الإنتفاضة الحالية وما سبقها من تظاهرات مطالبة، بحقوق المواطنة التي أهدرها القائمون على نهج المحاصصة الطائفية والإثنية المقيت، ذي الطبعة الامريكية ليكون نهجهم في تقاسم مردودات إسقاط الدكتاتورية فيما بينهم. فالدم المُراق فيها قد حطم مكابرتهم، وكشف معدنهم الردي، وجعل من مواصلة نهجهم لقيادة السلطة في العراق غير ممكنة، رغم ما استعملوه بحق المنتفضين الشباب سلميا، كافة اساليب القهر وأطلقوا كافة النعوت غير اللائقة، هادفين من وراء ذلك، تقويض إتساع زخم تظاهرهم المدعوم من قبل شرائح واسعة من الجماهير الشعبية.

 لقد كان في مقدمة تلك الأساليب البربرية، إطلاق الرصاص الحي وإلقاء أنواع القنابل المتعددة الأهداف، من الدخانية والصوتي وغيرها، وكأنهم يخضون مع المنتفضين سلميا حربا، إضافة لإختطاف النشيطين منهم وإجبارهم التوقيع على وثيقة تُنكر ممارسة حقوقهم الوطنية في التظاهر، وتدوس على كرامتهم الإنسانية، مما أعاد لذاكرتنا ما كانت تسير عليه شرطة بهجت العطية في قمع حراك الجماهير. هذا يحصل من أجل أن يستمر تقوقعهم على مواقع القرار وفسادهم والسحت الحرام ، وما يجنوه من بيع العملة، والمقدر ب 45 مليار دولار سنويا.

 ومع إتساع الإنتفاضة وتصاعدها يوميا وخاصة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، التي خُدعت بالأحزاب الإسلامية والقومية، من كونها جاءت لنصرة مظلوميتها، ومن إنها ستبذل كل ما في وسعها من إنتشال فقرائها من وضعهم المأساوي وفقرهم المدقع الذي سببته الدكتاتورية لعموم الجماهير الشعبية بحروبها العبثية، فإذا بها تزداد مأساوية وظلماً وجحوداً وتنكّراً لمطالبها، بل تم توزيع وتجيير مردودات سقوط الدكتاتورية فيما بين أحزابهم  ومحسوبيهم، متناقضا مع ما طمحت له الجماهير الشعبية، بحياة مدنية حرة كريمة، وأمعانا في ذلك واصلت تنافسها من خلال أزلامها في البرلمان طيلة 16 عاما بإحتكار مواقع القرار في الدولة العراقية.

تطمح حاليا (ألأحزاب المتحاصصة) تقديم مرشحين جٌربوا في السابق، خلافا لمقولة  (المجرب لا يُجرب) من بين صفوفها، مما صعد من سخط المنتفضين سلميا مدعومين من الجماهير الشعبية، وخاصة عندما لمسوا أن ما يُقترحوه، من أشخاص، ليكونوا خلفا لعبد المهدي، قد ساهموا بهذا الشكل أو ذاك، في تثبيت أركان نهج المحاصصة، وفي تمييع الروح الوطنية، مما زاد من إصرار الشباب المنتفض سلميا إعادة الوطن الذي جُردوه من مقوماته  ، بنازل آخذ حقي. ومع هذا لم تدرك القوى المهيمنة على الواقع السياسي والإجتماعي بنهجها المحاصصاتي، حجم الضرر الذي أوقعوه على الشعب والوطن، بما أحدثوه من فراغات واسعة، وهوّة سحيقة فصلتها حتى عن جماهيرهم، ويواصلوا حاليا، حث رجالاتهم في البرلمان تشكيل لجان لتعديل الدستور وكذلك لجان لسنّ قانون انتخابي جديد بشرط ان يبقوا محتفظين بمراكزهم التحاصصية، ولكن بثوب آخر، تتماها ألوانه مع نهج أحزابهم، كما رأيناه عند تشكيل مفوضية الإنتخابات: ثلاثة قضاة للشيعة وأثنان للسنة وإثنان للكورد

 ومما زاد الطين بلة، تواجد شخصيات أمنية لدولة جارة بغية مساعدتهم، على إيجاد الشخص المناسب كي يُحافظ على إستمرار نهجهم المقيت ، غير مقتنعين بان عراق اليوم لن يكون عراق ما قبل الأول من أكتوبر، ولا يمكن الاستمرار بما هو قائم جزئياً أو كلياً ولهذا يصر المنتفضون على أن قانون الإنتخابات المطروح تعديله، لا بد من أن يأخذ بنظر الإعتبار ما يُريده المنتفضون، من جعل العراق دائرة انتخابية واحدة، وإختيار  النسبية في إحتساب الاصوات، وإعتماد القائمة المفتوحة في الإنتخابات القادمة.  

 فهل ستستجيب القوى المهيمنة تحاصصيا على البرلمان لمطالبهم وتتخلّي عن مواقعها أم أنها ستعيد الكرّة وتضبط المشهد بالقوة وبمساعدة الدولة الجارة بما يُحقق أجنداتها ؟

وإذا ما أريد إيقاف ذلك، والخروج من المأزق والحالة الإستثنائية الراهنة، فأنه لا بد من الإقدام على حلول إستثنائية، بما فيه الحاجة لتدخل المجتمع الدولي، وإشراف الأمم المتحدة تحديداً على الإنتخابات القادمة.   

عرض مقالات: