صادف، إني كنت في الحلة ـ وأنا صبي صغيرـ لحضور حفل زواج شقيقتي الكبرى، حين أذيع البيان الأوّل فجر يوم 14 تموز بصوت عبد السلام عارف
فخرجتُ الى الشارع بدافع الفضول، ومعرفة ردود أفعال الشارع الحلّي وقد فوجئتُ بأن ساحات وشوارع الحلة الرئيسية قد غصّت بالألاف من الجماهير وهم يرفعون صورة (جمال عبد الناصر) لجهلهم بصور وأسماء قادة
الحركة ويطلقون الهتافات المؤيّدة لها .. وعند عودتنا بعد يومين الى بغداد شاهدنا الاحتفالات في كل المدن والقرى والقصبات التي على الطريق، وكانت بغداد قد خرجت عن بكرة أبيها الى الشوارع مؤيدة للحركة وهذا ما حصل أيضاً في الموصل حيث كان أبي هناك وكل محافظات العراق دون استثناء كما وصلتنا الأخبار تباعاً.
وقبل قيام ثورة 14 تموز بعدة أشهر، كان والدي يصطحبني معه الى مقهى
(
شريف وحداد) الواقع عند بداية شارع النهر في منطقة حافظ القاضي ، وهو يعتبر ملتقى وجهاء بغداد ورجال السياسة من الوطنيين وكان صاحب المقهى رجلاً يسمّى (رشيد مطلك) الذي تربطه بوالدي علاقة قديمة جدا و اتضح فيما بعد إنه حلقة لوصل بين جبهة الاتحاد الوطني التي تشكّلت في شباط 1957 من الأحزاب ( الشيوعي ـ الوطني الديمقراطي ـ الاستقلال ـ البعث ) ومع تنظيم الضباط الأحرار خاصة فرع منصورية الجبل برئاسة الزعيم عبد الكريم قاسم آمر اللواء 19 الذي كان يتردد دائما على (شريف وحداد) ويجتمع مع (رشيد مطلك)، كما أتذكر الى الآن بعض جلاّس هذه المقهى من الوجوه الوطنية كمصطفى علي، وعبد الفتاح إبراهيم، وحسن النهر، وداود خماس، ونوري روفائيل، والفنان المعروف عزيز علي وغيرهم الكثير .. حتى أضحت مقهى (شريف وحداد) هي المطبخ الذي نضجت على ناره فكرة الثورة.
وقد اتضح أن الحركة في 14 تموز قد خطط لها تنظيم الضباط الأحرار لوائي (19 و20) بالتفاهم والتنسيق مع الأحزاب المنضوية في جبهة الاتحاد الوطني
وبما لا يقبل الشك أن 14 تموز هي ثورة حقيقية نالت تأييد عموم الشعب وقواه الوطنية كما نالت تأييد القوى الوطنية بالمنطقة، والدول الشيوعية المتزعمة حينها اغلب حركات التحرر في عموم دول العالمفتحية لثورة 14 تموز الخالدة وتحية إجلال لقائدها الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم

عرض مقالات: