لا تنوي الولايات المتحدة التوقيع على إعلان مع روسيا بشأن عدم جواز شن حرب نووية. وفي الوقت نفسه، تستشهد واشنطن بالطبيعة الاستفزازية للعقيدة النووية الروسية كسبب لذلك.

"لا ينبغي أن يوقع أي رئيس في المستقبل على هذا الإعلان"

لا ينبغي لأي رئيس في المستقبل أن يوقع على مثل هذا الشيء. هذا ما أعلنه المارشال بيلينجسلي، المبعوث الخاص لرئيس الولايات المتحدة في لجنة الحد من التسلح، "وإذا فعل الرئيس ذلك، فيجب معاقبته". واستطرد المبعوث الرئاسي قائلاً:" لقد جلست عدة مرات على طاولة المفاوضات مع ممثلين عن هيئة الأركان العامة الروسية، وقد تدهور رأيهم بشكل كبير في هذه القضية. وأشاروا خلال المناقشة الأخيرة إلى أن قوانين الصراع العسكري، وخاصة مفهوم التناسب، لا تنطبق على الأسلحة النووية". واشار بيلينجسلي خلال كلمة ألقاها في المعهد الوطني للسياسة العامة "نحن قلقون للغاية بشأن هذا الأمر".

وزعم المبعوث الرئاسي الأمريكي أن روسيا تدبر خططاً لغزو أراضي الناتو باستخدام الأسلحة النووية من أجل حمل الحلف على الاستسلام دون رد انتقامي. وأشار بيلينجسلي:"وبناءً على ذلك، وأيضاً بسبب مشروعي بوسيدون وبوريفيستنيك، اللذين لا يتأثران بأي إطار للردع النووي.  فقد رفضنا التأكيد على البيان المشترك لميخائيل جورباتشوف وريغان بأنه لا يمكن أن يكون هناك منتصر في حرب نووية ويجب ألا نلجأ أبداً إليها. لقد طلب منا الجانب الروسي مراراً وتكراراً القيام بذلك وبالطريقة نفسها في إطار الدول الخمس النووية ".

نهاية العالم على عتبة الباب. كيف يمكن أن تهلك حضارتنا؟

إعلان جورباتشوف - ريغان: كيف تخلى الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة عن الحرب النووية؟

في 19 من تشرين الثاني نوفمبر 1985 وفي مدينة جنيف، عقد اجتماع بين الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي ميخائيل جورباتشوف. وأسفر الاجتماع الإعلان عن عدم جواز الحرب النووية، الذي نص على أن الحرب النووية غير مقبولة، لأنه "لا يمكن أن يكون هناك منتصر فيها". وفي الوقت نفسه، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أنهما لن يسعيا إلى تحقيق تفوق عسكري على بعضهما البعض.

من الناحية الرسمية، لم يكن هذا الإعلان وثيقة ملزمة، ولكن مع ذلك بدأت عملية توقيع المعاهدات الخاصة بتخفيض الأسلحة النووية في الثمانينيات.

الخداع النووي الكبير. كيف خسر الاتحاد السوفياتي في خفض الأسلحة

أصبح الإعلان استمراراً منطقياً للوثائق السوفيتية الأمريكية الموقعة في السبعينيات – أي "اتفاقية بشأن تدابير الحد من مخاطر نشوب حرب نووية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية" (1971) و "الاتفاقية الموقعة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية بشأن منع الحرب النووية" (1973).

وذكر كل منهما أن الدولتين ستبذلان جهودهما لمنع الصراع النووي من أن يصبح حقيقة. وعلى الرغم من الطبيعة العامة لهذه الوثائق، إلا أنها لعبت دوراً مهماً انعكس في واقع كون الأمور لم تصل إلى الحالة الكارثية حتى مع تفاقم العلاقات الثنائية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

 "الولايات المتحدة تسعى إلى استعادة الهيمنة العالمية"

في صيف عام 2020، أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال ندوة على الإنترنت تحت عنوان "قراءات پريماكوفية"( نسبة إلى يفغيني بريماكوف-م)، إلى أن الولايات المتحدة لم تتمكن منذ عامين من الموافقة رسمياً على العرض الذي قدمه الجانب الروسي بشأن عدم جواز شن حرب نووية: "نحن قلقون بشكل خاص من رفض الولايات المتحدة لمدة عامين لإعادة تأكيد المبدأ الأساسي، فرضية بأنه لا يمكن أن يكون هناك منتصرون في الحرب النووية، وبالتالي، لا ينبغي شنّها مطلقاً".

وعلى حد تصريح الوزير الروسي: فإن" الولايات المتحدة تسعى إلى استعادة الهيمنة على العالم وتحقيق النصر فيما يسمونه تنافس القوى العظمى، فهم يرفضون موضوعة الاستقرار الاستراتيجي، لكنهم يسمونه التنافس الاستراتيجي. "إنهم يريدون الفوز".

حتمية القصاص

في الثاني من حزيران عام 2020 ، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً بشأن "أساسيات سياسة الاتحاد الروسي في مجال الردع النووي"، والذي يتضمن شروط استخدام الأسلحة النووية.

وبحسب المرسوم فإن شروط استخدام الأسلحة النووية هي:

- في حالة تلقي معلومات موثوقة عن إطلاق صواريخ باليستية تهاجم أراضي روسيا أو حلفائها ؛

- وفي حالة استخدام العدو الأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا أو حلفائها؛

- قيام العدو بالتأثير على أجهزة الدولة أو المنشآت العسكرية ذات الأهمية الإستثنائية لروسيا، والتي سيؤدي تعطيلها إلى تعطيل إجراءات الرد على الدول النووية ؛

- الاعتداء على روسيا بالأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة مهدداً.

وينص المرسوم على أن الاتحاد الروسي يعتبر الأسلحة النووية حصرياً قوة رادعة، وإن استخدامها هو مجرد إجراء قسري إستثنائي.

وتنطلق العقيدة النووية الروسية الحديثة، وكذلك وثائق الفترة السوفيتية، من مبدأ حتمية القصاص على العدوان. يجب أن يعرف المعتدي المحتمل أنه في حالة هجومه على روسيا، سيتم تدميره.

بدون تعهد: هل تسعى الولايات المتحدة إلى تكرار هيروشيما وناغازاكي؟

تضع العقيدة النووية للولايات المتحدة، التي تمت الموافقة عليها في 2018، اللوم على كاهل موسكو في إنهاء الحوارات الاستراتيجية بين الدولتين لاحتواء الأسلحة النووية والمخاطر النووية. وجرى ذلك، وفقاً لوجهة نظر الجانب الأمريكي، بسبب الإجراءات الروسية التي تمت في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. كما تتهم الولايات المتحدة روسيا بـ "التهديد بأن تكون أول من يستخدم ضربة نووية محدودة".

وتنص العقيدة الأمريكية: "ستسمح استراتيجيتنا بأن تفهم روسيا أن أي استخدام للأسلحة النووية، حتى المحدودة منها، غير مقبول". وبالإضافة إلى ذلك، تتحدث العقيدة الأمريكية عن التهديدات النووية من الصين وكوريا الشمالية وإيران. وفي هذا الصدد، اتخذت واشنطن مساراً نحو تكديس أسلحتها على نطاق واسع في العالم. أما بالنسبة لشروط استخدام الأسلحة النووية، فإنها تحددها  وفقاً"ظروف استثنائية"!!، ولا يعني ذلك فقط تعرض الولايات المتحدة إلى ضربة نووية. وفي الواقع، تحتفظ الولايات المتحدة بالحق في أن تكون أول من يستخدم الأسلحة النووية، بما في ذلك عندما لا تتعرض إلى تهديد عسكري مباشر.

وبشير النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الاتحاد للدفاع والأمن فرانز كلينتسفيتش إلى أن العقيدة الأمريكية لا تستبعد تكرار مأساة هيروشيما وناغازاكي.

لنتذكر أن تدمير مدينتين يابانيتين بالقنابل الذرية الأمريكية في 6 و 9 آب عام 1945 ، لا يزال هو الحالة الوحيدة التي استخدمت الشحنات الذرية في الحرب.

Взрыв произошел через 45 секунд после сброса, на расстоянии 600 метров над землей. Бомба هيروشيما وناغازاكي-خطة إغتيال مدينتين

في نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في 26 تموز عام 1945، وقعت حكومات الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي وبريطانيا العظمى والصين على إعلان بوتسدام، الذي ينص على أن تستسلم اليابان دون قيد أو شرط وعلى الفور. وصرح الإمبراطور الياباني هيروهيتو أنه لا يوجد إنذار نهائي من قبل الدول الحليفة.

لقد وقع الانفجار بعد 45 ثانية من القاء القنبلة من الطائرة، وعلى مسافة 600 متر فوق سطح الأرض، قنبلة الصبي الصغير ("Kid"). 

خطط الإبادة: كيف أعدت الولايات المتحدة خططًا لقتل عشرات الملايين من المواطنين السوفييت

منذ اللحظة التي أصبح تحت تصرفها أسلحة ذرية ، خططت الولايات المتحدة لشن هجوم نووي على الاتحاد السوفيتي.

في نهاية عام 1945، قام الجنرال الأمريكي دوايت أيزنهاور بوضع خطة تحت عنوان "الشمولية"(Totality)، التي تضمنت توجيه 20-30 ضربة ذرية على 20 مدينة في الاتحاد السوفيتي. ومع ذلك ، كانت الخطة في ذلك الوقت غير واقعية بسبب عدم وجود عدد كافٍ من القنابل الذرية والطائرات الحاملة لها في الولايات المتحدة.

وفي عام 1949، وافق رؤساء الأركان الأمريكية على خطة (Dropshot)، والتي تقوم الولايات المتحدة بموجبها بإسقاط 300 قنبلة ذرية على 100 من كبريات المدن والمركز صناعي في الاتحاد السوفياتي. بالإضافة إلى ذلك، تم التخطيط لضرب القنابل التقليدية التي كان من المفترض أن تسقط 250 ألف طن من المواد المتفجرة على رؤوس المواطنين السوفييت.

وافترضت خطة "Dropshot" حرمان الاتحاد السوفياتي من الرد على الهجوم، والتدمير الكامل للبنية التحتية العسكرية السوفييتية، واحتلال البلد المهزوم مع تقسيمه إلى أربعة مناطق: الجزء الغربي من الاتحاد السوفياتي، القوقاز - أوكرانيا، الأورال - غرب سيبيريا - تركستان، وشرق سيبيريا - ترانسبايكاليا – بريمور.

كما أن الاستراتيجيين الأمريكان وضعوا قائمة بالمدن التي ستنتشر فيها الفرق العسكرية الأمريكية : وتم التخطيط لإرسال وحدتين من الغزاة في موسكو، وواحدة لكل من لينينغراد ومينسك ومورمانسك وغوركي وكويبيشيف وكييف و 15 مدينة أخرى في الاتحاد السوفيتي.

كان من المقرر البدء التقريبي في تنفيذ خطة "Dropshot" في الأول من كانون الثاني عام 1957. وحسب خطة "Dropshot"، كان من المفترض في المرحلة الأولى من الهجوم الذري الأمريكي أن يودي بحياة 20 مليون شخص فقط. ولم يكن الأمريكيون متأكدين من إحتمال وقوع حوالي 40 مليون ضحية إضافية – إذ يعتمد ذلك على مستوى المقاومة السوفيتية. وفي الوقت نفسه، ألمحت الخطة إلى أنه فيما يتعلق بالدمار الواسع النطاق، فإن حياة الناجين ستكون "معقدة للغاية".

وفي عام 2015، رفعت السرية عن خطة الضربات النووية ضد الاتحاد السوفياتي، التي وضعتها القيادة الجوية الاستراتيجية الأمريكية (SAC) في عام 1956. وتتضمن الخطة قائمتين مفصلتين لأكثر من 1000 هدف، يقع كل منه على أراضي الاتحاد السوفياتي والدول الصديقة، والتي كان من المقرر ضربها بأسلحة نووية.

في عام 1959، خططت الولايات المتحدة لإبادة سكان موسكو .  وتم التخطيط للضربة الأولى لتطبيقها على المطارات الخاصة بالطيران الاستراتيجي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من أجل منع إمكانية شن ضربات انتقامية سوفييتية ضد أهداف في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

بعد تدمير المطارات العسكرية السوفيتية، وكذلك مراكز القيادة، والتي  كان من المفترض أن تؤدي إلى استحالة توجيه ضربة انتقامية وفقًا لواضعي الخطة، تم التخطيط للانتقال إلى الجزء الثاني - تدمير المراكز الصناعية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من أجل تدمير الصناعة العسكرية في الاتحاد السوفيتي. وتضمنت قائمة الأهداف التي تتعرض لضربة ذرية 179 هدفًا في موسكو و 145 هدفًا في لينينغراد. كما افترضت الوثيقة التدمير الشامل المتعمد للمدنيين.

وصرح خبراء أميركان على اطلاع بالخطة التي رفعت عنها السرية، أن "التدمير المستهدف للسكان المدنيين على هذا النحو يتعارض بشكل مباشر مع المعايير الدولية في ذلك الوقت".

ويشير رفض واشنطن الحالي لموضوعة عدم جواز الحرب النووية إلى أن السياسة الأمريكية لم تتغير بشكل جذري على مدى العقود. كما إن الاستراتيجيين الأمريكان في عام 2020 لا يكرهون تحقيق النصر، حتى لو تم تدمير عشرات الملايين من الناس جراء ذلك.

عرض مقالات: