صوت مجلس النواب مؤيدا قانون الأحزاب السياسية الرقم (36) لسنة 2015 في يوم 27 آب 2015، بعد اكثر من ثماني سنوات مرت عليه مهملا مركونا في ادراج المجلس. وحدث التصويت بفضل المناخ الصحي الذي وفرته التظاهرات آنذاك التي عمت انحاء العراق، وجاء القانون متضمنا العديد من العناصر الإيجابية رغم بعض النواقص الأساسية التي ظهرت فيه.
من الجوانب الإيجابية التي احتواها القانون، تمكين الأحزاب السياسية من الطعن امام القضاء في قرارات دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية، ومن خلال الهيئة القضائية التي يتم تشكيلها في محكمة التمييز، إضافة الى ارتباط دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية بالمفوضية العليا المستقلة للأنتخابات، بدلاً من وزارة العدل التي تشكل جزءً من السلطة التنفيذية. يضاف الى ذلك ان القانون نص في مادته (5/ ثانياً) على عدم جواز تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على أساس العنصرية اوالإرهاب او التكفير او التعصب الطائفي .
ومن بين الجوانب السلبية التي تم تأشيرها في القانون، رسم التسجيل الذي يتوجب على الحزب تسديده والبالغ خمسة وعشرون مليون دينار! كذلك استبعاد احد النصوص المهمة الواردة في مشروع القانون، والذي يوجب عدم تعارض مبادئ وأهداف الحزب وبرامجه وما يمارس من نشاطات مع “مبادئ حقوق الانسان ومبدأ الوحدة الوطنية”.
وحيث ان القانون يتضمن العديد من النواقص ومن المواد التي تتعارض مع العمل الديمقراطي، فقد تم الطعن في دستورية العديد من تلك المواد امام المحكمة الاتحادية العليا، من قبل مجموعة من الناشطين والمهتمين بالشأن العام.
وكان بين المواد المطعون فيها في تلك الدعوى 3/ اتحادية/2016 وطلب الحكم بعدم دستوريتها، المادة (9) الفقرة (سادساً) التي تشترط في مؤسس الحزب ان يكون حاصلاً على شهادة جامعية أولية او ما يعادلها، نظرا لتعارض هذا مع احكام الدستور. كذلك الفقرة (ثانياً) من المادة (22) من القانون، التي تحمّل رئيس تحرير صحيفة او مجلة الحزب مسؤولية ما ينشر فيها، لتعارض ذلك مع المادة (19) من الدستور التي تنص على شخصية العقوبة.
ومن بين المواد المهمة التي قررت المحكمة بناء على الدعوى المذكورةعدم دستوريتها، المادة (44) من القانون التي قضت في شأن الإعانة المالية التي تقدمها الدولة للأحزاب السياسية المسجلة، ان توزع نسبة 20 بالمائة منها على الأحزاب المسجلة جميعا بالتساوي، بينما توزع الـ 80 بالمائة الباقية على الأحزاب التي لديها مقاعد في مجلس النواب وحسب مقاعد كل حزب. واعتبرت المحكمة الاتحادية ان التوزيع بهذه النسب يشكل أثراءً للأحزاب الكبيرة الممثلة في مجلس النواب، وإفقاراً لبقية الأحزاب.
وبالرغم من ان قرار المحكمة الاتحادية يعتبر باتاً ونهائيا، الأ ان مجلس النواب لم يشرع حتى الآن تعديلاً للقانون تنفيذا للحكم المذكور.
كما انه بالرغم من صدور قرار المحكمة المذكور، يبقى العديد من مواد القانون الاخرى يشكل نقاط ضعف فيه، وان من الواجب تعديلها كي يمكن الوصول بالقانون الى المستوى الذي يجسد الديمقراطية في حياة البلد، والذي يجعله يشكل مع كل من قانون الانتخابات والمفوضية العليا المستقلة للأنتخابات، مرتكزاً اساسياً ومنظومة متكاملة لإجراء انتخابات ديمقراطية تلبي طموح الشعب .
اما ابرز النصوص وجوانب الضعف التي ما زالت تطبع قانون الاحزاب وتتطلب التعديل فمنها المادة 11 من القانون التي تشترط ان يتضمن طلب تسجيل الحزب قائمة بأسماء (ألفي شخص) كحد ادنى، مما يتعارض واحكام المادة (14) من الدستور.
وقد رفضت المحكمة الاتحادية الطعن في الفقرة (7) من المادة (24) من القانون، التي تنص على واجب الحزب تزويد دائرة الأحزاب السياسية بجميع التحديثات في نظامه الداخلي وفي عضويته وجوانب وجوده الاخرى، ومثله الطعن في الفقرة (8) من المادة (24) نفسها، والتي تنص على وجوب اعلام دائرة الاحزاب بنشاط الأحزاب وعلاقاتها، مما يشكل تدخلا في شؤونها ورقابة ثقيلة عليها. وان من الممكن الاستعاضة عن ذلك بقيام ممثلين عن الدائرة المذكورة بزيارات مقرات الأحزاب، والاطلاع على الجديد في نشاطاتها وعلاقاتها وعضويتها وغير ذلك.
وهناك مادة مهمة اخرى جرى الطعن في دستوريتها امام المحكمة الاتحادية، لكن هذه ردت الطعن، وهو يتعلق بالفقرة (أولا) من المادة (36) التي نصت على انه ( عند استلام التبرع يتم التحري عن هوية المتبرع وتسجيله في سجل التبرعات الخاص بالحزب). كذلك الفقرة الثامنة من نفس المادة، التي نصت على ان (يتم نشر أسماء المتبرعين في جريدة الحزب). ومن الواضح ان تطبيق هذه النصوص يشكل عبئا على الاحزاب وعملية تخويف للمتبرعين، وان بالامكان تجاوز ذلك عبر زيارة مقرات الاحزاب مباشرة والاطلاع على ما هو مطلوب.
ومن بين النصوص التي ردت المحكمة الطعن فيها، الفقرة الثانية من المادة 37 من القانون، التي تنص على ان (تمنع كل التبرعات المرسلة من الأشخاص او الدول او التنظيمات الاجنبية). وكان الطعن فيها يقوم على حقيقة ان هناك اعدادا كبيرة من العراقيين المقيمين خارج العراق والمرتبطين بأحزاب في الداخل، ويتوجب استثناؤهم كحد ادنى من احكام هذه المادة. علما ان المحكمة ردت ايضا الطعن في دستورية المادة (41) من القانون، التي تقضي بعدم قبول أموال عينية من أي حزب او منظمة او شخص او جهة اجنبية الا بموافقة دائرة الأحزاب، وتمنع الحزب من ارسال أموال تبرعات الى منظمات موجودة خارج العراق الا بموافقة دائرة الأحزاب. فهذا يعتبر تقييدا لحرية الحزب وعمله.
كذلك ردت المحكمة الطعن بالفقرة (9) من المادة (46) التي تنص على ان يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد عن سنة، كل شخص يمارس العمل الحزبي من دون تسجيل تنظيمه، مما يخالف القانون. وقد تم تبرير الطعن في هذه المادة بالاشارة الى ان العقوبات يجب ان تقتصر على ما يخص الجانب المالي وتجنب العقوبات السالبة للحرية.
ومن بين المواد السالبة للحرية، التي ردت المحكمة الطعن في دستوريتها، المادة (50) من القانون التي تنص على ان ( يعاقب مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات المسؤول الحزبي الذي يرسل اموالاً الى خارج العراق من دون موافقة دائرة الأحزاب)، مما يشكل قمعاً غير مبرر. كما ان المادة (53) التي تم رد الطعن فيها ايضاً، نصت على ان (يعاقب بغرامة مليون دينار أو ثلاثة ملايين دينار لمن يخالف احكام هذا القانون) فهذه المادة فضفاضة في نصها ويمكن تكييفها على ابسط الحالات، مما يشكل قمعاً للعمل الحزبي.
في الختام نعيد تأكيد ان في قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 بصيغته الحالية، وباعتباره يمثل احد الأركان الأساسية للعملية الانتخابية، العديد من النواقص التي تجعله قاصراً عن أداء دوره المطلوب. وهذا يتطلب الضغط من اجل اجراء مراجعة شاملة للقانون، لتخليصه من النصوص السلبية التي يتضمنها، ولإغنائه وجعله أكمل وأفضل اسهاما في خلق حياة ديمقراطية، تتيح اجراء انتخابات نزيهة يستطيع الشعب من خلالها ايصال ممثليه الحقيقيين الى مجلس النواب.

عرض مقالات: