قبل 210 سنة بالضبط، وفي الحادي عشر من آذار عام 1811، إندلعت انتفاضة العمال في نوتنغهام بإنجلترا، والتي تحولت إلى موجة من المذابح. وإتسعت الحركة لدرجة أنه تم قمعها بمساعدة الجيش، وحُكم على أكثر المنتفضين حماسة بالإعدام.

في غضون ذلك، لم تكن أهداف الكراهية الشعبية موجهة ضد الرأسماليين-المستغلين أو ضد ممثلي الأقليات العرقية، كما جرى في أحداث أخرى في بلدان مختلفة، ولا حتى ضد أشخاص على الإطلاق. كان غضب العمال موجهاً ضد الآلات التي تم إدخالها على نطاق واسع في تلك السنوات في مصانع النسيج. وأطلق على المشاركين في هذه الحركة العفوية اسم Luddites (اللوديت تعني العناصر المعادية للتكنولوجية الحديثة، ويرتبط باسم زعيم الحركة نيد لود - م.)، ودخل هذا المصطلح في معجم اللغة الإنجليزية منذ ذلك الحين. وبعد كل ما جرى، لم يكف معارضو التقدم التكنولوجي عن الإستمرار في إحتجاجاتهم في أي مكان، لقد كانوا وسيظلون يمارسون هذه الأفعال.

 المنتفضون ينهالون بالمطارق على الآلات

يعتبر نيد لود زعيم الانتفاضة في مدينة نوتنغهام، وهي المدينة التي ظهرت فيها إسطورة روبن هود. ويعتبر نيد لود شخصية أسطورية ولدت من الفولكلور البروليتاري في إنجلترا في بداية القرن التاسع عشر. وظهرت الأساطير عنه، على شاكلة روبن هود، وبالمناسبة، فليس من قبيل المصادفة أن "اللوديت" أنفسهم إعتبروا أحياناً أن مقرهم كان في غابة شيروود التي تجمع فيها روبن هوهد وأنصاره.

وفقاً للأسطورة، فقد حطم نيد لود بمطرقته نولين للحياكة تنتج جوارب رخيصة. ولقد أعرب بغضب شديد عن عدم موافقته على وجود الأنوال في مصنع الجوارب: إذ هدد التحديث العاملين من ذوي الخبرة وأضحوا عاطلين عن العمل. لم يتم تأكيد وجود نيد لود من قبل المؤرخين، لكن اسمه طغى على الاسم للحركة بأكملها، وكان توقيعه (مرة أخرى وفقاً للأسطورة) قد نقش في بيان العمال الذين يطالبون بإزالة الآلات من المصانع.

في الحادي عشر من آذار عام 1811، تجمع عمال الحياكة في أحد ساحات نوتنغهام ودعوا إلى تدمير الآلات الجديدة في صناعة النسيج. لقد رأوا أن جذور مشاكلهم تنبع من الآلات المكروهة، التي تهدد العمال بتسريحهم وانخفاض إجورهم. واقتحم المتظاهرون ورشة العمل، وحطموا المعدات بالمطارق الثقيلة، وكسروا الأجزاء الحديدية من الآلات، وأحرقوا القطع الخشبية. وحصلت في بعض الأحيان اشتباكات مسلحة مع حراس المصنع.

ومن مدينة نوتنغهام، انتشرت الحركة إلى مقاطعات أخرى في وسط إنجلترا. ففي يوركشاير، انتفض عمال جز الصوف ضد التحديث التكنولوجي، واستجابوا لدعوة مناهضة إدخال آلات زغب النسيج الجديدة من خلال إنشاء منظمة قتالية، ترأسها قادة عسكريون. وكان Luddites" اللوديت" يتجمعون في ضواحي المدينة ليلاً، ويتدارسون الوضع، ويمارسون التدريب عل الرماية. وأقسم كل من انضم إلى المنظمة بيمين خاص.

وسلكت الحركة منعطفاً جدياً حيث تم تدمير العديد من المصانع. وعندما حمل المتمردون السلاح وقتلوا العديد من الأشخاص، اتخذت السلطات إجراءات صارمة. وتم إرسال قوات لمحاربة المنتفضين، وسرعان ما أقر البرلمان قانوناً يعاقب كل من أقدم على تدمير الآلات بعقوبة الإعدام.

وتم تعقب النشطاء واعتقالهم. ومَثُل البعض منهم أمام محاكم صورية. وحُكم على 14 شخصا بالإعدام في يوركشاير، وفي لانكشاير حكم بالإعدام على  16 آخرين، ثم أضيف إليهم ثمانية آخرين. وسُجن مئات العمال ونُفيوا إلى أستراليا. بعد ذلك فقط تراجعت حركة محطمي الألات.

 هل الذكاء الاصطناعي أخطر من الأسلحة النووية؟

في الوقت الحاضر تضاف كلمة "neo" إلى كلمة "luddism". لقد وجد على الدوام الأشخاص الذين يتبرمون من التقدم التقني والذين يحاولون مقاومته وسيظلون كذلك.

لقد عكست الحرب العالمية الأولى مدى خطورة الآلات التي صنعها البشر. وعمقت الحرب العالمية الثانية من هذه المخاوف: وعكس قصف هيروشيما وناغازاكي الرعب الذي يمكن أن يحدثه الفكر العلمي المتقدم. ثم جاءت الحرب الباردة التي شهدت فيها أزمة الصواريخ الكوبية، وكان العالم على شفا الموت.

ولم يؤد كل هذا إلى ظهور حركات دولية من دعاة السلام ودعاة حماية البيئة فحسب، بل أدى أيضاً إلى تعمق المخاوف من التكنولوجيا في المجتمع. ففي الدول الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة، تنامى شعور قوي ضد إدخال التقنيات الجديدة. وإن اللوديين الجدد مقتنعون بأن التكنولوجيا الحديثة تشكل تهديداً للبشرية والكوكب بمجمله. وعلى الرغم من أن الأشخاص الذين يتبنون مثل هذه الآراء يُعرَفون عادةً بأنهم عناصر مصابة بالجنون ومتعصبة لا يؤتمن لها، فمن وقت لآخر، تنضم شخصيات عامة مؤثرة إلى جوقة أصواتهم المقلقة.

 وقد حذر عالم الفيزياء الفلكية الشهير ستيفن هوكينغ مراراً وتكراراً من خطر التقدم العلمي والتكنولوجي. وإعتقد إن السيطرة على وسائل الإنتاج ستنتقل عاجلاً أم آجلاً إلى "أصحاب الآلات"، وهذا ما سيؤدي إلى تعمق إنعدام المساواة الاقتصادية وإلى تقسيم اجتماعي أشد. وقد إتُهِم حتى بعض دعاة التقنيات الجديدة من أمثال بيل جيتس وإيلون ماسك باللوديزم لأنهم دعوا إلى توخي الحذر عند العمل على الذكاء الاصطناعي. وقالوا إن تطوره يمكن أن يؤدي إلى واقع تكتسب فيه الآلات الذكية مزايا خطرة على البشرية، ونتيجة لذلك سيتم استعباد الناس أو تدميرهم بالكامل.

وعبر إيلون ماسك ذات مرة أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح أشد خطورة من الأسلحة النووية. واقترح بيل جيتس فرض ضريبة على الروبوتات: وإن العائدات يجب أن توجه لدعم أولئك الذين يعانون من البطالة.

من الذي سيتعرض إلى البطالة؟

الذكاء الاصطناعي هو البعبع الرئيسي بالنسبة إلى اللوديتيون الجدد. يقول العديد من الخبراء أن الروبوتات ستحل قريباً محل البشر في مجموعة واسعة من المهن. وبناءً على ذلك، ستتم زيادة في جيش العاطلين عن العمل. بادئ ذي بدء، ستشمل البطالة موظفي الأمس في البنوك، وموظفي مراكز الاتصال، والسكرتارية، وعمال التنضيد والعاملين على خطوط التجميع. ولن يؤدي هذا بعدئذ إلى احتجاجات جماهيرية فحسب، بل إلى سوابق خطيرة.

وعندما غزت خدمة سيارات الأجرة Uber بسرعة السوق العالمية قبل بضع سنوات، اتحد سائقو سيارات الأجرة في أوروبا في مجموعات احتجاجية لشن حرب ضد هذه الشركة. فلم يعجبهم أن تقوم "أوبر" بتشييد ساحة لعب غير متكافئة من خلال خفض أسعار النقل وتوفير الظروف للزبائن بتطبيق إتصال هاتف ذكي سهل الاستخدام.

وسيكون الوقت ليس ببعيد عندما تطلق أوبر سيارات ذاتية القيادة، ولا شك في أن احتجاجات السائقين ستندلع بقوة متجددة. وعندما تسير الشاحنات ذاتية الحركة على طول الطرق، سينضم سائقو الشاحنات إلى سائقي سيارات الأجرة المحتجون. لأن مهنة السياقة، بالمناسبة، توفر فرص عمل للأشخاص في جميع البنى التحتية على جانب الطرق من الموتيلات والمطاعم ومحطات الوقود وغسيل السيارات. وقد يواجه العاملون فيها البطالة أيضاً.

لقد تم الإبلاغ عن رمي الحجارة على مركبات بدون سائق على الطرق الأمريكية، أو كانوا يصوبون الأسلحة النارية تجاههم. و يشير المشاة بأصابعهم الوسطى إلى هذه السيارات ويصرخون بشيء ما. وغالباً ما يقوم السائقون الذين يقودون سياراتهم في الممرات المجاورة بقطع الطرق واستفزازهم لإجبارهم على مغادرة الطريق. لماذا لا فهذه هي Luddism؟

لقد إتخذ تأليه الكفاح ضد الابتكار والتحديث التكنولوجي شكل التخريب في العام الماضي ضد أبراج الخلايا 5G. وشأنها شأن انتفاضة "محطمي المكائن" في القرن التاسع عشر، فإنها بدأت في بريطانيا ثم تردد صداها في بلدان أخرى. ووفقاً لما يعلنه هؤلاء، فإن تقنية 5G هي المسؤولة عن انتشار عدوى فيروس كورونا: حيث يؤكدون إن الموجات الكهرومغناطيسية التي تستخدمها تدمر جهاز المناعة عند البشر وتزيد من فرص إنتشار الأمراض في الجسم.

لقد دمر اللوديت الجدد في القرن الحادي والعشرين أبراج 5G والمعدات المثبتة عليها، وأشعلوا النيران في الهوائيات وإنهالوا بالضرب على أفراد الصيانة. واعتقدوا أنهم قادرون على وقف الوباء بهذه الطريقة.

لقد مرت عقود وحتى قرون، لكن مخاوف البشر من التحديث في الآلات لا تزال على حالها.

عرض مقالات: