الآلاف من أبنائنا وبناتنا من المشاركين في انتفاضة الشعب وثورته المجيدة منذ أكتوبر 2019، وحتى الساعة تعرضوا للاستشهاد او للاصابات والعوق، ومنهم من تعرض للتهديد والملاحقة والاختطاف والتغييب، واعطوا ارواحهم قرباناً لشعبهم ووطنهم حتى حق القول عنهم: يجود بالنفس ان ظن الجواد بها.. والجود بالنفس اقصى غاية الجود.

لقد قدم الشباب في هذه الثورة صورا رائعة ومواقف بطولية وتضحيات غالية. وقد حدثتني واحدة من بناتنا المتظاهرات التي تم اختطافها من ساحة التحرير وهي في طريقها الى منزلها قائلة: تم اختطافي من ساحة الكيلاني وانا عائدة من ساحة العز التحرير، حيث كنت اتعامل مع سائق التكسي فاذا بهم وقد دفعوني فجأة الى داخل السيارة. وحاول سائق التكسي ان يخلصني ويدافع عني فأمروه بالسكوت (انجب.. انت معليك). وبعد امتار انزلوني من التكسي وامروا سائقها بالمغادرة، وتم نقلي الى سيارة أخرى ومنها الى مكان فسيح لم اشاهده لانهم عصبوا عيني على طريقة وسلوك امن صدام. حيث كان المرحوم ابي يحدثنا عن ممارسات وسلوك ذلك النظام. وكانت معي اكثر من شابة من فتيات الانتفاضة، وقد تميزت واحدة منهن بشجاعة فائقة وموقف بطولي وإصرار رائع على موقفها، فأكدت لهم صحة رأيها وحسن اختيارها التظاهرات لانها خرجت تريد وطناً. وقالت لو انها عادت اليوم الى ساحة الشرف في ساحة التحرير لعادت للمشاركة في التظاهرات. ولو قدر لها ان تنال الشهادة لكان فخرا لها ولعائلتها ووطنها.

لقد افرزت هذه الانتفاضة شابات وشبابا من معدن اصيل وثوارا ذوي بأس شديد وشجاعة نادرة لا يعرفون معها الخوف. وكانت الرائعة البصرية جنان ماذي التي قاربت الخمسين من عمرها قد شاركت في الانتفاضة بكل مشاعرها واحاسيسها، فكانت ترعى الايتام وتهتم بالارامل وتنشط في تعليم النساء الخياطة والحياكة وتساهم في حل اشكالاتهم وهمومهم. وتظهر ام جنات في كل نشاط ومشروع خيري وانساني، حتى وجدها البصريون في الانتفاضة مسعفة ناشطة وراعية للمصابين والجرحى. وكثيرا ما وجدها رفاقها عائدة الى بيتها بعد يوم عمل شاق يتجاوز 18 ساعة من الجهد والطاقة. فقد استشهدت يوم الثلاثاء بعد منتصف الليل، حيث اكد رفاقها ان ام جنات تعرضت الى هجوم مباشر من اثنين من المسلحين أمطرا جسدها الطاهر بوابل من الرصاص فاستشهدت في الحال، وجرحت معها واصيبت المسعفة البطلة فاطمة علي، وعشرة من ابطال الانتفاضة. وكثيرا ما كانت الشهيدة تقول عندما تسمع باستشهاد احد الثوار: هنياله .. اللي يروح شهيد". وكانت تكرر هذه العبارة يومياً لانها تشعر بالفخر والاعتزاز حتى استشهدت، لتشيعها البصرة وجماهيرها بكل فخر واعتزاز.

هنا يحق لنا ان نتساءل من قتل ام جنات واهدر دمها ومن قتل الإعلامي البصري احمد عبد الصمد والمصور صفاء وغيرهم من أبناء البصرة الفيحاء عاصمة العراق الاقتصادية؟ ومن هدر دماء ابطال ذي قار ونحر منتفضي كربلاء وسفك دماء أبناء بغداد وتعامل بقسوة مميتة مع أبناء ميسان وثكل الأمهات في الديوانية وتعامل بشراسة مع احفاد ثورة العشرين في السماوة وورثة ام الحضارة بابل؟

ان هذا البعض معروف لكل المعنيين والمسؤولين وقد اسموه (الطرف الثالث). فالجيش وابناؤه الوطنيون والمخلصون يعرفونه، وأبناء شرطتنا الوطنية تعرفوا عليه، والمواطنون شخصوه وعرفوا عنه الشيء الكثير. انه ..... الذي حمل السلاح وجلس في المكان المناسب الذي اختاره بعناية. وحتى الساعة لم تتعرف عليه الجهات المعنية والمسؤولة، بينما الوقائع والاحداث اكدت معرفة الجناة.

يا من تقودون الدولة واحزابها المتنفذة والمجتمع، وتطالبون بانهاء الثورة وقمع انتفاضتها الجماهيرية، انكم تصرون على ان الحل الأمني هو الحل الوحيد.. فأين الفرق عما كانت الحال أيام الطاغية؟

عرض مقالات: