامية من براثن أعداء الإسلام.
إن هذا البيان الطويل الذي وقعه خلفاء بن لادن هو مجرد تذكير. لقد أعلن تنظيم القاعدة عن "النصر الوشيك" لطالبان في مارس 2020، بعد أسابيع فقط من التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة في محادثات قطر.
وغني عن البيان، إن وجود مقاتلين أجانب في صفوف طالبان يقدر بما يتراوح بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف، ويقال إنهم من آسيا الوسطى ومنطقة شمال القوقاز في الاتحاد الروسي وباكستان ومنطقة شينجيانغ في الصين (الأويغور) وغيرها، فهم جميعهم أعضاء في طالبان. لكن غالباً ما يكون لهم عضوية مزدوجة، بين القاعدة و "الدولة الإسلامية"!