لقد تعود القادة العراقيون على ادعاء الانتصارات في جميع المنعطفات السياسية التي مرت بها البلاد، وكأنهم سوبرمانات سياسية واقتصادية محنكة ولا مثيل لها في باقي البلدان، ولم يخطر ببال أحد منهم طوال العقود الماضية أن يفكر ولو للحظة بنتائج انتصاراته وانجازاته المزعومة على واقع الحال البائس الذي يعيشه المواطن منذ عقود، وكيف أوصلوا العراق إلى كل هذا الخراب غير المسبوق في المنطقة والعالم.
إن السياسات المتخلفة والبدائية في التعامل مع الشعب، حولت وظيفة الخدمة العامة للعنوان السياسي إلى سلطة قمعية مسلطة على رقاب العراقيين، يدعمها خطاب أعلامي رسمي، استمر على منهج واحد، يروج للانتصار الدائم على الآخر، حتى لو كان الآخر هو الشعب، في استهتار بكل المفاهيم والقيم والقوانين المنظمة لأداء السلطات في العالم، وقد تحمل الشعب من جراء هذا الاستهتار، ألوان وصنوف الكوارث والمآسي والنكبات والخسارات بالأرواح والثروات، والآمال التي بددتها الصراعات والفوضى الضاربة في كل الاتجاهات.
بينما كانت شعوب الأرض تنتقل من واقع إلى آخر أفضل منه، رغم أن قادتها لم يكونوا دائماً على نفس المستوى من الأداء والتأثير، وكان إذا أساء وأخطأ بعضهم وتسبب في كوارث لشعبه، أعاد خلفه البوصلة إلى اتجاهها الصحيح النافع، ماعدا العراق الذي استمرت الاوضاع فيه بالانحدار المتسارع منذ عقود، وصولاً للاحتلال الذي اعتمد الطائفية منهجاً للسلطة، لتقويض السلم الاهلي واذكاء الصراعات الدموية والفوضى، الحاضنة الذهبية للفساد والخراب العام.
ان الواقع العراقي الحالي المتأزم على جميع المستويات، يحتم توحيد جهد القوى الوطنية الحقيقية، لدعم الحراك الوطني السلمي وتطويره لمواجهة الخراب والفساد والطائفية، وتبني خطاب وطني متوازن، لمصارحة الشعب ومشاركته التفكير والعمل الجاد، من اجل التغيير الجذري، وتشكيل سلطة وطنية لإعادة البناء الحقيقي للمواطن والوطن في ظل سيادة مطلقة للقانون، وهو أمل وواجب ومسؤولية كل الوطنيين العراقيين، على اختلاف مشاربهم ومرجعياتهم الفكرية، للعبور بالعراق وشعبه من مستنقع الفوضى والخراب، إلى هضاب الأمان والسلام والعيش الرغيد لشعبنا الكريم في حاضره ومستقبل أجياله .
لقد حان الوقت لإنهاء العرض المستمر لمسلسل الانتصارات الوهمية للقيادات العراقية الفاشلة طوال العقود الماضية من تأريخ العراق الحديث، وأصبح لزاماً على القوى السياسية اعتماد المشاركة الحقيقية للشعب في ادارة الدولة على اسس الكفاءة والنزاهة والمهنية، بعيداً عن الطائفية والحزبية والمناطقية، ومن دون ذلك سيتحمل الجميع نتائج الذهاب إلى المجهول.