فيما اعادت انتفاضة تشرين/اكتوبر بأيام معدودات و بقوة، الروح العراقية القائمة على الوحدة الصلدة للتنوع العراقي، بعد ان كسرت حاجز الخوف و الصمت الذي استمر ستة عشر عاماً، التنوع القومي و الديني و المذهبي و الثقافي المتفاعل الذي شكّل الاساس في قدرة الشعب العراقي على التغيير.  

داعية الى استلام الكفوئين النزيهين، الحريصين على مصالح البلاد، استلامهم للمهام الحكومية ممن تزخر بهم البلاد، و على اساس المواطنة و الإنتماء للهوية العراقية، بغض النظر عن الانتماء الاثني و الديني و المذهبي و الطائفي و سواء كانوا رجالاً او نساءً . . داعية الى الغاء نظام المحاصصة اللادستوري، الذي صار و كأنه هو النظام الحاكم.

في وقت يشير فيه العديد من المتابعين و الوجوه الاجتماعية، الى ان المحاصصة اتُّخِذَت اثر سقوط الدكتاتورية كعُرفٍ لا اكثر، بمعنى مشاركة كل اطياف الشعب العراقي في الحكم للوقوف امام نزعة احتكار السلطة الدكتاتورية المنهارة، و كبديل لنزوعها الى الاعتماد على (طائفة سنيّة) واحدة حمّلها حينها اسم (الطائفة المنصورة).

و يشير آخرون الى ان اتخاذ ذلك العُرف، جاء للوقوف امام نزعات الاحتكار و الهيمنة على كل الحكم اثر سقوط الدكتاتورية، الهيمنة من قبل (احزاب التيار الاسلامي الشيعي المعارض لصدام) باطرافه، مستندة الى تحريض و دعم دوائر حاكمة في الجارة ايران لها، ضاربة عرض الحائط ارادة التيارات المعارضة الاخرى من كل انواع الطيف العراقي التي نشطت في معارضة صدام، و قدّمت تضحيات فلكية على طريق اسقاط الدكتاتورية.  

و بانواع الخدع و وسائل العنف و الصدامات الطائفية التي هدف القائمون عليها اما للعودة الى نظام الدكتاتورية، و اما الى احتكار السلطة الجديدة لهم وحدهم بتوظيف (مظلومية الشيعة) و (البيت الشيعي) لذلك، فسارت احزابهم الى افراغ محتوى مشاركة الجميع، بالدخول خلسة و بالتهديدات و بمواجهة الاحتجاجات الشعبية بالرصاص و بانواع العنف المفرط، و سيطروا على مختلف مرافق الحكم بعد تطويع كتل المحاصصة لهم، باشراكها معهم و غض نظرهم عن انواع الفساد الاداري الحكومي و انواع السرقات و كومشنات العقود الحكومية الفلكية.

حتى صارت المحاصصة و بعبورها للكتل الطائفية، بالتشارك بالفساد و السرقات و بشتى الطرق، و كأنها هي الكتلة الاكبر في البرلمان القائم و في اللجان و الهيئات المستقلة و في الدولة، و كأنها القاعدة الوحيدة للحكم، و صار رؤساء الكتل و الاحزاب الحاكمة بقيادة حزب الدعوة و بالاستناد الى عنف انواع ميليشيات الحشد الحكومي / الايراني الطائفية و العائلية العشائرية المتخذة من اسم الحشد الشعبي غطاءً، حتى كوّنت ما دُعي بـ (الدولة العميقة) التي تحكم و تقرر سراً، التي جعلت من مؤسسات الحكم و الانتخابات و كأنها واجهة كرتونية للحكم الفعلي، وفق تصريحات برلمانيين و مسؤولين سابقين، و وفق ماتتناقله وكالات انباء دولية مستقلة.

فادّت الى افراغ مؤسسات الحكم من جوهر وجودها، و الى عدم قيامها باعمالها لتحقيق ما انتظره الشعب منها (لعدة اسباب على رأسها الفساد و سباق الرشاوي)، حتى ضاعت انواع الخدمات اليومية من الكهرباء و الماء الصالح للشرب، و الى الحق بالعمل و الصحة، و حقوق اجيال عديدة بالعيش الكريم في وقت تصاعد فيه الفقر الى درجات لم تعشها من قبل البلاد التي تعتبر من اغنى بلدان العالم . .  و ضاع الوطن !!

و فيما ادّت انتفاضة تشرين البطولية الى كشف الكثير من مساوئ نظام المحاصصة القائم و الى التأكيد على وجود من يتصدى له، تحدّث و يتحدّث منتفضون في وسائل الاعلام الداخلية و العالمية على ضرورة الغاء نظام المحاصصة القائم الذي شكّل و يشكّل الاساس القوي للفساد و الطائفية المقيتة .  . و يدعون الى الالتزام الدستوري بالسير على طريق التبادل السلمي للسلطة، الذي يؤكد عليه الدستور في عدة ابواب و فقرات.

في وقت ادىّ فيه نظام المحاصصة المقيت، البعيد عن التمثيل الحقيقي للشعب مصدر السلطات، ادىّ الى خسارة النظام الحاكم لثقة الشعب بالانتخابات وفق قوانينها التي اعتُمدت و الذي يعني خسارته للشرعية الدستورية، بل و ان اعتماده على العنف المفرط لمطالب المتظاهرين و مواجهته لهم بانواع العنف و الاختطاف و التعذيب و الخدع، راح ضحيته اكثر من 500 شهيد و 20 الف جريح و معوّق وفق احصاءات لايرقى لها شك، في اكثر قليلاً من شهر واحد حتى الان، نظام لايمكن ان يكون في الواقع الاّ نظاماً دكتاتورياً قد يفوق دكتاتورية صدام البائدة.

 

                

 

عرض مقالات: