أنتج انهيار الدول الاشتراكية تبدلات كثيرة في العلاقات الدولية وحمل العديد من الموضوعات الفكرية – السياسية الجديدة وما رافقها من محاولات سياسية متعددة الأهداف تدعو الى اعتبار الليبرالية الجديدة ومساندها الفكرية والسياسية أساساً ايديولوجياً وحيداً في برامج الحركات السياسية --الاجتماعية ناهيك عن اعتمادها في بناء العلاقات الدولية.

-- انطلاقا من ذلك اللمعان الفكري والسياسي لليبرالية السياسية نحاول التعرض الى بعض المفاهيم السياسية التي تسعى الى تحديد طبيعة الشرعية الديمقراطية للحكم وما طرأ على ذلك المفهوم من تغيرات سياسية جوهرية.

-- بداية لابد من التأكيد على ان الشرعية الديمقراطية تعتبر إحدى الموضوعات الأساسية في الفكر السياسي الليبرالي وقد جرى اعتمادها من قبل الأحزاب الماركسية بعد انهيار التجربة الاشتراكية المرتكزة على قيادة الحزب الواحد.

-- توطدت الشرعية الوطنية للنظم السياسية الرأسمالية بفضل كفاح الطبقة العاملة وحلفائها الوطنيين الهادف الى موازنة المصالح الطبقية على أساس اعتماد الشرعية الديمقراطية في بناء سلطة الدولة السياسية.

-- تتعرض الشرعية الديمقراطية وسمتها الأساسية الشرعية الانتخابية في المرحلة الراهنة من تطور الرأسمالية الى الكثير من التغيرات السياسية أبرزها التزوير الانتخابي الهادف الى تكريس سلطة القوى الرأسمالية المناهضة لمصالح الطبقات الاجتماعية الأخرى وما نتج عن ذلك من تعرض مفهوم الشرعية الديمقراطية الى الاختزال والتزوير الهادف الى تحجيم جوهر الديمقراطية السياسية وتقييد فرص استلام السلطة السياسية من قبل الطبقات الاجتماعية الكادحة.

-- الاختزال والتزوير الانتخابي المشار اليها يستند في الطور الرأسمالي المعولم على فصل الشرعية الديمقراطية عن الشرعية الانتخابية وفصل الحقوق الاجتماعية عن الحقوق السياسية.

استنادا الى ذلك يتحتم علينا تأشير تلك التغيرات الطارئة على الشرعية الديمقراطية عبر المحار التالية--

أولا – التوازنات الطبقية والشرعية الديمقراطية للحكم.

ثانيا –الشرعية الانتخابية بديلا عن الشرعية الديمقراطية.

ثالثاً- الشرعية الانتخابية وطبيعة السلطة السياسية.

استناداً الى تلك المحاور المثارة نحاول البحث في مضامينها الفكرية والسياسية.

أولا –التوازنات الطبقية والشرعية الديمقراطية للحكم.

شكلت الشرعية الديمقراطية للنظم الرأسمالية سياجاً قانونياً وسياسياً لتنظيم العلاقات الطبقية في التشكيلات الاجتماعية للبلدان الرأسمالية المتطورة وقد ترسخت الشرعية الديمقراطية عبر تثبيتها في البناء الدستوري للدولة البرجوازية.

-- سيادة الشرعية الديمقراطية في بناء سلطة الدولة الرأسمالية جاء نتيجة لكثرة من التغيرات السياسية والاجتماعية أبرزها ظهور المعسكر الاشتراكي وتوطد مكانته في العلاقات الدولية. ومنها الكفاح الطبقي المتنامي الذي خاضته الطبقة العاملة واحزابها الاشتراكية في الدول الرأسمالية وآخرها خشية الطبقة البرجوازية الحاكمة من احتدام الصراعات الطبقية وضياع سلطتها السياسية.

-- انطلاقاً من تلك التبدلات الأساسية عبرت الشرعية الديمقراطية المعتمدة في البلدان الرأسمالية عن إدراك القوى الطبقية المتنازعة في التشكيلات الاجتماعية للدولة الرأسمالية على أهمية بناء الامن الاجتماعي وصيانته على أساس الموازنة الطبقية.

 -- إدراك القوى الطبقية لبناء للأمن السياسي – الاجتماعي جاء نتيجة لسلسلة من المعارك الطبقية في الإطار الوطني المناهض للاستغلال الطبقي المبني على وحدانية امتلاك شرائح البرجوازية المتعددة   لسلطة الدولة السياسية.

باختصار يمكن القول ان الامن الاجتماعي – السياسي المرتكز على سلطة الطبقة البرجوازية جاء تعبيرا عن عدم قدرة الطبقات البرجوازية الحاكمة على اخضاع الطبقة العاملة وحلفائها لسلطة راس المال وما نتج عن ذلك من بناء وتأمين التعايش الطبقي المبني على موازنة المصالح الطبقية التي عبرت عنها بوضوح الشرعية الديمقراطية للحكم الامر الذي أدى الى ابعاد السلطة الرأسمالية عن الثورات الطبقية الاجتماعية.

ثانيا –الشرعية الانتخابية بديلا عن الشرعية الديمقراطية.

- افضى انهيار النموذج الاشتراكي للحكم الى كثرة من التغيرات السياسية على صعيد العلاقات الدولية - الوطنية تجسدت – التغيرات - كما أراها بالعناوين السياسية – الاجتماعية التالية -

العنوان الأول – سيادة خيار التطور الرأسمالي في العلاقات الدولية أفضي الى تفكك ترابط حركة التحرر العالمية وتبعثر فصائها الأساسية المتمثلة في الدول الاشتراكية الفعلية والدول الوطنية والطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية وما نتج عن ذلك التفكك من تبدل مهامها الوطنية والاممية.

العنوان الثاني - سيادة أسلوب الإنتاج الرأسمالي عالميا أحدث تخلخلاً في المساند الفكرية والمنهجية لبرامج الأحزاب الاشتراكية فضلا عن ضبابية رؤيتها الفكرية لطبيعة التناقضات الدولية الرئيسية وموقفها من الدولة الوطنية.  

العنوان الثالث —حصول تغيرات كبيرة على سياسة التوازنات الطبقية في الدول الرأسمالية تمثلت بمراجعة القوانين والمكاسب الاجتماعية للطبقة العاملة وتكريس حكم البرجوازية الكبيرة في سلطة الدولة السياسية.

العنوان الرابع – ارتكاز نهوج الرأسمالية المعولمة في علاقتها الدولية على مبادئ الهيمنة والتبعية واعلاء شان الطبقات الفرعية لغرض تهميش التشكيلات الطبقية الوطنية.

العنوان الخامس – افضت قوانين التبعية والتهميش الملازمة للرأسمالية المعولمة الى تحجيم نمو الطبقات المنتجة وسيادة إرهاب الأنظمة الاستبدادية ضد الحركات الوطنية وترابطها مع التدخلات العسكرية الهادفة الى إعاقة تطور التشكيلات الاجتماعية الوطنية وطبقاتها الاجتماعية الفاعلة.

العنوان السادس –أفضت التغيرات السياسية والاجتماعية في الدول الوطنية الى تكريس الشرعية الانتخابية بديلا عن الشرعية الديمقراطية من خلال تزوير الانتخابات الوطنية وتحجيم فعالية الطبقات الاجتماعية الهادفة الى تبني برامج الإصلاح الاجتماعي فضلا عن مساندة الخارج الرأسمالي لنتائج الشرعية الانتخابية.

 ثالثاً- الشرعية الانتخابية وطبيعة السلطة السياسية.

-- التغيرات الجديدة التي حملها الطور الرأسمالي المعولم لا يمكن اختزاله الى سيادة اسلوب الإنتاج الرأسمالي عالميا بل معاينته وتغيرات سياسية – اجتماعية كثيرة تتصدرها-

--ترابط الطور الرأسمالي المعولم وسمات التبعية والتهميش وذلك بعكس المرحلة الكولونيالية السابقة المعتمدة على بناء الدول الوطنية واحاطتها بسيادة وطنية شكلية.

-- سياسة التبعية والتهميش الملازمة لمرحلة الرأسمالية المعولمة أفضت الى تقسيم الدولة الوطنية الى

أقاليم غنية متطورة حاوية على الثروات الطبيعية وأخرى فقيرة فاقدة لتلك الثروات وما حمله ذلك التقسيم من تفتيت سياسة الدولة الموحدة الهادفة الى تنمية بنيتها الاقتصادية الوطنية وتطوير طبقاتها الاجتماعية.

- تلازم نهوج التبعية والتهميش والتدخلات المتعدد الاشكال الهادفة الى كبح التغيرات الاجتماعية في الدول الوطنية وعرقلة تطور قواها الطبقية المنتجة.

-- مساندة الطبقات الاجتماعية الفرعية المتمثلة بالقوى الطبقية الكمبورادورية والشرائح المالية الربوية ودعم سيطرتها على سلطة الدولة السياسية بعكس مساندتها   للبرجوازية الوطنية في المراحل السابقة من تطور الرأسمالية.

- السمات المشار اليها قادت الى إفراغ الشرعية الديمقراطية من مساندها الاجتماعية والسياسية وتحويلها الى شرعية انتخابية عبر اضفاء شرعية دولية على نتائجها التصويتية.

- تتطلب وقائع العلاقات الدولية الجديدة إعادة بناء الأحزاب الوطنية الديمقراطية وتنمية قدراتها الكفاحية المناهضة للتخريب الرأسمالي والتي أجدها في العناوين البرنامجية التالية: -

1 – الكفاح من اجل تثبيت ركائز الوطنية الديمقراطية والتي تهدف الى   قيام انظمة ديمقراطية شرعية مرتكزة على التنمية الوطنية والتوازنات الطبقية لتشكيلة البلاد الاجتماعية.

2– التركيز على وطنية البرامج السياسية الرافضة للوكالة الأجنبية وما يشترطه ذلك من حرمان القوى الطبقية الفرعية من تبعيتها للوافد الخارجي المتناقض والمصالح الوطنية.

3 – اعتماد الوسائل السلمية والوطنية الديمقراطية في فعالية الأحزاب السياسية المتنافسة

 للوصول الى السلطة السياسية.

4–ادانة النزعات والميول الانقلابية وتطوير كفاءة المؤسسة العسكرية المهنية باعتبارها السياج الوطني المسلح للدفاع عن الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية.

استناداً الى ما جرى استعراضه من رؤى فكرية ومضامين سياسية نتوصل الى الاستنتاجات التالية-

أولا – تتلازم سياسة الرأسمالية المعولمة الخارجية وشروط التبعية والتهميش والهادفة الى الحاق الدول الوطنية بالتكتلات الدولية وجعلها مستودعا للخامات الأولية الفاعلة في صناعتها الوطنية.

ثانيا ً- تعمل الرأسمالية المعولمة ونهجها الليبرالي الجديد على فصل الشرعية الانتخابية عن مثيلاتها الشرعية الديمقراطية بهدف تهميش التشكيلات الاجتماعية في الدول الوطنية.

ثالثا - تسعى الرأسمالية المعولمة في علاقاتها الدولية الى مساندة الطبقات الكمبورادورية وشرائح الرساميل الربوية لغرض إعاقة تطور التشكيلات الاجتماعية الوطنية المناهضة لميول التبعية والالحاق.

رابعا - صيانة الدول الوطنية وتنمية تشكيلاتها الوطنية وتطوير طبقاتها الاجتماعية يشترط بناء حركة شعبية قادرة على مناهضة للهيمنة الخارجية ورافضة لربط الدولة الوطنية بالاحتكارات الدولية.

 

عرض مقالات: