حدد السيد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي السادس من حزيران القادم موعداً للانتخابات المبكرة وقد أثارت هذه الدعوة ردود أفعال عديدة ومتباينة بين الكثير من المتابعين للشأن السياسي في العراق، وقد انصب قسم من هذه الردود على التحديد الزمني لها وتساءل البعض عن مدى صلاحية السيد الكاظمي بتحديده لهذا التاريخ، وتطرق آخرون إلى المسوغات الدستورية والقانونية لها، وركز قسم من المتابعين على الشروط الكفيلة بنجاحها. ومن اجل تسليط الضوء على هذه الدعوة، تم إعداد هذه المادة والتي تطرقت الى الجوانب النظرية للمدد الزمنية للبرلمانات، والى أهم الأسباب التي تدعو الى الانتخابات المبكرة وتقديم بعض الإجابات للاستفسارات والأسئلة التي طُرحت، مع تقديم بعض المقترحات.

الأساس القانوني للانتخابات

يقوم منطق النُظم النيابية على أساس أن البرلمان هو الوكيل عن الشعب بممارسة مظاهر الحكم والسيادة والمعبر عن الإرادة العامة للشعب، بعد استحالة تطبيق الديمقراطية المباشرة في العصر الحديث.
ويرتكز النظام النيابي على أربعة أركان أساسية: وجود برلمان منتخب من الشعب له سلطات فعلية في الحكم، وإن عضو البرلمان المنتخب يعتبر ممثل الشعب بأسره وليس فقط ممثلا للدائرة التي أُنتخب منها، واستقلاله عن الناخبين طوال مدة نيابته، والركن الجوهري الذي يعني هذه المادة وهو توقيت مدة انتخاب البرلمان لمدة زمنية محددة، إي من حق الناخبين إعادة انتخاب البرلمان على فترات دورية لضمان ان الشعب الذي هو صاحب السيادة الحق في رقابة نوابه ومدى تمثيلهم الحقيقي لإرادته، ليعيد انتخاب من يراه جديرا بالاستمرار في تمثيله، وقد ينتخب أشخاصا آخرين يراهم أكثر تعبيرا عن طموحه وآماله.
في ظل النظم الديمقراطية البرلمانية يتعرض كيان الدولة بين الحين والأخر إلى عدد من الأزمات في العلاقة بين السلطات والتي لابد من تأطيرها وضبطها ببعض القواعد القانونية مما يحول دون تطورها إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، ولذلك تتيح العديد من الدساتير والقوانين امكانية اللجوء للانتخابات المبكرة، لغرض الاحتكام والعودة للشعب واستطلاع موقفه بشأن الأزمات التي قد تظهر، بعد إن يتم حل البرلمان قبل استنفاذ المدة الزمنية المقررة له وإنهاء وجوده القانوني. درءا للمخاطر المحدقة إذا ما استمرت الأزمة قائمة.

أسباب لدعوة للانتخابات المبكرة: النزاع بين الوزارة والبرلمان

ويظهر هذا النزاع في النظم البرلمانية التقليدية وهو الأكثر أهمية ويتحقق ذلك في حالة نشوب خلاف مستحكم بين الوزارة والبرلمان، فالوزارة إزاء هذا الخلاف لا ترى انتظار احتمال تحريك البرلمان لسلاح المسؤولية الوزارية لإسقاطها، بل تعمل هي على السعي لدى رئيس الدولة الذي يكون دوره شكليا، لحل البرلمان وتحكيم الشعب في الخلاف الناشب بين الوزارة والبرلمان من خلال الدعوة لإجراء الانتخابات المبكرة.
ومن الجدير بالذكر في النظم البرلمانية، للوزارة الحق في حل البرلمان مثلما للأخير الحق في سحب الثقة من الحكومة، وهذا هو حجر الأساس للنظام البرلماني القائم على مبدأ التوازن ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

النزاع بين رئيس الدولة والبرلمان

يقوم هذا النزاع في النظم البرلمانية التقليدية والمختلطة، وفكرة الدعوة الانتخابات المبكرة صادرة من رئيس الدولة بمفرده، ويظهر هذا النزاع عندما يرى رئيس الدولة أن البرلمان لم يعد يمثل الاتجاه العام للشعب، مما يتطلب حسب رأي رئيس الدولة إنهاء الوجود القانوني للبرلمان وإعطاء الناخبين حق التعبير عن إرادتهم في انتخابات جديدة، وعلى العموم هذه الطريقة تعكس نزعة تسلطية لدى رئيس الدولة، الذي يريد برلمانا جديدا يشاركه بتوجهاته الشخصية. وفي هذا الإطار قد تأتي الانتخابات المبكرة بأغلبية تكون مساندة لتوجهاته وتعزيز موقعه، أو تأتي أغلبية لا تتفق مع توجهاته، مما يوقعه في حرج سياسي، مما يضطره إلى تقديم الاستقالة، ومن النماذج المعروفة، إقدام الرئيس الفرنسي مكماهون عام 1877 بحل البرلمان في ظل دستور الجمهورية الثالثة لسنة 1875، ومجيء ذات الأغلبية التي حل البرلمان بسببها، مما دفعه إلى تقديم الاستقالة.

عند الإخفاق في انتخاب رئيس الدولة أو الوزارة

تتبنى بعض النظم البرلمانية، الدعوة للانتخابات المبكرة بعد حل البرلمان وفقا للدستور عند إخفاقه في انتخاب رئيس الدولة او الوزارة ، من اجل الحث على ضمان وجود أغلبية برلمانية تستطيع انتخاب الوزارة او رئيس الدولة، ففي ألمانيا الاتحادية تتم الدعوة للانتخابات المبكرة: عند عدم قدرة مجلس النواب انتخاب مستشار بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، يأمر رئيس الاتحاد بحل مجلس النواب والدعوة للانتخابات المبكرة، وكذلك تتم الدعوة للانتخابات المبكرة في اليونان عند إخفاق البرلمان بانتخاب رئيس جديد، حيث يشترط الدستور إن يكون فوز الرئيس الحصول على 3/5 من عدد أعضاء البرلمان عند نهاية الجولة الثالثة من الانتخابات. ((المادة 63 من القانون الأساسي الألماني لسنة 1949).

إيجاد أغلبية مريحة

تلجأ بعض الأحزاب والكتل السياسية إلى الدعوة للانتخابات المبكرة وخاصة في السنة الأخيرة من انتهاء الدورة الانتخابية بحل البرلمان عندما تستشعر بإمكانية الحصول على أغلبية مريحة من خلال استطلاعات الرأي العام، وعادة ما تمارس الوزارات البريطانية هذه الطريقة.

الدعوة للانتخابات المبكرة\ في القانون المقارن

تتطرق الدساتير والقوانين في كل بلد إلى مدة كل دورة انتخابية والتي بانتهائها تجرى الانتخابات الاعتيادية، وكذلك يتم تناول إمكانية القيام بالانتخابات المبكرة، مع النص إلى الأسباب التي تدعو إلى ذلك.

* بريطانيا
تُجرى الانتخابات العامة في بريطانيا كل خمس سنوات حسب قانون البرلمانات لسنة 2011. وتتم الدعوة للانتخابات المبكرة للأسباب التالية:
-
إذا كان هناك تصويت على (سحب الثقة) بالحكومة الحالية من قبل مجلس العموم.
-
عند حل مجلس العموم من قبل مجلس الوزراء، حيث من سلطة الوزارة حل البرلمان، وهذا هو المبدأ المعتمد في معظم النظم البرلمانية.
-
إذا صوت أعضاء البرلمان لإجراء انتخابات مبكرة بأغلبية الثلثين وهذه هي الطريقة التي تم اعتمادها في الانتخابات المبكرة التي جرت في 19 نيسان 2017 عندما صوت 522 نائبا من 650 مجموع أعضاء مجلس العموم.
-
إذا لاحظت الوزارة إمكانية الفوز في الانتخابات القادمة حسب استطلاعات الرأي، وعادة ما يتم ذلك في السنة الأخيرة من الدورة الانتخابية.

* ألمانيا
يُنتخب مجلس النواب لمدة أربع سنوات، وتنتهي مدة ولايته عندما ينعقد المجلس الجديد، وتقام الانتخابات المبكرة بعد حل البرلمان للأسباب التالية:
-
عند عدم قدرة مجلس النواب انتخاب مستشار بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، يأمر رئيس الاتحاد بحل مجلس النواب والدعوة للانتخابات المبكرة (المادة 63 من القانون الأساسي الألماني لسنة 1949). وهو وسيلة تهديد كافية لحث المجلس على ضمان وجود أغلبية في وسطه وهو أيضا نوع من العقاب للمجلس غير المتماسك.
-
عند التصويت بعدم الثقة على المستشار من قبل مجلس النواب وعدم انتخاب مستشار جديد بأغلبية الأصوات في غضون واحد وعشرين يوما، ويكون الحل والدعوة للانتخابات المبكرة، بإجازة من الرئيس، بناءا على اقتراح من قبل المستشار. (المادة 68 من القانون الأساسي الألماني لسنة 1949)، وقد حل البرلمان بهذه الطريقة وأجريت الانتخابات المبكرة مرتين، الأولى: في عام 1972 عندما قدم المستشار فيلي براندت اقتراح بإعادة الثقة بحكومته، وعند فشلها في ذلك، قام الرئيس الاتحادي بحل البرلمان باقتراح من المستشار، وأجريت انتخابات جديدة وحصل فيها على مقاعد مريحة، شكل على ضوئها حكومة جديدة. إما الثانية: فقد كانت عام 2005 عندما فشل المستشار غيرهارد شرودر في الفوز بثقة مجلس النواب الاتحادي مع استعداده للترشيح في الانتخابات القادمة، والتي كانت حصيلتها منح السيدة إنجيلا ميركل لمنصب المستشار.

* العراق
اولاً: القانون الأساسي لسنة 1925
تميزت فترة الحكم الملكي الممتدة من عام 1921 حتى قيام العهد الجمهوري عام 1958 بكثرة اللجوء إلى الانتخابات المبكرة لمجلس النواب، حيث جرى انتخاب خمسة عشر مجلساً بشكل مبكر من أصل ستة عشر، فقد تم القيام بالانتخابات الاعتيادية لمرة واحدة طيلة فترة العهد الملكي، وذلك لكثرة اللجوء إلى حل البرلمان والتي تستدعي خيار الانتخابات المبكرة.
كانت دورة مجلس النواب أربع اجتماعات، لكل سنة اجتماع يبدأ في الأول من شهر كانون الأول (المادة الثامنة والثلاثون من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925) وان الملك يصدر الأوامر بإجراء الانتخاب العام لمجلس النواب، وباجتماع مجلس الأمة، ويفتح هذا المجلس، ويعطله، ويفضه، ويحل مجلس النواب، وفقا لأحكام هذا القانون. ومن هذا النص ان الملك هو المعني بالدعوة إلى إجراء الانتخابات لمجلس النواب الاعتيادية والمبكرة، لكن سلطاته محدد وفق المادة(27) التي تنص: (يستعمل الملك سلطاته بإرادات ملكية تصدر بناء على اقتراح الوزير أو الوزراء المسؤولين وبموافقة رئيس الوزراء ويوقع عليه من قبله) وهذا هو أساس النظام البرلماني الذي يعطي السلطة الحقيقية إلى الوزارة وليس إلى رئيس الدولة الذي تكون سلطاته ذات طابع شكلي، لكن الممارسة الفعلية عكست غير ذلك ومن أهم نتائجها كثرة اللجوء إلى حل مجلس النواب والتي على ضوئها تجري الانتخابات المبكرة.
ومن خلال استقراء دورات مجلس النواب إبان العهد الملكي يتضح وجود ثلاثة أسباب استدعت اللجوء إلى الانتخابات المبكرة، وهي:
-
بعد التعديل الدستوري.
-
بناءً على رغبة الملك.
-
باقتراح من الوزارة.
ثانياً: دستور سنة 2005 النافذ
-
حدد الدستور العراقي وفق المادة 56، مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة، ويجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوما من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة، وتكون الدعوة للانتخابات الاعتيادية بقرار من مجلس الوزراء وبالتنسيق مع المفوضية العليا للانتخابات ويعلن عنه بوسائل الإعلام كافة قبل الموعد المحدد لإجرائه بمدة لا تقل عن 90 يوما (المادة 7 من قانون انتخاب مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013). من خلال قراءة نص هذه المادة إن مجلس الوزراء هو المعني بالدرجة الأولى في تحديد موعد الانتخابات الاعتيادية، وقد تم تقييده بان تكون قبل خمسة وأربعين يوما من انتهاء دورة مجلس النواب السابقة، والإعلان عن الموعد قبل تسعين يوما.
-
لم تشر الوثيقة الدستورية إلى الانتخابات المبكرة إلا مرة واحدة وقد ذُكرت في المادة 64 وفق النص الآتي: يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء، يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها ستون يوما من تاريخ الحل...) ومن هذا يتضح ان الدعوة للانتخابات المبكرة لا تجري إلا بعد حل مجلس النواب وبعد موافقة أغلبيته المطلقة، حيث للمجلس كلمة الفصل والقرار النهائي، وان تأثير السلطة التنفيذية أكان رئيس الجمهورية أم الوزارة محدود جدا وذي طابع شكلي. وحدد الدستور موعد إجراء الانتخابات المبكرة من قبل رئيس الجمهورية حصرا والتي تم تحديدها بمدة لا تتجاوز الستين يوما من تاريخ حل مجلس النواب لنفسه، ولم يرد إي دور لرئيس مجلس لمجلس الوزراء في ذلك والذي تتحول مهمته إلى مواصلة تصريف الأمور اليومية.

المتطلبات الدستورية والقانونية للانتخابات المبكرة

إن الموعد الذي اقترحه السيد رئيس مجلس الوزراء لإجراء الانتخابات هو السادس من حزيران، ومن أجل يأخذ طريقه للتنفيذ العملي فلابد من استكمال المتطلبات ذات الطابع الدستوري والقانوني التالية:
-1
إقرار القانون الانتخابي: وهو من اختصاص مجلس النواب وقد تم التصويت على أغلبية مواده، وان المتبقي: تحديد عدد الدوائر وعدد المقاعد المخصص لكل دائرة، والتي هي محل شد وجذب بين الكتل السياسية حتى هذه اللحظة. وحسب تقديرات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لابد من إقرار القانون الانتخابي قبل ستة أشهر من الموعد المحدد للانتخابات، لغرض توفير المواد اللوجستية.
-2
تعديل قانون المحكمة الاتحادية: لقد أصبح تعديل قانون المحكمة الاتحادية حاجة ملحة بعد الاختلال في قوامها، لغرض إعادة النصاب لاجتماعاتها، لأنها هي المعنية بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب، وفق (الفقرة سابعاً، المادة 93 من الدستور العراقي).
-3
حل مجلس النواب: لا يمكن الحديث عن الانتخابات العامة المبكرة دون الاتفاق بين الكتل السياسية على حل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بطلب من ثلث أعضائه أو من قبل رئيس مجلس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية، وان يكون ذلك قبل شهرين من السادس من حزيران إذا اتفقت الكتل السياسية على هذا الموعد، ليتسنى لرئيس الجمهورية الدعوة للانتخابات العامة المبكرة، وفق (الفقرة ثانيا، المادة64 من الدستور).
-4
تطبيق قانون الأحزاب السياسية.
لقد تم إصدار قانون الأحزاب منذ 2015 دون إجراءات حقيقية لتفعيله، وقد جاء ضمن المنهاج الوزاري: التطبيق الكامل لقانون الأحزاب وهو من اختصاص الوزارة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وكذلك ديوان الرقابة المالية وأيضا يقع من مهام مجلس النواب المعني بالرقابة على أداء هذه المؤسسات. لضمان الحد المقبول من تكافؤ الفرص بين الكيانات السياسية عند خوض الانتخابات.

المقترحات الدستورية لتنظيم الانتخابات المبكرة

-1 تعديل الفقرة أولا، المادة 64 من الدستور العراقي بالنص الأتي:(أولا: لمجلس الوزراء حل مجلس النواب والدعوة للانتخابات المبكرة مع ذكر السبب، ولا يجوز حل مجلس النواب الجديد لذات السبب، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء. وذلك لخلق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والذي هو حجر الأساس لكل نظام البرلمان ولاسيما إن الدستور نص في مادته الأولى (... نظام الحكم فيها جمهوري نيابي(برلماني) ديمقراطي...)
-2
تعديل المادة 76 من الدستور بإضافة فقرة تتيح لرئيس الجمهورية بحل مجلس النواب عند عدم منح الثقة للمرشح الجديد الثاني لرئاسة مجلس الوزراء، والدعوة إلى الانتخابات المبكرة، وذلك لحث مجلس النواب على إيجاد أغلبية منسجمة لتمرير تشكيل الوزارة، كإجراء عقابي للمجلس لتعطيله مصالح الدولة.

عرض مقالات: