منذ عام 2014 ولغاية الآن مازالت موازنات الحكومات العراقية تغطي عجزها بالاقتراض سواء كان داخليا او خارجيا، رغم ضخامة العجز الذي تشهده موازنات السنين الماضية والذي وصل الى قرابة 50 في المائة من موازنة البلاد، مع ملاحظة ان كل موازنة من موازنات الأعوام الماضية هي عبارة عن استنساخ للموازنة التي سبقتها، بدون وجود محاولة فعلية من هذه الحكومات لمعالجة هذا العجز العملاق.

ان الحكومات السابقة والحالية لا تتورع عن الهرولة للاقتراض لأنها لاتزال تحلم بارتفاع اسعار النفط الى الأرقام الخيالية التي كانت عليها، متناسية بذلك التغيرات الاقتصادية في العالم، وتباطئ النمو العالمي تحت ضغط جائحة كورونا، فبحسب تقرير صندوق النقد الدولي وتوقعات المؤسسات الاقتصادية فإن الاقتصاد العالمي قد يشهد تراجعا خلال العام القادم والأعوام التي تليها تراجعا  قد يصل الى 1.2 في المائة، وهذا يؤدي بدوره الى تراجع الطلب العالمي على النفط مع ثبات المعروض (ان لم نقل زيادته) وبتالي يدفع نحو تراجع اسعار النفط، الذي هو الركيزة الأساسية لموازنة البلاد، في ظل انعدام الإيرادات غير النفطية بسبب الفساد وسوء الادارة.

لا يحتاج الموضوع الى خبراء أو أكاديميين للتذكير ان على الحكومة التفكير جديا في ايجاد مخرج واقعي للتخلص من القروض، او على الاقل تحديدها خلال فترات محددة، لضمان نهاية عصر الاقتراض الهائل الذي لا يبدو ان له نهاية، والذي ستتحمله وتدفع  ثمنه الأجيال القادمة، لذا وجب  على الحكومة ان تستيقظ من حلمها البترودولاري، والتوقف عن انتظار ارتفاع الأسعار العالمية لأن هذا لن يحدث على الأقل في الفترة المنظورة القادمة، وادراك ان حلمها الوردي  أدخلها في سبات عميق أشبه بالمثل الشعبي القائل (نايم ورجليه بالشمس) أوصلها الى اهمال جميع النشاطات الاقتصادية التي كانت عاملة حتى بعضها حتى عام 2005، فالدول لا تبني مستقبلها بالحلم بل بالتوقعات العلمية المدروسة والواقعية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المبنية على اسس منطقية وموضوعية ووفق نظريات اقتصادية حديثة، وان تبتعد عن نهج ترحيل الأزمات، كما ان على الحكومة اليوم ان تضع خطة علمية واقعية يمكن تطبيقها وأن لا تستند الى الشعارات او الاحلام، حتى وإن استعانت  بمؤسسات دولية وخبرات خارجية لكيفية  سداد القروض وسد العجز، بعيدا عن الايرادات النفطية، والعمل على وضع خطة اقتصادية وليس مالية تستهدف قطاعات اقتصادية محددة وفق خطط محددة خلال فترات زمنية معينة قابلة للقياس، إضافة الى تطوير نظامنا الاداري والمالي المعمول به في العراق،  والذي هجرته أغلب دول العالم، كون هذا النظام هو من يصنع الفاسدين، بسبب تقادمه وقلة رصانته.

قد لا يكون من الممكن على الحكومة العراقية الحالية التخلي عن الاقتراض في المرحلة  الراهنة، ما دامت لا تملك عصا موسى، لكن عليها على الأقل عند الاقدام على الاقتراض أن توضح كيفية سداد هذا القرض، بعيدا عن الايرادات النفطية وارتفاع اسعار النفط التي اضحت مستحيلة  في المرحلة الحالية وحتى في المرحلة القادمة، مع ملاحظة التحديات الصعبة التي تواجه البلاد وفي مقدمتها الفساد ومنظومته المتطورة والساسة الذين يوفرون الحماية لها، اضافة الى تحدي محاربة الحكومة الإلكترونية وعدم وجود جدية في تطبيقها كونها ستكشف الفاسدين، اضافة لعدم دقة قاعدة البيانات وتشتت بيانات مؤسسات الدولة بشكل مقصود ومتعمد.

 واخيراً لابد للحكومة والسياسيين من القناعة بانه قد حان وقت ضرب منظومة الفساد التي اصبحت اليوم بحجم الدولة او لعلها أكبر منها، ولا أقول ان هذه التحديات سهلة التحقيق وانما أقول انه لا بد من خوض هذا الحرب اذا أردنا بقاء العراق، وأقولها بصراحة قد لاتستطيع الحكومة محاربتها لكن على الأقل البدء في وضع الخطط، والإطاحة بكبار الفاسدين  ستكون الخطوة الأولى في الاصلاح الاقتصادي المنشود،  وان نشهد بعض الجرأة والجدية في طرح المشكلة مهما كانت جذورها واسبابها ودوافعها والجهة المستفيدة منها ومن يدعمها، حيت اصبحت مشاكل البلد واضحة للعيان ولا داع للتكتم أو الاشارة الى جهات بإشارات مبهمة او ضمنية خوفاً على المناصب او ما يسمى المكاسب الحكومية.

ــــــــــــــــــــ

*خبير اقتصادي

عرض مقالات: