غدت الساحة السياسية العراقية متخمة بالجدل الساخن جداً الذي يدور حول التغيير كحل للازمة الكارثية الشاملة، والذي لا يخرج عن المبدأ الدستوري. بمعنى " التبادل السلمي للسلطة " عبر صناديق الاقتراع. كانت انتفاضة تشرين وقواها اليسارية المدنية الديمقراطية، قد طرحت على رأس مطالبها اجراء انتخابات مبكرة. وبذلك ختم ببصمتها هذا المطلب الجماهيري، وليس لغيرها من الذين يصرون اليوم على اجراء الانتخابات من دون توفير مستلزماتها القانونية مدعين بانهم اهلها. ويأتي في المقدمات الضرورية الممهدة لتحقيق العملية الانتخابية تنظيف الطريق نحو برلمان وطني نزيه. بمعنى لا تزوير فاضح، او مال سياسي يشتري الاصوات، او سلاح مرعب للناخب، او محاصصة في المفوضية، وتقسيم الدوائر الانتخابية الى اكثر من ثمانين محطة. مما يصعب وضع عملية الاجراء تحت السيطرة القانونية.

ان المتمسكين باجراء الانتخابات على عللها المخالفة للقانون، هم اول من عارض قيامها المبكر. اذ انهم راحو يدفعون بمواعيدها واحداً تلو الاخر، وبعد ان ضاعت سنتان من الزمن. رست على موعد انتفت فيه تسميتها بالمبكرة. حتى صار اجراؤها بمثابة نسخة من ما حصل في انتخابات عام 2018، بل ويحتمل ان تكون  اكثر سوءاً.. واذا ما كان قد قاطعها بالامس ثمانون بالمئة من الناخبين، فاليوم من المتوقع ان تصبح نسبة المقاطعين تسعين بالمئة او اكثر. وهذا ما تؤكده مقاطعة قوى واسعة ومهمة وفي مقدمتها قوى الانتفاضة التشرينية، مدنية واسلامية. التي كانت مشاركة بالانتخابات في الماضي. هذا وناهيك عن ما يخلفه المرض الوبائي واتساع رقعة الفقر من اسباب دافعة بعدم المشاركة.

 وعندما وجد المصرون على المشاركة في الانتخابات تزايد القوى السياسية المقاطعة، اعلنوا انفسهم { رعاة الديمقراطية واحترام المطالب الجماهيرية } زوراً وبهتاناً. والانكى منه يتساءلون عن اسباب المقاطعة ، متجاهلين بسذاجة سياسية تثير السخرية كونهم الذين خلقوا حالة عزوف الجماهير الواسعة عن المشاركة بفعل نهج المحاصصة، والابقاء على تدهور الاحوال المعاشية، وتزايد المظالم التي طالت مختلف الفئات الاجتماعية. حيث ابتليت بالفقر والبطالة وضياع هيبة الدولة، وعدم الالتزام بقانون الاحزاب، وظلوا متشبثين بتشكيلاتهم العسكرية التي لا تتلاءم مع المشاركة في انتخابات ديمقراطية حضارية . وكلما اتسع عدد المقاطعين من القوى السياسية اتسعت طردياً فرص وحظوظ انفراد الكتل المتحاصصة في العملية الانتخابية ومن ثم بالعملية السياسية ذاتها، وهذا هو مرماها الذي تقصده من اجراء الانتخابات.. غير ان الشكوك بشرعية نتائجها تزداد عكسياً. ويبقى الحال على ماهو عليه. بمعنى ان بوابة التغيير مسكرة ومفتاحها مرهون لدى الطغمة الحاكمة.

ومن نافلة القول ان القوى الديمقراطية المطالبة بالتغيير قد ادركت مبكرة لاهمية الانتخابات، واعتبرتها بوابتها التي يمكن الولوج منها للوصول الى اهدافها بتحقيق { الدولة المدنية الديمقراطية}، وهذا ما قرأناه في بيان الحزب الشيوعي العراقي الذي اعلن به موقفه المقاطع للانتخابات. بتاريخ 26 من تموز الجاري ومن المهم الاشارة بان هذا الموقف قد اختمر عبر مواقف ايضاحية منذ 3 اب حيث اصدر الحزب بيانه عن طبيعة المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة. وفي التاسع من ايار اعلن الحزب ايضاً تعليق المشاركته.

وكما هو معلوم كان اجراء الانتخابات المبكرة في مقدمة مطالب انتفاضة تشرين وقواها المدنية الديمقراطية. جاء ذلك ايماناً منها بالتعويل عليها كبوابة للتغيير، وان يتم من خلالها التبادل السلمي للسلطة. وهو المطلوب عاجلاً وليس اجلاً تحت وزر طائلة الازمة ومخرجاتها من الخراب . وهنا تتجلى الروح الوطنية باعالي مناسيبها لدى قوى المقاطعة حيث انقلبت المعادلة لديها. فمن الاصرار على اجراء الانتخابات المبكرة الى عدم المشاركة بها، لكون الفساد والمحاصصة وعدم الالتزام بالقانون قد حولوها الى عامل فاعل لاستدامة الازمة والنهج السياسي المدمرالحالي. لاسيما اذا ما تمت على عواهنها الحالية. وربما ستتفجر للحد الذي لا تحمد عواقبها.

عرض مقالات: