(كل فرد من أسراء الاستبداد مستبد في نفسه، لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم حتى وربه الذي خلقه تابعين لرأيه وأمره. والأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الإستبداد لا تستحق الحرية). عبد الرحمن الكواكبي
في تغريدة لها يوم السبت الماضي، اكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس- بلاسخارت على أن " انعدام المساءلة، والتردد، ليسا ما تستحقه آمال العراقيين، الذين عبروا عنها بشجاعة طيلة أربعة أشهر حتى الآن". وأضافت أنه "في الوقت الذي يستمر فيه عدد القتلى والجرحى بالارتفاع، فان الخطوات التي اتخذت حتى الآن ستبقى جوفاء إذا لم تستكمل".
بينما اعلنت مفوضية حقوق الانسان في العراق، يوم الاحد الماضي، استشهاد 12 متظاهرا في العاصمة بغداد ومحافظة ذي قار، واصابة 230 من المتظاهرين والقوات الامنية، كما أشارت الى حصول 89 حالة اعتقال تعسفي للمتظاهرين، وبعدها التصريح المشترك الصادر يوم الإثنين عن سفراء 16 دولة في بغداد والذي أدان الاستخدام المفرط والمميت للقوة من قبل قوات الأمن العراقية والفصائل المسلحة ضد المتظاهرين المسالمين منذ 24 كانون الثاني، بضمنهم متظاهرو بغداد والناصرية والبصرة.
ويبدو أن لا صدىً لكل هذه الإدانات الأممية والوطنية وتلك الإحصاءات الصادمة، لدى الحكومة المقالة/ المستقيلة، التي تمعن وتوغل في الإنتقام من شباب الإنتفاضة خطفا واغتيالا وقتلا، ثم تتستر بغباء خلف ما تسميه "الطرف الثالث"، الذي أوكلت هي له، وفي تمثيلية هزلية وبائسة، مهمة قمع الانتفاضة، دون أن تتعظ هي وأسيادها من دروس التاريخ، التي أثبتت مراراً بأن يد الجلاد مهما استقوت، فستُكسر بقصاص عادل.
كما لم تتعظ هذه "الحكومة" مما شهده العراق والمنطقة من تجارب مرّة، أكدت بأن المراهنة على تراجع المنتفضين، ومللهم وتعبهم رهان خاسر، وبأن لا أحد يمكن أن يصدق الأكاذيب التي تحاول خائبة شيطنة الانتفاضة. وما ديمومة الحراك واتساع رقعة ساحاته وتنامي اعداد الشباب المنخرطين فيه الا دليل على ما نقول وعلى أن ما يشهده عراقنا اليوم هو حدث فريد في تاريخ المنطقة، وإن هذا الشعب الذي يثبت يوما بعد آخر انه عصي على جلاديه، سخي في تضحياته، جدير بنيل الحياة الحرة الكريمة التي يستحقها.
إيها المستبدون، الا يكفي ما اقترفتموه من جرائم بحق أبناء هذا الشعب؟ الا يكفي ما آلت اليه أوضاع البلد حتى بات مضرب الامثال في الفساد ونهب المال العام؟ الا يكفي أن عدد شهداء الانتفاضة بلغ أكثر من 600 متظاهر منذ انطلاق الاحتجاجات في بغداد وعدد من محافظات البلاد مطلع تشرين الأول الماضي، وعدد الجرحى والمعوقين أكثر من 25 ألف ضحية؟ الا يكفي ان عدد الأرامل في العراق تجاوز المليوني أرملة؟ الا يكفي أن الجواز العراقي يحتلّ في قائمة جوازات السفر في المركز 198 من أصل 199 دولة في العالم، متقدما فقط على الجواز الافغاني؟ الا يكفي أن ديون العراق الخارجية بلغت 125 مليار دولار؟ الا يكفي أن عدد العاطلين عن العمل زاد على أربعة ملايين عاطل؟ الا يكفي أن سيادة وكرامة البلد ثلمت على ايديكم ودون خجل؟ الا يكفي تمزيق وحدة الشعب بمشاريعكم الطائفية الكريهة. الا يكفي والا يكفي.. والقائمة تطول وما حل بالبلد من خراب يتواصل.
كفى تعنتا أيها المستبدون، خذوا ما نهبتهم وإتركوا لنا الوطن.