يتوجه الناخبون الامريكيون هذا اليوم الثلاثاء الى المراكز الانتخابية لاختيار رئيس جديد للبلاد. ومؤكد ان اهمية هذا الحدث تتجاوز حدود البلاد، لتؤثر بدرجات متباينة في مجمل الصراعات التي يشهدها العالم، خصوصا في مناطق الأزمات الحادة. لكن تأثيره الاكبر سيكون بالطبع على الصراع السياسي والاجتماعي داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.
في ادناه نقدم عرضا مكثفا لمساهمتين نشرتهما مؤخرا جريدة الحزب الشيوعي الأمريكي للمناضل المعروف ضد العنصرية والامبريالية والحرب، النائب السابق لرئيس الحزب الشيوعي الأمريكي جارفيس تاينر.
ملامح الانتخابات الرئاسية
عند الحديث عن ملامح الوضع الراهن ينصب التركيز على أزمة كورونا، وردود فعل ترامب الحمقاء عليها. بالإضافة الى ذلك هناك الفجوة العميقة في توزيع الثروة، وتنامي سلطة الشركات، وأربع سنوات رهيبة من رئاسة ترامب، والميليشيات المسلحة التي اقتحمت عواصم الولايات وارادت اختطاف حكامها، وفوق هذا كله يبرز امام الجميع تهديد الفاشية.
وبالتوازي، شهدت السنوات الأربع الماضية انطلاق قوى ديمقراطية ضاغطة: احتجاجات الهجرة في المطارات، المسيرات النسوية وما تمخض عنها من قوة تصويتية في 2018، تجدد النضالات العمالية في إضرابات 2019-2018، النسخة الجديدة من احتجاجات حركة “حياة السود مهمة” بعد أن قتلت الشرطة بريونا تايلور وجورج فلويد وغيرهما من الأمريكيين الأفارقة، وإضرابات الشباب لدرء مخاطر التحولات المناخية، والتظاهرات ضد انتشار الاسلحة والعنف، وغيرها الكثير.
الآن تتوجه هذه القوى مجتمعة الى صناديق الاقتراع. ولا يستطيع حتى وباء كورونا إيقاف المقاومة الانتخابية الوطنية التي تتشكل.
وتتوقف إمكانية تحويل الديناميكية الانتخابية الحالية الى تغيّر حقيقي، على النجاح في تغيير ميادين النشاط، وفي التخلص من ترامب وخطر الفاشية الماثل، ومواصلة الطبقة العاملة بتنوعها النهوض والاستجابة للتحديات، واستمرار مسيرات الناس، وحرصهم على المشاركة في التصويت، ومطالبة الحركات الشعبية بالتغيير.
تكتيكات اليسار المطلوبة
يعطي الدعم الواسع لتحالف مضاد لترامب في انتخابات الرئاسة، زخما كبيرا لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس. وإذا استمر تأثير عمل القواعد الشعبية المهم، وتزايد التسجيل الهائل لصالح الديمقراطيين والتصويت المبكر، فسينتهي حكم ترامب الوحشي. علما ان هذه ليست معركة الديمقراطيين ضد الجمهوريين، بل هي معركة الشعب ضد رئيس يميني متطرف فاشي الفكر، وضد حزبه.
ويمكن لانتصار القوى الديمقراطية على اليمين المتطرف أن يغير المشهد السياسي للناس العاملين ويمهد الطريق لإحراز تقدم هائل للتحالف الديمقراطي بأكمله. وتكمن الاهمية القصوى للحركة المضادة لترامب في كونها تحالفا لقواعد شعبية ديمقراطية متعددة الأعراق من ملايين العاملين. وهي حركة عابرة للأجيال ومتنوعة سياسيا وجغرافيا، وتضم النقابات وأهم المنظمات المدافعة عن الحقوق المدنية وحرية الافراد في خياراتهم الحياتية، بما في ذلك حركة “حياة السود مهمة” و”انا أيضا”، والمطالبين بأنهاء عنف الشرطة، والمناضلين في الخطوط الأمامية ضد وباء كورونا، والحركات المكافحة في سبيل احتواء تأثيرات التغيرات المناخية، كذلك المناضلين في سبيل قطاع صحي منتج، ورعاية صحية للجميع.
ويمكن للقوى الديمقراطية المتنوعة المستعدة لدحر ترامب، الضغط على الحزب الديمقراطي بعد الانتخابات عبر مطالباتها التقدمية المتزايدة، وفي الوقت نفسه النضال ضد الرجعيين اليمينيين، الذين سيعارضون بالتأكيد أية أجندة تقدمية، ويسعون لتدميرها.
ان غالبية اليسار الأمريكي تدعم التحالف الواسع ضد ترامب، لكن البعض لديه مخاوف معينة. وعلى الرغم من ذلك يجب أن يكون اليسار جزءاً من هذا التحالف التاريخي الواسع قبل الانتخابات وبعدها.
ان جزءا من الذين يتبنون الاشتراكية كهدف إستراتيجي، ولا يريدون التعاون مع الديمقراطيين والليبراليين، يرفضون مفهوم الجبهة الموحدة. والكثير منهم يصارعون فكرة الإصلاح. وتظهر الى السطح ثانية فكرة اهون الشرين كقضية تكتيكية. ويعني قبول مفهوم الجبهة الموحدة ومرحلة النضال الديمقراطي ان الطريق الى الاشتراكية يفتح عبر النضال في سبيل الإصلاحات الديمقراطية. ولليسار تاريخ طويل في بناء جبهة موحدة ذات تعدد أيديولوجي. وان شعار “ثورة ام اصلاح” يصبح، ارتباطا بظروف الصراع في الولايات المتحدة، مضللا وضيقا سياسيا.
فالشعار الأفضل والأكثر فاعلية هو “الإصلاح والثورة”. ذلك ان تنوع التفكير مع وحدة العمل شكل حقيقة تكتيكية للطبقات والحركات الاجتماعية عبر التاريخ. والنضال في سبيل الاشتراكية مترابط مع النضال في سبيل الديمقراطية. وان لحظة النضال التاريخي تتطلب تضافر جميع السواعد، وهنا يكتسب اليسار دورا فائق الأهمية.