قبل أول أنتخابات برلمانية بعد عام 2003، كان الصدق والثقة يعم غالبية الشعب بكلام المرشحين للانتخابات، منتظرين خيرا وأملا بتنفيذ وعود برامج براقة لمرشحي الانتخابات، حيث نشرت في كل مكان صور وأسماء الناخبين التي روجت وأعتمدت أغلبها على الطائفية، وبناءً على حسن نوايا الناخبين أدى الشعب واجبه الوطني وأدلى بصوته رغم تردي الوضع الامني في ذلك الوقت، وقد خاب ظن ملايين الناخبين بمن انتخبوا ، لأن المرشح الذي فاز وأدى اليمين الدستورية لم يف بوعده، ولم يطبق برنامجه الا لمصالح خاصة فقط معتمدا على نظام المحاصصة الطائفية، وبعد دورات برلمانية لاحقة أنتشر الفساد المالي والاداري بشكل أكثر ونهبت مليارات الدولارات من القطاع العام رافقه تردي الوضع الاقتصادي العام واهمال كبير لمئات المعامل والمصانع المحلية من خلال الاعتماد الأساسي على المستورد بظهور تجار طفيليين، عندها تأكد شعبنا من زيف الادعاءات وانعكس ذلك سلبيا بعدم مشاركته في الانتخابات الاخيرة عام 2018 ،
ولم يبق الشعب مغلوق الافواه مكتوف الايدي، وأنما خرج بمظاهرات متواصلة، منها بشكل خاص عام 2011 وما بعدها مطالبا بالإصلاحات في كل مناحي الوطن ومكافحة الفساد مع تنفيذ الوعود بالحقوق المشروعة، ولأن الإصلاح لم يتحقق والحقوق باتت معلقة، لذا استمرت المظاهرات في أكتوبر 2019 بأكثر عددا مطالبة هذه المرة بالتغيير الشامل فأثمرت بحصيلة أستقالة الحكومة بعد أراقة دماء مئات الشهداء وألوف من الجرحى، منهم أصيبوا بالعوق الجسدي، ومازالت مظاهرات الشعب لغاية يومنا هذا.
فكيف السبيل الى الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد؟
لا يوجد أمامنا سبيل الا البدء بالانتخابات القادمة التي تَعتمد على مرحلتين مرتبطة ببعضها، المرحلة الاولى حالية تتمثل بأجراءات التهيئة للانتخابات التي يجب أن تكون وفق مصلحة الشعب بشكل عام، والثانية تنفيذ الاجراءات المتخذة بتحديد أقرب موعد لأجرائها، إن ضمان نجاح الانتخابات القادمة وفق رؤى الشعب بالتغيير الجذري يتعلق بالمرحلة الحالية والتي تتطلب إجراءات ممكنة أو “مقدورا عليها” كالآتي:
- مواد دستورنا واجبة التطبيق ومفروضة على الجميع دون استثناءات، والمادة 39 منه قد أعطت الحرية التامة للشعب بتأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية، وفي نفس الوقت فرض الدستور محددات على الجمعيات والاحزاب والمنظمات السياسية يجب الالتزام بها بالمادة 7 بما يخص حظر الكيانات التي تنتهج أو تمهد أو تتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي.
- أن مفوضية الانتخابات بأسم العراق ولكل الشعب وأن تكون قادرة على تطبيق كل مضمون ورأي يصب بالمصلحة العامة دون أية فروضات عليها من الغير لانها مستقلة دستوريا، كذلك لا يشرع ولا يعدل أي قانون او تعطل لعض فقراته خلافا لمواد دستورنا، وعليه فقانون الأحزاب السياسية رقم 36 لسنة 2015 النافذ يحتوي على مضمون مهم لبعض فقراته لم تطبق بالفترة السابقة، إلا أنها أصبحت واجبة التنفيذ بالفترة الحالية وقبل إجراء الانتخابات الجديدة،
- بأمر الشعب وكما رفع المنتفضون عدة شعارات حيث صار التغيير الجذري مطلبا جماهيريا يمثل ضرورة ملحة وليس خيارا مطروحا، وعليه يجب أن نستفيد من تجربة بلدنا أولا ومن تاريخ كل بلدان العالم ومنها الدول العربية، لنأخذ العبر ونستخلص المفيد “بفصل السياسة عن الدين” حيث تبقى السياسة للدولة أما الدين فهو للمجتمع يمارسه أفراد الشعب كلا حسب دينه وعقيدته دون فروضات تحدد على الاخرين، وعلى سبيل المثال فأذا كنت حزينة على واقعة تخص طائفتي فهذا شأن خاص بي، ومن غير المعقول أفرض حزني وكآبتي على الآخرين حتى ولو كانوا من نفس الطائفة وبعضهم من طائفة أخرى وديانات مختلفة، فغيري يعيش حياته الاعتيادية وقد يكون مسرورا يشاهد مختلف القنوات الفضائية المبهجة، بمعنى حرية الشعب لا تقيد بمناسبة حزينة لانها تخصني، ولا يوجد قانون محلي أو دولي أفسره حسب رغبتي كي أدين الآخرين الذين يمارسون حياتهم الاعتيادية العامة، بوجود مناسبة حزينة خاصة.