ورد في الدستور العراقي بمواده 30 و31 و33 و34 و35 و36. حيث تضمن الدولة الضمان الاجتماعي والصحي والتعليم المجاني وصولا الى الثقافة والرياضة، ناهيك عن ما ورد في الدستور عن المساوات عموما ومبدأ النفط ملك الشعب العراقي والعراقيين متساوون في الحقوق والواجبات.
لعل ما يعزز ذلك ان النفط العراقي ليس مجرد مورد اساس بل بات الان موردا يرسم كل شيء اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ومع توقع استمرار الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، سيستمر الريع النفطي العام في فرض تاثيره الكبير على تطور البلد في المدى القريب والبعيد بغض النظر عن توسع دور القطاع الخاص وتراجع القطاع العام في الاقتصاد. (د.صبري زاير السعدي / التجربه الاقتصاديه في العراق الحديث ص 570 سنة 2009). وهذه الهيمنه للدوله كمحتكره للنفط نتج عنها تهميش القطاع الخاص ومحدودية دوره.
اما المعزز الثاني الذي يكمل الحلقة هو العامل الدولي والاقليمي خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة فقد تجسد من خلال العولمة سواء كانت سياسات او ثقافات كما جسدها الكاتب الامريكي فوكوياما بكتابه نهاية التاريخ اي ان الرأسمالية خالدة بنسختها الأمريكية.
اي ان الدولة عندهم تكون ليبرالية والا فلا، فان الدولة في العالم الاسلامي والعربي بالذات لم تنجح في تطبيق الوصفة اللبرالية على المقاييس الامريكية، اي هي" بالمصطلح الرسمي الامريكي (دولة فاشلة) فهي لا تستحق ان تعامل كدولة ذات سيادة. وهنا يجري التلاعب بالمكونات القومية ايما تلاعب. فليس المهم تعميق التجانس وبناء صيغة للتكامل الوطني –القومي بل المهم العكس. اي اعادة بناء الدولة على اساس (الشتات التقليدي) اي على اساس الانقسامات الفرعية: القبلية والطائفية والعرقية والمناطقية ...الخ. (د.محمد عبد الشفيع عيسى /الاقتصاد السياسي للعولمة والتكنولوجيا /ص334عام 2004). وهكذا تنسج باقي الدول في التحالفات الغربية طبييعة علاقاتها وسياساتها مع العراق وغيره سواء من خلال الامم المتحدة او مجلس للامن او البنك الدولي وصندوق النقد الدولي او منظمة التجارة العالمية وصولا الى حلف الاطلسي وحتى سياسات الأوبك النفطية.
فالأمريكان يقولون ان 10في المائة من خزين الطاقة هي في بلدنا وهذا ما يفسر بناء أكبر سفارة امريكية عالميا في بغداد واكبر قنصلية عالميا في كردستان. في حين لديها حلفاء تاريخيين في الشرق الاوسط هم دول الخليج واسرائيل. بالمقابل لدينا اطول حدود مع جار التاريخ والجغرافية إيران بعلاقتها المتقاطعة مع الهيمنة الأمريكية، وان تركيا جار التاريخ والجغرافية ودولة المنبع للرافدين.
السؤال الان اجاب عنه التاريخ من المركزيات المتعاقبة لمواجهة اخطار اقل مما هي الان ولكنها فشلت في الإجابة بتأسيس دولة المواطنة. وتداول السلطة ترياق التنمية المستدامة والخروج من احادية الريوع. ان البلدان النامية النفطية في العصر الحديث تشبه اسبانيا في القرن السادس عشر من حيث الطريقة التي عملت بها طفرات سلعية طويلة او قصيرة الاجل على تحويل بناها المؤسسية ، من ان هذه الطفرات تخلق اوضاعا ونظم معتقدات استثنائية لأنها هي استثنائية (تيري لين كارل / مخاطر الدولة النفطية / ترجمة عبد الاله النعيمي /ص451سنة 2008) . هذا عطب بنيوي وسبقه العامل الدولي الذي وصل الى حد الاحتلال واقامة القواعد وجيران جعلوا منا حديقة خلفية ..كيف نجري خصخصة ونحن نتشرذم تحت عناوين فجرتها العولمة بكل ابعادها .كيف نحول الخصخصة كعنوان الى وحدة وطنية وتنمية مستدامة بدستور ضامن للحريات والمساوات بنفط ملك عام للمجتمع ؟
المركزيات في الاقتصادات الريعية ادت الى دكتاتوريات مقيتة وغالبا كانت كمبرادورية وفشلت في اقامة مؤسسات بحدها الادنى وهي تستمع وتنفذ سياسات صندوق النقد الدولي ولعل أبرزها دول امريكا اللاتينية، وما جرى بها من دكتاتوريات وانقلابات عسكرية تحت الهيمنة الامريكية حتى الان. وبذلك كانت المركزيات بدون تنمية حقيقية او الحد الادنى من الديمقراطية والمؤسساتية.
فالخصخصة اجمالا تتحدد اولا تعمل على تقليص سلطات واختصاصات اجهزة التخطيط المركزيه واضعاف دور السياسة المالية والاعتماد اساسا على السياسة النقدية والتي يختص بوضعها البنك المركزي في توجيه النشاط الاقتصادي، والاداة الرئيسة في هذا الصدد سياسات اسعار الفائدة اذ يلجأ البنك المركزي الى رفعها او خفضها في ضوء حالة النشاط الاقتصادي بشكل عام. وكذلك الخصخصة على فتح الابواب على مصراعيها
امام الاستثمارات الأجنبية وتحرير اسعار السلع الوسيطة والنهائية وتحرير الايجارات الزراعية والتجارة استيرادا وتصديرا. (د.صالح ياسر /الخصخصة /ص92 /2016) . امام هذا التفكيك والتعويم للبنى التقليدية السيسيواقتصادي تخرج الصيرورة الطبيعية نحو التطور الاعتيادي من اطاراتها .وبعبارة اخرى فان القوى الجمعية التي تتنازع على (الكعكة) الواحدة تتحول في الفكر والسلوك المترجم له الى (ذرات مفردة) لا تعود تمارس علاقاتها المتبادلة بوصفها مجموعات ولكن كاشخاص طبيعيين .وهذا التفتت الشامل ،والتشظي ، اذا صح التعبير، ينسحب على كافة الميادين (التفاعل الاجتماعي) سواء في في ذلك النشاط الاقتصادي المهني او العمل الاجتماعي ،او الممارسة السياسية .(د.محمد عبد الشفيع عيسى /مصدر سابق ص176) .
في ضوء ما تقدم حول تعويم للبنى التقليديه وما يتزامن معها من تفتت وتشظي اجتماعي وسياسي ،بات متجسدا من خلال فورة الاثنيات والعرقيات وكافة الهويات الفرعية لتتحول كبيئة حاضنة للخصخصة كونها هوية الليبرالية وتجسيد لديمقراطية برلمانية .نجدها هذه واضحة من خلال المحاصصة غير الدستورية، فوصلت اقتصاديا الى ان ظهر لدينا اقتصادان خاصان متناحران رغم ان الاقتصاد الاستيرادي كان عاملا لوجستيا للقطاعين الزراعي والصناعي بات الان عدوا لدودا لهما من خلال الاستيراد على حساب المنتج الوطني ولم يكن للقطاعين الزراعي والصناعي سوى حصة متواضعة من الناتج الوطني باقل من 5 في المائة ، ولذلك يسعى على تكريس التجارة العشوائية بدعم من سياسات البنك المركزي حيث امتداداته السياسية ليحول البلد الى مولات والمعامل مخازن لمستورداته .هذا خيار الليبرالية المطروح امريكيا بنتائجه الكارثية وانعدام رؤى في احداث تنمية حقيقية . او الدخول في عقد جديد لاقتصاد الدولة يبنى على تدخل واسع صوب احداث تنمية كبرى تكون القيادة الاقتصادية فيه لمؤسسة الدولة لبناء اقتصاد حداثة واستخدام واسع النطاق وبنية تحتية واعدة شريطة تحمل معدلات من التضخم والحرمان من لوازم استهلاكية وترفيهية مهمة ناجمة عن اغلاق الباب التجاري المفتوح لتمثل جميعها تضحية من نوع آخر في طراز الحياة ينبغي على المجتمع تحملها! ( د.مظهر محمد صالح /الاقتصاد الريعي المركزي ومأزق انفلات السوق/ص46 بغداد 2013).
تاريخ وتجارب: التجارب الاشتراكية عموما التي انهارت بعد الاتحاد السوفيتي تماسكت لحد ما رغم التراجعات لسبب اساس انه كانت هناك بنية تحتية صناعيا وزراعيا وحتى في الصين بنجاحها يعود لبنيتها التحتية اولا ثم قيادة الدولة التقليدية للاقتصاد بحلقاته الحيوية التي تحرك باقي الحلقات التابعة ، فالكوادر واعضاء الحزب وموظفو الدولة اصبحوا الهيكل الاساس للطبقة الرسمالية الجديدة .(د. نجاح كاظم/الصين القوة العملاقة الجديدة /ص172/2010) .اما الدكتاتوريات التي انهارت في العراق وغيره فانها بدون بنية تحتية وبالتالي بدون قواعد شعبية مرتبطة بها ،حيث كانت عصى الأجهزة الامنية جاهزة وهذا اساس التخبط والهشاشة قبل وبعد الربيع العربي ،مما جعل الباب مفتوحا للتدخل الفظ دوليا واقليميا .
فالانفاق التنموي كان دائما أكثر عرضة للتخفيض في الحالات التي تمر فيها الايرادات العامة بأزمة. (د. عبد الرزاق الفرس /الحكومة والفقراء والانفاق العام /ص192/1997) مما يدفع للاقتراض من صندوق النقد الدولي. الذي يدار عمليا وفق شروط وسياسات الغرب وامريكا على الاخص، اذ يعمل في صندوق النقد الدولي 2487 موظفا من بينهم
1866 خبيرا من المنظرين للاقتصاد السوق الحر ويجري اتخاذ القرارات المهمة بطريقة التصويت المرجح الذي يعني ان الدول التي تملك حصصا أكثر في رأس مال الصندوق هي التي تقرر، وبذلك تصبح الدول الاحتكارية الخمسة الدائمة العضوية هي امريكا واليابان والمانيا وبريطانيا وايطاليا. وامريكا تملك 22في المائة فهي الدولة التي تتحكم في صندوق النقد الدولي وتفرض رؤيتها ولهذا منذ نشأة الصندوق لم يتخذ قرارا واحدا مخالفا لتوجيهات امريكا. (د. عودة ناجي الحمداني/صندوق النقد الدولي ودوره في تعميق الديون الخارجية للبلدان النامية (خصوصية ديون العراق) / ص39/2014)، وهذا مما عزز التبعية والهشاشتين الاقتصادية والسياسية، اضافة للعوامل البنيوية لتتعزز اتجاهات الخصخصة الفجة الناجمة عن الانفلات والتشرذم من خلال كبح الناتج الوطني وعزل التجارة بقطاعها الخاص ووضعها بالاتجاه المعاكس مع انهاض الناتج الزراعي والصناعي الحالي الذي استطاع وكما قيل ان يحمي 84 منتجا صناعيا و15 زراعيا.
عموما تجارب الخصخصة لم تأت من فراغ وغالب التجارب العالمية في الدول الرأسمالية حاضنة الخصخصة كانت وما زالت تحددها الجدوى الاقتصادية المقترنة سياسيا وليس مجرد تلبية لمطالب خارج هذه الاعتبارات. ومن هذه النماذج في معقل الرأسمالية في بريطانيا تجربة مؤسسة الاتصالات البريطانية وتجربة وادي تنسي في امريكا ومؤسسة الاتصالات اليابانية وسكك الحديد الكندية رأس المال والخطوط الجوية الفرنسية.
هذا التحول الى القطاع الخاص ان يراعي اتباع اسلوب التحول الجزئي الى القطاع الخاص، باستخدام نمط الشركة المساهمة ذات الملكية المختلطة، والتي يساهم فيها القطاع الخاص العاملون بأكثر من نصف راس المال الى جانب الدولة. ( د.ربيع صادق دحلان التحولات الى القطاع الخاص/ص250 /1988) .
فحتى الدول الرأسمالية التي تجدد نفسها وقواها الانتاجية وتضاعف كفاءة العمل تلتزم بالتدرج في التحول ليس بناء على مصالح آنية فئوية،
ففي بلدنا إذا ما أردنا خصخصة فعلينا ان نستفيد من تجربة القطاع المختلط الصناعي اذ لدينا 17 شركه للصناعة الخفيفة والانشائية والغذائية في بغداد وكركوك والفلوجة. لابد من الاستفادة من هذه التجربة التي نجحت لعقود خصوصا في العقد الاخير قبل الاحتلال الامريكي، حيث تضررت هذه الشركات بمبلغ 29686 مليار دينار من رأس مالها البالغ 6138 مليار دينار. هذه البداية بإحياء وتوسيع القطاع الخاص
هذا في الصناعة اما الزراعة فهذا القطاع ما زال متخلفا اذ يعاني من مشكلة محدودية الفردية في الانتاج الزراعي المقترنة عادة بغياب تصنيع الريف الذي يصنع ويُعلَّب المنتج رغم انه نجحت تجربة معامل كربلاء للفاكهة ومعامل المعجون في النعمانية وغيرها. رأس المال مجرد ليس جبان فالقطاع الخاص العراقي تعرض لمعوقات التاميم عام 1964 واشتراكيات البعث والحصار والاحتلال بعد 2003 فهرب في البداية الى الاردن ليصبح الان أكبر مالك عقاري وأجنبي هناك ومعامل تصدر مواد للبلد الام.
في كل الاحوال وبعد فشل الاستثمار كما جسده قانون رقم 13 وتهاوي مؤتمر الكويت الداعم في السنة الماضية يواكبها فساد استثنائي وفشل أمنى وسياسي باقصاد ريعي يتصاعد باعتماده على النفط مع ديون وخدمتها لأكثر من مائة مليار دولار، لا يمكن الا المراوحة في خانة الاستيراد العشوائي وتدميره للمنتج الوطني بتبعاته المالية والنقدية.
لذلك لابد ايضا من تصنيع الريف لايقاف نزف البطالة والعشوائيات التي تشكل 13في المائة من مجموع سكان المدن وبغداد 22في المائة وتبعات ذلك من كلف خدماتيه وامنيه، لا يمكن استيعابهم الا بعد تشغيل250 مشروعا حكوميا وهذا لا يلوح في الافق المنظور في ضوء السياسات الحالية،
ولدينا تجربة او مشروع لم يكتمل وهو مشروع ربيعة في الموصل يمكن تعميمه وتعميقه متكاملا مع الاقليم باقي المركز
من خلال ماتقدم وفي ضوء الامر الواقع لابد من التأكيد ان البنية الاساس لابد ان تكون من خلال الدولة التي لديها ستراتيجية عشرية بوارة تخطيط تأخذ دورها كاملا متكامل بخبرات متجددة خلاقة بنتائج وارقام.
لا يسعنا في الختام سوى التاكيد انه لا نجاح للخصخصة الا عبر دولة رشيدة بكل المقاييس تحدد اولوياتها مسبقا وهكذا نجحت الصين ومجموعة نمور اسيا وتركيا وإيران والمجموعة السوفيتية السابقة، وكذلك دول امريكا اللاتينية التي تعاني من سياسات ووصفات صندوق النقد الدولي السحريه كما تصوروها وكما ننغمس بها الان.
اذن لابد ان نعود الى دستورنا كما ورد في المقدمة اذ يوحي بالمساواة جليا باقتصاد السوق الاجتماعي الضامن للعدالة والمساواة والضمان الصحي والتعليم المجاني والشراكة في ملكية النفط والمساواة في الحقوق والواجبات امام القانون بعد ترجمة المواد الدستورية بقوانين نافذة.

عرض مقالات: