منذ تغيير النظام البعثي الفاشي وخفافيش الظلام تكشّر عن أنيابها وتوظف مخالبها، من أجل انتزاع سلطة القرار بيافطات تدعي زورا انها دينية، وفي الواقع اعتبار الدين غطاء لمخطط شيطاني للتشبث بسلطة القرار ونشر سمومها في كل اتجاه لتتناسل بشك خبيث وخطير، وتخلق لها اتباعا واعوانا وأبواقا ومصفقين، من أجل البقاء بشتى الوسائل على سدة القرار، بممارسات أكملت مسلسل الخراب الذي كان سائدا أيام حكم البعث الفاشي، لتمسك هذه الأحزاب بطرف الخيط الآخر وتستمر في الخراب، كونهم لا يؤمنون بوجود وطن، إنما طبّقوا شريعة الغاب في توزيع المناصب بنظام نظام محاصصة مقيت ونظام طائفي، ساعين الى دق اسفين من الخلافات والحقد والكراهية بين مكونات الشعب العراقي، مدّعين بأنهم يدافعون عن المذهب للضحك على ذقون البسطاء والسذج والمغرر بهم وهم الضحايا الحقيقيون لسياسة خبيثة وشيطانية، كونهم يعرفون بأن اللعب على الوتر الطائفي من أنجح الأمور التي تمكّنهم من تمرير أجنداتهم التخريبية لعقول الشباب مع تفشي ظاهرة الجهل والأمية وتشبث الناس بطقوسهم (المقدسة). وساسة التدين الإسلامي يعلمون أن هذا الطريق هو الذي يبيح لهم الاستحواذ على السلطة ونيل أصوات المغرر بهم، ناهيكم عن توظيف أموال الفساد وشراء الذمم من خلال المشروع التخريبي الذي وجدوا له المبررات الفقهية البعيدة عن الحقيقة، مجرد تزييف وادعاء منافق للتشريع، وفتحوا الأبواب مشرعة لكل من هب ودب لنهب أموال العباد وافقارهم، وتراجع البلاد سنوات الى الوراء، ومع ذلك لم يرف لهم جفن لرابط الانتماء لوطن أسمه عراق، بعد أن جعلوا لهم ظهيرا أجنبيا، كان يخطط منذ زمن أن يستحوذ على العراق ومقدراته، لأحقاد تراكمت بداخله، لا يريد الخير لأبناء هذا البلد، فتحولت هذه الأحزاب الخائبة الى أدوات بيد الأجنبي، لتمكّنه من الإمساك بسلطة القرار، وهكذا بدأوا وبكل الوسائل الخبيثة برهن البلد ومستقبل أبنائه بيد من لا يريد الخير للعراق ولا لأبنائه المظلومين.
يلاحظ المتابع الموضوعي لأوضاع العراق منذ التغيير حتى راهن يومنا، بأن الأحزاب الطائفية، ممن يحملون حقدا غريبا "لبلدهم" يزحفون بشكل حثيث ومخاتل للامساك أكثر بسلطة القرار والاستحواذ على السلطة بشتى الوسائل، حتى وصل بهم الحال أن يوجهوا أسلحتهم صوب صدور الأبرياء من الشباب اليافع الذي وجد أن البلد تقوده فلول من عصابات النهب ومليشيات القتل من الطائفيين الذين يعمّقون الخلافات بين أبناء الشعب الواحد وبطرق ووسائل خبيثة، وهذا ما وعى وتفطّن له العراقيون، إضافة الى العبث الفاضح الذي تمارسه المليشيات، بتوظيف السلاح المنفلت في القتل والاغتصاب والخطف والتغييب وتشريد الآمنين من سكناهم والاستحواذ على عقارات الدولة ودوائرها ونشر المطبّلين والناعقين من أجل الحصول على الامتيازات بأقذر الوسائل.
من هنا جاء الرفض العارم لهذه السياسات الهوجاء، فكانت ثورة تشرين المباركة التي عبّرت بصدق عن الانتماء الحقيقي للوطن والسعي من أجل استعادة الكرامة وإعادة الوطن المنهوب، فكانت الضريبة باهظة كلفت الشباب اليافع مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعطوبين والمشردين، ليتواصل الحراك المبارك حتى تحرير العراق من هذه الطغمة الضالة والرثة.
وكانت المحاولات الخائبة لتحويل العراق الى وطن مسلوب الارادة، بزحف خبيث وإجراءات مشبوهة، ولكن يقظة العراقيين لهكذا محاولات بائسة افسدت سعيهم لجعل العراق تابعا للأجانب، فكان مشروع القانون الجعفري بزواج القاصرات المخزي، وكان المد الجماهيري المدني جدارا صلبا لعدم تمرير مثل هكذا مشروع يعيد سوق الجواري الى سابق عهده.
واليوم فان خفافيش التخلف والظلام تسعى لزحف خبيث جديد لاقتحام المحكمة الاتحادية العليا، ليتمكنوا من تمرير قوانين بتشريعات تعتمد على الفقه الإسلامي فقط في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب والعقائد والأعراق، وتتمكن من إيقاف احكام مدنية، تنظم الوضع القانوني للبلد، كمحاسبة الفاسدين والخارجين عن القانون وناهبي المال العام والباعثين على الفوضى والتحكم في الحياة اليومية للناس والتخلص من السلاح المنفلت، تطبيقا لنظام (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وصولا الى ابعاد العراق عن روح العصر والحياة المدنية التي تحمي حقوق المواطن ومعتقده وحريته الشخصية، والدفاع عن حقوق الانسان وكرامته، بعيدا عن المؤثرات الدينية والفقهية والمذهبية واللون الواحد من اتخاذ القرارات لحشر المجتمع في نفق مظلم وبقائه يدور في فلك التخلف والعودة الى عصور الظلام الفكري والمجتمعي والأخلاقي.
إن العراقيين جميعا مدعوون للوقوف بحزم ورفض تام للعبث بقانون المحكمة الاتحادية وبالتالي فإن هذا العبث سيؤدي إلى تحجيم حركة المجتمع ومصادرة الحريات العامة وجعل النساء سبايا، وإلى تراجع التعليم والحياة الثقافية والوقوف حائلا دون حدوث انتقالات نوعية لتطور المجتمع العراقي واخراجه من قمقم المحاصصة والطائفية والتخلف والفساد المشرعن، والسعي الى الوقوف أمام تحقيق أي تقدم وتحرك لإنقاذ وطن يعاني من شرور الإسلام السياسي وتطبيقاته الظالمة.
إن الأمر في غاية الخطورة إذا ما تم تمرير القانون، لأنه يعمق الانقسام الطائفي والأثني، وهنا تكمن الطامة الكبرى، وعليه المطلوب تجنيد كافة الطاقات المجتمعية المدنية وتحرك كافة الشرفاء لإيقاف الخراب الحقيقي المحدق بالعراق، إذا ما تم تشريع هذا القانون الذي سيعيدنا مئات السنين الى الوراء.