لا يختلف اثنان على إن الشعب هو مصدر السلطات، وقد عملت بهذا المبدأ اغلب دول العالم، مؤمنة بأن ثروات البلد هي ملك جميع أبناء الشعب بدون تمييز باعتباره هو من ينتخب ممثليه الى البرلمان، ومنه يتم اختيار الحكومة ورئاسة الجمهورية وبذلك فأنهم بهذا المفهوم موظفين لدى ناخبيهم الذين اوصلوهم الى دفة الحكم. هذه الحقائق يعيها قادة الدول المستقرة عبر التاريخ، ولكن ما يجري في الدول الموبوءة بالصراعات الطائفية والعرقية والاثنية والمناطقية عكس ذلك تماما، حيث تمتاز بالطبقية وغياب العدالة الاجتماعية ، ففي بلادنا مثلا تكون الطبقة السياسية الحاكمة فوق الشعب، وعلى سبيل المثال، نجد الرئاسات الثلاث والوزرات والبرلمان وبعض الوظائف الخاصة، يضعون انفسهم للأسف فوق الشعب وينظرون اليه نظرة دونية، ويضطر المواطن مكرها النظر اليهم نظرة علوية ومخاطبتهم بمفردات فخامة ودولة ومعالي التي حلت محل كلمة سيدي في النظام السابق .
ومن هذا المنطلق فقد اجبر المواطن على سلوك تلك الطرق من اجل الحصول على فرصة عمل تعينه على سد متطلبات معيشة عائلته، وبالتدريج صار الحصول على هذه الفرصة امرا صعب المنال جدا وان حصل عليها فإما بطريقة الإذلال او دفع الرشى.
ولذلك توسعت الرقعة الجغرافية لفيالق العاطلين عن العمل، وسدت بوجوهم فرص العمل في قطاع الدولة، وكذلك في القطاع الخاص والمختلط، بعد ان اوقفت الدولة دعمهما كليا الى هذه القطاعات المهمة منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الان، وبالمقابل فتحت ابواب الاستيراد على مصراعيه بدون تعريفة كمركية لمدة عقد ونيف من السنين، ودون تفعيل لجهاز التقييس والسيطرة النوعية، وبذلك وجهت ضربة قصمت ظهر المنتج الوطني مما اضطر اصحاب المعامل والمصانع والورش الى اغلاقها وتسريح العمالة ليلتحقوا بفيالق العاطلين، وهذا ناجم عن تغليب المنافع الشخصية والامتيازات الخاصة على مصلحة الوطن والمواطن معا نتيجة الكومشنات التي يحصلون عليها من خلال الاتفاقات التي يشوبها الفساد .
من الصعب جدا ان نقارن وضع العراق حاليا بوضع اي بلد مشابه له في الامكانيات المتاحة عندما نستشعر بأن جميع انشطة ذلك البلد الاقتصادية تعمل بهمة ونشاط، والمنتج الوطني بنوعية جيدة يضاهي أي منتج عالمي في المجالات الزراعية والصناعية والتبادل السلعي التجاري والصناعات الانشائية لقطاع الاسكان والتشييد.
مقابل كل ذلك ازداد اصحاب الكروش في بلادنا تخمة بينما تفاقمت شدة المعاناة لدى المواطن العراقي الفقير.
كنا سابقا نسمع بالألف دينار التي لا يمتلكها الا نفر قليل من اصحاب الميراث من غير التجار لانه مبلغ كبير يعادل ٣٣٠٠ دولار، وتحولنا بعد فرض الحصار نتيجة الحروب العبثية التي شنها النظام السابق للغة المليون، وهي الحد الاعلى الذي كنا نسمع به ولا نملكه. اما اليوم فقد استبدلنا لغة تلك الارقام بمفردة المليار ثم ما لبثت حتى تحولت الى الترليون وهذه المفردة تسمعها عند مناقشة موازنة البلد ومؤخرا لدى السياسيين اصحاب المليارات من الدولارات والعقارات. فاين هي العدالة الاجتماعية التي كثر الحديث عنها من قبل اصحاب المليارات من السياسيين بمناسبة او بدونها لإبعاد الشكوك التي تدور حولهم؟ هل تجيز القوانين الوضعية أو السماوية حرمان ٥٠ في المائة من الشعب، وأعني بها نسبة الفقر من نصيبهم من ثرواتهم وابتلاعها من قبل السياسي.
ان الموضوع ليثير الدهشة والاستغراب حقا عندما يذكر اسم فلان الفلاني بانه يمتلك ٢ مليار دولار واخر ٥ مليار دولار وثالث ١٠ مليار دولار وعاشر ٣٠ مليار و٤٠ و٥٠ مليار دولار...الخ.
وقد يشيب شعر الطفل الرضيع إذا توقفنا عند أحد هذه الارقام الفلكية لو اخذنا ال ٣٠ مليار دولار وتعادل أكثر من ٣٦ ترليون دينار وافترضنا تشغيل البعض من العاطلين عن العمل براتب ٣٥٠ ألف دينار شهريا فهذا يعني اننا نشغل:
٣٦٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ÷ ٣٥٠٠٠٠ ÷ ١٢ = ٨٥٧١٠٠٠ ما يعني اننا نستطيع تعيين أكثر من ثمانية ملايين عاطل لمدة سنة بهذا الرقم، ولا اعتقد ان لدينا أكثر من ثمانية ملايين عاطل عن العمل ولو اخذنا نصف هذا العدد فهو يوفر رواتبهم لمدة سنتين، ولنقل إذا خفضنا عدد المراد تشغيلهم الى مليوني عاطل فهذا المبلغ يسد رواتبهم لأربع سنين.
فهل يصح أن نستلب لقمة العيش من افواه أكثر من مليوني عائلة لمدة أربع سنين بدون الحاجة الى تخصيص اي مبلغ طيلة الاربع سنين من موازنة الدولة التي تعتمد حاليا على ايرادات مبيعات النفط كنفقات حاكمة. هذا مثال فما بالك بالمبالغ الأخرى التي تمثل اضعاف هذا الرقم.
الإصلاح يبدأ عند تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية ابتداء، وهذا لا يتحقق الا ان يعاد الحق الى نصابه، وتطبيق ذلك لا يتم الا بعد تطبيق قانون من اين لك هذا على الجميع دون استثناء. نعم هناك صعوبة كبيرة في ذلك مالم تكن هناك انتخابات مبكرة يشترك فيها الجميع، بحيث ترتفع نسبة المشاركة القادمة الى ٨٠% لكي تنتخب العناصر الوطنية المنتمية للعراق حصرا وغير مرتبطة باجندات اقليمية او دولية، وتسعى لتحقيق دولة مدنية ديمقراطية، تحقق العدالة الاجتماعية التي تؤمن حياة كريمة لائقة للمواطن العراقي الفقير.

عرض مقالات: