الرأسمالية "الجديدة" كبديل وهمي للشيوعية

في ختام حديثنا حول "إعادة التشغيل العظيم"، أود أن أتطرق إلى موضوع "رأسمالية أصحاب الأسهم". وهو يتماثل مع موضوعة "الرأسمالية "الشاملة" أو "ذات التوجه الاجتماعي"، وهي التي من المفترض أن توفر فرص عمل للجميع،  وسوف تتطور دون السعي وراء الربح والأزمات، مع الاهتمام بالأجيال القادمة. أي أن الرأسمالية تتنكر لنفسها تماماً.

ووفقاً لهذه الموضوعة فإن صاحب الأسهم هو شريك المستقبل، حيث يجب أن تؤسس من جديد شركة حديثة مملوكة للمساهمين. ويتمتع جميع المساهمين بالفائدة نفسها بقدر ما يتعلق بالحصول على أقصى ربح. إن الشركة المساهمة هي أساس الرأسمالية الكلاسيكية، والتي تنطبق عليها الكلمات التي نقتبسها من المجلد الأول لكارل ماركس رأس المال:

"إن رأس المال .. يتجنب الضجيج وسوء المعاملة وله طبيعة جبانة". هذا صحيح، ولكنها ليس الحقيقة بأكملها. فرأس المال يخشى قلة الربح أو الربح الضئيل للغاية، كما تخشى الطبيعة الفراغ. ولكن بمجرد وجود ربح كافٍ، يصبح رأس المال جريئاً. فالراسمال عندما  يحصل على 10 في المائة من الربح ، فإنه يوافق على أي استخدام، وعندما يبلغ الربح 20 في المائة يصبح متحركاً، وفي %50 يصبح الرأسمال جاهزاً على تحطيم رأسه، وبنسبة %100 يدوس على جميع القوانين البشرية، وفي %300 في المائة لا توجد جريمة لن يخاطر بها حتى ولو إقترنت برعب حبل المشنقة. والدليل هو التهريب وتجارة الرقيق".

كما يقول كلاوس شواب، الذي أصيب قبل نصف قرن بمرض فكرة الإصلاح الجذري للرأسمالية.، وبعد ذلك وفي أوائل السبعينيات وفقاً لشواب، قرر إنشاء المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) لإصلاح الرأسمالية على أساس إقامة نوع جديد من الشركات، التي يجب أن تتحول من شركات مساهمة إلى شركات حملة الأسهم. ويجب أن يسمى النموذج الجديد "رأسمالية أصحاب الأسهم"، أو "رأسمالية جميع الأطراف ذوي المصلحة".

في الولايات المتحدة في عقد السبعينيات، دخل على الخط راسل لينكولن أكوف، وهو شخصية معروفة في مجال الإدارة، في نقاش حول هذه الرأسمالية. لقد إنتشر مفهوم "أصحاب الأسهم" في المجتمع الأكاديمي الأوسع منذ منتصف عقد الثمانينات، عندما نُشر مؤلف الأستاذ الأمريكي في إدارة الأعمال إدوارد فريمان، "الإدارة الاستراتيجية: مفهوم الأطراف ذوي المصلحة". ويعتبر جوزيف ستيجليتز المعروف والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد الآن، من أكثر أنصار "موضوعة أصحاب الأسهم".

ويوضح كلاوس شواب ورفاقه إن طرازاً جديداً من الشركات يتوجب عليها أن تتخلى عن المبالغة بالربح، وأن تأخذ بنظر الإعتبار مصالح جميع الأطراف؛ بمن فيهم المساهمون والعاملون في الشركة والمقاولون والموردون والزبائن. كما يجب أن تأخذ بنظر الإعتبار مصالح الأجيال القادمة  وتترك لهم الموارد الطبيعية التي لم يتم استنفادها بالكامل.

في كانون الثاني من عام 2020، استضاف دافوس القمة الخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي، حيث تمت مناقشة الموضوعات التالية: "رأسمالية الأطراف ذوي المصلحة: كيفية ضمان الاستثمار طويل الأجل" و "رأسمالية أصحاب المصلحة: ما المطلوب من قيادة الشركات؟". وفي الوقت نفسه، تم اعتماد طبعة جديدة من بيان دافوس (ظهرت نسخته الأولى في عام 1973) ، حيث تم تسجيل الكلمات حول رأسمالية أصحاب المصلحة كوسيلة لحل المشكلات البيئية والاجتماعية الحديثة: "هدف الشركة هو جذب جميع ذوي المصلحة في عملية مشتركة ومستدامة لتحديد القيمة. ومن خلال ذلك، فإن الشركة لا تخدم مصالح حملة أسهمها فحسب، بل مصالح جميع الأطراف ذوي المصلحة أيضاً، من الموظفين والعملاء والموردين والمجتمعات المحلية والمجتمع ككل ".

وكان مارك بينوف ، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة Salesforce الأمريكية الكبيرة لتكنولوجيا المعلومات، أحد أكثر المشاركين نشاطاً في لقاء دافوس الأخير في دعم فكرة شواب عن رأسمالية الأطراف ذوي المصلحة (في عام 2019، حصلت هذه الشركة على 13.3 مليار دولار من الإيرادات السنوية، وقيمتها السوقية حوالي 124 مليار دولار). وأعلن رئيس الشركة بصوت عالٍ إن: "الرأسمالية ، كما نعرفها ، قد ماتت". وأدى هذا الهوس بتحقيق أقصى قدر من الأرباح للمساهمين فقط إلى حالة طارئة في المناخ .... ومع ذلك، فإذا ما أقترح كارل ماركس وفرديش أنجلز قبل 172 عاماً في" بيان الحزب الشيوعي " أن البديل للرأسمالية هي الشيوعية"، فإن مارك بينيوف يعتبر أن البشرية ستلجأ إلى الرأسمالية "الجديدة"، رأسمالية أصحاب الأسهم". و"إنها تمثل دليلا حيا على أن رأسمالية الأطراف ذوي المصلحة تعمل ... وهي تعد أكبر منبر للتغيير ... وأنا ممتن للبروفيسور شواب لدعوته رجال الأعمال لتطبيق رأسمالية الأطراف ذوي المصلحة ...".

ووجه كلاوس شواب ومارك بينيوف وآخرون  نداءاتهم إلى الشركات الكبرى. في 14 من تشرين الأول، عُقدت القمة الافتراضية Forbes JUST 100 تحت عنوان الشركات الرائدة في العصر الجديد للرأسمالية المسؤولة (الشركات التي تقود الحقبة الجديدة للرأسمالية المسؤولة). وناقش كبار مديري الشركات الكبرى مرة أخرى موضوعة الانتقال إلى رأسمالية الأطراف ذوي المصلحة. كانت الشركات الأمريكية الرائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات (Microsoft و Apple و Intel و Alphabet و NVIDIA و Salesforce.com و Cisco Systems و Adobe و Facebook) نشطة بشكل خاص في هذا المجال. وبالعين المجردة ، يمكن للمرء أن يرى أن مافيا وادي السيليكون تسعى إلى ركوب موجة عملية إصلاح الأعمال في جميع أنحاء العالم. وأشير في كلمة الرئيس التنفيذي لأغنى شركة (من حيث القيمة السوقية) للشركة الأمريكية Microsoft سامي نضال، إن نجاح أي عمل يجب أن يقاس بعدد الوظائف التي يوفرها، ومستوى دخل وحياة الموظفين والأرباح التي لا يجلبوها فقط لأنفسهم، ولكن أيضاً للموردين.

وظهرت في وسائل الإعلام ردود فعل متفاوتة على مثل هذه التصريحات وعلى نطاق واسع. وإعتقد البعض أنه سيتم تنفيذ فكرة تحويل شركات المساهمين إلى شركات أصحاب الأسهم، وإن الجيل الحالي ينتظره "مستقبل زاهر". ويعتبر البعض الآخر أن البروفيسور كلاوس شواب طوباوياً، وإن أفكاره غير قابلة للتحقيق. يقارن السياسيون من ذوي الإتجاه اليساري بين خطط بناء الرأسمالية دون السعي لتحقيق الربح بمحاولة وبين إعادة تثقيف الذئاب بتعليمهم أكل العشب.

وتجري مناقشات محتدمة، حيث يبحث البعض عن أمثلة على أن البزنيس أصبح"مسؤولاً اجتماعياً". فعلى سبيل المثال، أقامتAmerican Business (BRT) في عام 2019 طاولة مستديرة لمراجعة إعلانها لعام 1997 ليشمل بياناً حول حاجة الشركات إلى الوفاء بالتزاماتها أمام الأطراف ذوي المصلحة. ووعد قادة 200 شركة أمريكية كبيرة، بما في ذلك شركة Johnson & Johnson و JPMorgan Chase & Co. و Ford Motors، بأن تعمل وفق مبدأ "مراعاة مصالح جميع الأطراف ذوي المصلحة".

لقد مر عام على هذا الوعد الرسمي ، لكننا لم نر أية أمثلة على "مراعاة مصالح جميع الأطراف" (باستثناء المساهمين). في ايلول 2020، نُشر تقرير بعنوان:"COVID-19 وعدم المساواة: اختبار غرض الشركة". وتم إجراء الدراسة من قبل KKS Advisors بدعم من مؤسسة Ford Foundation. ويشيرالتقرير أن الشركات الأمريكية  التي وقعت على طاولة الأعمال المستديرة الجديدة في عام 2019 ، "لم يكن أداؤها خلال أزمة 2020 أفضل من نظيراتها التي لم توقع على الاتفاقية". إن قلة ممن وقعت على الإعلان، سعوا لتقديمه إلى شركاتهم للموافقة عليه. ويجادل بعض العلماء بأن الوعود التي قطعها أنصار رأسمالية أصحاب الأسهم هي خدعة تافهة في العلاقات العامة. وأشار الباحثون إلى الاستخدام المستمر لممارسات إعادة شراء الأسهم ورشوة السياسيين والتهرب الضريبي والتلوث البيئي.

يمكن التأكيد بثقة على أن العبث بموضوعة "رأسمالية جميع الأطراف ذوي المصلحة"، ما هو ألاّ ستار من الدخان يتستر على خطط بناء نظام شمولي عالمي مع معسكر اعتقال رقمي لـ 99٪ من سكان "العالم العجيب الجديد ". والمساواة في هذا العالم ستكون على غرار المساواة بين العبيد.

كلاوس شواب لا يحب الليبرالية الاقتصادية، لكنه يقترح إقامة "نظام حديدي" لكبرى الشركات ليحل محلها. ولن تكون هناك شركات صغيرة ومتوسطة الحجم في العالم الجديد ، "فالوباء" يزيله أمام أعيننا، وقد تنتهي هذه العملية في عام 2022.

يتحدث كلاوس شواب عن توسيع مسؤولية الشركات. وهكذا سيكون، حيث ستتحمل الشركات تلك المسؤوليات والسلطات التي كانت على عاتق الدولة في السابق. وستقوم الدولة الوطنية بخصخصة الشركات الكبرى. وستعلو الحكومة العالمية  فقط فوق الشركات

عرض مقالات: