جاء البيان الختامي لقمة الدول السبع التي أنعقدت مؤخراً في بريطانيا لتعري بامتياز أخلاق ولا إنسانية هذه الدول الراسمالية الصناعية الأكثر تطوراً في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إذ لم تكن تلك القرارات على درجة كافية من المسؤولية الإنسانية والأخلاقية في التعامل مع الخطر الداهم الذي ما فتيء يهدد حياة البشرية جمعاء ألا هو وباء كورونا، فلقد وعدت بتوزيع مليار جرعة من اللقاحات المضادة لكورونا على الدول الفقيرة، بينما التقديرات تشير إلى حاجة هذه الدول إلى مالا يقل من 8 إلى 11 مليار جرعة. 
وهكذا فبدلا من أن تنصب جهود دول القمة على وضع خطط فورية ذات آليات واضحة مانعة جامعةللقضاء على الوباء الذي مضى عليه نحو عام ونصف، أكتفت -كما أسلفنا -  بوعدها بتوزيع مليار جرعة فقط على الدول الفقيرة ونفحها بمئة مليار دولار . كما غلب على فقرات واسعة من البيان الختامي الطابع المؤدلج بإعطاء روسيا والصين دروساً في الأخلاق وحقوق الإنسان مما يذكرنا بمناخ الحرب الباردة، بينما لم  تجد هذه القمة في جرائم حليفاتها الأنظمة الشمولية في العالم، ومنها في منطقتنا العربية وإسرائيل ما يستدعي منحها دروساً؛ دع عنك جرائمها هي نفسها الأستعمارية اللاإنسانية في الماضي والحاضر من خلال تدخلات معظمها العسكرية في عدد كبير من بلدان العالم ذات بؤر التوتر .
 إن الدول الرأسمالية تتحمل مسؤولية كبيرة سياسياً واقتصاديا عن أستمرار وباء كورونا إلى يومنا هذا و الذي مضى عليه عام ونصف العام، فمنذ تفشيه عالميا ظلت ومازالت مشغولة في الغالب الأعم في كيفية المتاجرة والاستثمار فيه؛  أكثر من إنشغالها بمحاربته في بلدانها، ناهيك عن بلدان العالم؛ وشرعت في تسميم المناخ الدولي بدلاً من المساعدة على الانفراج بين قواه الكبرى باعتباره المناخ المواتي للتعاون الدولي؛ وسواء جاءت تلك المتاجرة من خلال سباقها المحموم على تسويق اللقاحات المصنعة فيها أو أو من خلال  المتاجرة في كل المستلزمات العلاجية والطبية الخاصة بكورونا أو الوقاية منه، وهذا لا يفسره سوى نزعة وطابع الأنانية الذي تتسم به سياسات ومواقف الدول الرأسمالية منذ نشأتها تاريخياً ، وهو أمر مخز حقا.
 فأنت تفهم مثلاً أن تسود مثل هذه الأنانية في وقت لم تكن فيه المنظومة الحقوقية -الديمقراطية والإنسانية الدولية بهذه الدرجة من التطور التي هي عليه اليوم وذلك غداة أنتهاء الحرب العالمية الأولى 1918، وحيث يمكنك فهم عجز المجتمع  الدولي عن التعاون للقضاء سريعاً على " الانفلوزا الأسبانية" وبخاصة في ظل فشل منظمة "عصبة الأمم"  التي اُسست 1919، لكن أن يحدث هذا مع وباء في وقت بلغت فيه اليوم المنظومة الحقوقية الراهنة درجة كبيرة من التطور تتويجاً لما جرى بُعيد الحرب العالمية الثانية حيث اُسست الأمم المتحدة عام  1945، وتم صك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1947 وما تبعه من إعلانات واتفاقيات في مجالات حقوقية متخصة؛ فهذا وصمة عار في جبين دول القمة ويناقض ما تنادي به من ديمقراطية وحقوق إنسان، وبخاصة أن العالم شهد طفرة غير مسبوقة في الثورة العلمية والتكنولوجية ومنها الطبية والعلاجية. ولهذا فإن مجتمعاً دولياً بهذا التطور الهائل فكرياً وحقوقيا وعلميا وتكنولوجياً لخليق به أن تتعاون الدول الرأسمالية الكبرى فيه لمواجهة عدو البشرية المشترك ممثلاً في"كورونا". 
إن دول القمة تتوهم إن هي بإمكانية القضاء على الوباء في بلدانها فقط؛ أو أعتقدت بأنها ستكون بمنجاة عن الوباء وكأنها  وحدها في كوكب بعيداً عن الأرض " قريتنا العالميةالصغيرة" دون تسلل الوباء إليها مجدداً، ذلك بأن الضمانة الوحيدة للقضاء على شر الوباء لن تتأتى إلا عبر التعاون الدولي الجاد السريع باعتباره السبيل الوحيد لتخليص العالم بأكمله منه .
عرض مقالات: