ارتبط نشاط المرأة العراقية منذ نشوئه بمجمل فعاليات الحركة الوطنية العراقية، ونضالات الشعب العراقي، المتطلع لحقوقه، والمتعطش لحرياته الديمقراطية، ومن أجل الاستقلال الوطني الناجز، القائم على نظام ديمقراطي تسوده العدالة وتعمّه المساواة.
ولا غرابة حينما نرى، أنّ الرعيل الأول من النساء المناضلات، ممن تعرضن للملاحقة، والاضطهاد، والسجن، كنّ في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وفي الأحزاب الوطنية والديمقراطية. وليس مصادفة عندما نعلم، أنّ من اولى هذه المنظمات ذات الطابع الجماهيري، هي: (رابطة الدفاع عن حقوق المرأة)، والتي تحول أسمها فيما بعد إلى (رابطة المرأة العراقية) والتي جرى تشكيلها سرا في العام 1952. ومنذ تأسيسها انغمرت هذه المنظمة في النضال من أجل إتاحة الفرصة للمرأة في العمل والتعليم، ومن أجل اقرار وتشريع قانون تقدمي للأحوال الشخصية يكفل لها بعض حقوقها المهضومة.
وقد تكلل نشاط المرأة العراقية المعمّد بالتضحيات، وأثمر نضالها الدؤوب والمتفاني، باعتبارها ركن اساسي من اركان الحركة الوطنية العراقية، عن مكاسب وانجازات يشار لها بعد نجاح ثورة الرابع عشر من تموز، بعد أن أصبح للحريات الديمقراطية هامشا لا يستهان به. وقد تجسد هذا الجزء الحيوي من بين المكتسبات الوطنية والاجتماعية المتحققة وفق التحولات الجديدة، بتشريع قانون للأحوال الشخصية، ينصف المرأة مما لحقها من ضيم، يعدّ في واقع الأمر من أفضل القوانين في الدول العربية، باستثناء قانون الاحوال الشخصية في تونس، لما تضمنه من توجهات عصرية كفل لها حقها في التعلم والعمل، والمساواة في الأجور مع الرجال، وتوسيع دورها في الانتاج ورفد الحياة الاجتماعية، ورعاية حقوقها في اختيار زوجها، وضمان حضانتها لأطفالها عند الطلاق وغيرها من المكاسب.
ففي العقود التي سبقت تشريع هذا القانون، جرت محاولات عديدة لتعديل بعض الفقرات ذات العلاقة بالأحوال الشخصية في الدستور الأول النافذ في 15 / آذار / 1925، إلا أنّ الفشل كان حليفها. فقد ظلّ القضاء الشرعي العراقي قبل صدور القانون الجديد في احكامه موزعا بين المصادر الفقهية وفتاوى مذاهبه الخمسة ودياناته المتعددة، إلا أنّ قانون (188) لسنة 1959، جاء موحدا للأحوال الشخصية، وسعى إلى الجمع بين المشتركات التشريعية فيها، وبين ما هو معمول به في التشريعات الشخصية في البلدان الاسلامية، وبين المقاربات المستحدثة في القضاء الشرعي العراقي.
إنّ من أهم توجهات قانون (188) سعيه لإرساء شكلا من أشكال التوازن الأسري والاجتماعي، وهذا التوازن لم يكون بمنأى عن تشريع منصف وإنساني يأخذ بعين الاعتبار ما هو متسق مع المفاهيم العصرية، التي تنظر بعين الرضا والاحترام للأمومة، والطفولة، والمجتمع، لذا حرص المشرع على الأخذ بما هو مشترك بين المذاهب الخمسة والمتسق فيها مع المصلحة الزمنية، أما ما يتعلق بقضايا اليهود والمسيحيين، فقد ترك لهم حرية العمل على وفق ما تمليه عليهم تشريعاتهم الدينية.
والحق يقال، لقد أنصف هذا القانون المرأة العراقية بقضايا عديدة، منها: توحيد سن الزواج، وتقييد تعدد الزوجات، ومساواة الذكور والإناث في الإرث، والمساواة في قضايا الطلاق والزواج والشهادة في المحاكم. وليس مستغربا في أن يقف مناهضو هذا القانون موقفا معارضا له، باعتباره متعارضا مع الشريعة الإسلامية. لذا فإنّ انقلابي شباط هرعوا من الوهلة الأولى إلى إجراء (تعديلات) على القانون وبالأخص المادة ذات الصلة بالإرث.
وفي العام 2003، أجري سبعة عشر تعديلا على القانون، بعضها لا يخلوا من الوجاهة، والبعض الآخر مختلق. ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود، فقد سعى مجلس الحكم إلى إلغاء القانون رقم (188) في كانون الأول من العام 2003، إلا أنّ القرار جوبه بمعارضة شديدة من داخل المجلس وخارجه، أدت في النهاية إلى إلغاءه.
إنّ من المهام الأساسية التي تواجه قوى الحداثة والتغيير، لا العمل على المحافظة على هذا القانون، والوقوف بوجه القوى الساعية إلى الالتفاف عليه وتفكيكه، وإنما العمل على إجراء تعديلات عليه تثريه، وتغني توجهاته، تعديلات تأخذ بنظر الاعتبار التغيرات المجتمعية الهائلة التي طرأت على الحياة في غمرة ستين عاما، تتماهى مع طبيعة الحقوق التي تتسق مع الإنجازات التي ضفرت المرأة بها في البلدان الأكثر حضارة. وهذا يضع أمام قوى الحداثة والتغيير، المتمثلة بالأحزاب اليسارية،والديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني، إلى تمكين المرأة من ممارسة دورها في الحيات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، واتاحة المشاركة الفاعلة لها في المؤسسات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وحتى في المفوضيات المستقلة والتي تراجع إداء بعضها كثيرا بالقياس إلى العقد الأول من هذا القرن والشروع ببلورة رأي ضاغط، ورافض لمنظومة الكوتة النسائية في مجلس النواب، والتوجه لإصدار تشريع يتصدى للعنف الأسري المتفاقم ضد المرأة العراقية.

عرض مقالات: