أنا متيقن بأن هذه القوى المتسلطة على رقاب الناس من 2006 م وحتى الساعة ، ليس بإمكانهم أن يقدموا الى الناس أي شيء ، وليس بمقدورهم ولا يرغبون في فعل ذلك ، فقد فشلوا فشلا ذريعا في إدارة ( الدولة والمجتمع! ) والأسباب معروفة للقاصي والداني ، نتيجة جهلهم وفسادهم وطائفيتهم ، ولم يتمكنوا من بناء ركائز لدولة ناجحة تمثل إرادة العراقيين ، وتحقق العدالة والمساواة والأمن ، وهذه ركائز أساسية ومن أولويات ومهمات الدولة ومسؤولياتها تجاه الشعب .
النظام وأحزابه الفاسدة وشريحة ( رجال الدين !) الذين تحولوا الى أبواق ,, وعاض للأحزاب ( الدينية ! ) .. وأصبحوا أكثر فسادا إن صح القول من قادة قوى الإسلام السياسي ، وأخذوا على عاتقهم تسويق نهج وسياسة التضليل والخداع والكذب ، لإقناع الناس بصدق وصواب ما يقوم به الإسلام السياسي الحاكم ، والأكثر قباحة ووقاحة هو ، تصديق قوى الإسلام السياسي لما تسوقه هذه الشريحة من المفترين الدجالين ، متوهمين بأن هؤلاء غير أمينين على ما أوكل إليهم من مهمات الوعظ والإرشاد وتسويق الفضيلة والصدق والأمانة ، كقيم روحية وأخلاقية وكعرف وثقافة تنبع من حقيقة مبادئ الدين الحنيف ، ووقعوا في مستنقع أسن !..
فقد صدقوا أنفسهم !!.. بأن ما يسيرون عليه هو الحق والفضيلة ، وبأنه من وحي الدين وخصاله الحميدة !..
فينطبق عليهم المثل القائل [ اكذب .. اكذب حتى يصدقوك الناس بأنك صادق ، وتعلم يقينا بأنك كاذب دجال !ّ] .
بالرغم من كل النوائب والأهوال التي عاشها العراق وشعبه ، وحجم الجرائم التي ارتكبوها بحق الملايين ، لكن النظام وهواة السياسة المتربعين على قيادة هذه الأحزاب والميليشيات المسلحة والعصابات الخارجة عن القانون ، رغم كل ذلك لم يتراجعوا عن غيهم ، ولم يحاولوا ولو لمرة واحدة على مراجعة سياساتهم وتقيمها سلبا وإجابا !..
بل العكس من ذلك ، فكانوا كلما يسقطون في جب يقعون بأخر أكثر عمقا وأكثر إيلاما ، ويدفعه شعبنا أثمانا باهظة بالنفس والدم والدموع والبؤس والجوع والمرض والحرمان ، وأوصلوا العراق الى أسوء البلدان من الفساد والتخلف في عالمنا المعاصر .
رغم كل ذلك ما زالوا مصرين وبعناد عجيب على عدم الاعتراف بما ارتكبوه وبأن عليهم ترك الساحة السياسية قبل أن يتم إزاحتهم بقوة الشعب وبإرادته ، هذا الشعب الذي تحمل على أيديهم الكثير .
رغم ذلك وما ذكرناه وغيره ، ما زالوا يعولون على تطور الانتفاضة الشعبية الباسلة وإمكانية احتوائها كما فعلوا مع الاحتجاجات في الأعوام السابقة !..
اليوم يراقبون وبحذر شديد ، مدى اتساعها وتطورها ، أو تناقص أعداد المنتفضين ، معتبرين عامل الوقت في صالحهم وليس في صالح الشعب الثائر ، باعتبار أن المنتفضين سيصيبهم الوهن والملل ويعودوا الى بيوتهم خالين الوفاض .
أظن هذا تفكير ساذج وغبي ويجافي حقيقة ما يعيشه العراق والعراقيين ، بعد انطلاق الشرارة الأولى ، في الأول من أُكتوبر المجيد ، ولم يدركوا حقيقة أن العودة الى ما قبل الأول من أكتوبر غير ممكن أبدا ، ومرة أخرى يقعون في خطأ التقدير في رهانهم الخاسر ، وعدم النظر الى الواقع بنظرة متبصرة حكيمة !..
لا شك بأنهم ليس لديهم ما يعطوه للناس ، وهذه حقيقة أكدتها السنوات الماضية !..
اليوم بعد أن اتضحت الحقيقة أمامهم ولكن متأخرين ، فإنهم يبحثون عن وسيلة للخلاص من الذي عليه اليوم ، ولكن ليس برؤية الفريق الواحد .
المصالح الأنانية الضيقة جمعتهم في بداية مشوارهم ، بالرغم من كونهم غير متجانسين فكريا وسياسيا وطبقيا وكما ذكرنا بأن مصالحهم الأنانية قد جمعتهم !...
ونفس الشيء سيفرقهم لاختلاف المصالح والرؤى والانحدار الطبقي الذي خلقه الواقع الجديد ، وهو جانب مهم علينا أن لا نغفله ، أو لم يكن في الحسبان !..
الكثير من رموزهم من السياسيين أو رجال الدين ، يعيدون حساباتهم وفق التطورات العاصفة التي يعيشها العراق اليوم .
وأول ما تستهدف تلك التطورات ، تستهدف رموز النظام ، وعلى وجه الخصوص الخط الأول والثاني والثالث ، وقادة الميليشيات والفصائل المسلحة ، هؤلاء اليوم يحاولون ترتيب أوضاعهم ، استعداد لتطورات ما بعد انحسار فرص بقائهم على رأس السلطة ، فيفكرون في أكثر من وسيلة للخلاص !..
حسب اعتقادي !.. منهم من يغادر مبكرا الساحة السياسية نهائيا ، ليجد له مستقرا أمنا ، والبعض الأخر يحاول أن ينسحب الى الخطوط الخلفية !..
وما تبقى منهم يحاول أن يتشبث بالبقاء والمراوغة والخداع ، والاختباء وراء يافطات وشعارات فضفاضة ،وإعلانه الرغبة في نهج ( التجديد والإصلاح وركوب الموجة ! ) ، وربما هؤلاء بسبب شبهات فسادهم أقل فضاضة وغلو من الحيتان الكبيرة ، وقد ينجح هؤلاء في تحقيق أهداف أنية قصيرة المدى ولفترة محدودة ، ومن ثم يغادرون أو يتم إقصائهم تماما من قبل النظام الجديد !..
ما زالت الثورة تمر بمنعطفات ومتغيرات عاصفة وغير واضحة المعالم ، وربما لا تساعد تلك الانعطافات ولأسباب كثيرة ، في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها .. أقول ربما ، أو لنقل بأنها ستصل لمنتصف الطريق على أقل تقدير !..
وفي تلك المرحلة من حياة الانتفاضة ، ستبدأ بالمراوحة أو هكذا أعتقد ، ليأتي من يقطف ثمارها ويتربع على عرش الثورة .
وهذه المسيرة تتم في عملية طويلة نسبيا ، حتى تتمكن القوى الجديدة التي ستنضج وتتمكن من أخذ مواقعها في الدولة والمجتمع ، التي ستظهر على الساحة من خلال عملية طبيعية في التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المرتقب .
هنا ستبدأ هذه القوى الصاعدة التي ولدت من رحم الثورة ، الى التأسيس لدولة المواطنة ، وقيام دولة ديمقراطية علمانية على الطريقة الغربية أو الأمريكية !..
ولكن المفروغ منه والمؤكد ، بأن قوى الإسلام السياسي والمتحالفين معه سيغادرون السلطة بإرادتهم وطوعا !..
أو سيغادرون مكرهين ( مجبر أخاك لا بطل !) وهذا لا يعني بأن العملية ستكون من دون ألام ومن دون ثمن ، ومن المؤكد بأنها ستغادر هذه القوى تحت ضربات الانتفاضة ، وينتهي والى الأبد حكم وهيمنة قوى الإسلام السياسي الشيعي والسني ، وسيتلقى ضربات قاسية بما في ذلك الفكر الداعشي والأصولية الدينية ، فقد أنجزت هذه القوى ما عليها من مهمات في تخريب البلاد وقتل العباد !!..
ولم يعد لديها ما تسوقه من فلسفة ونهج وممارسة ، والتي أمست ميتة ولا تلامس عقول الناس ولا تمثل مصالح من كان محسوب على ملاكهم .
لا شك بأن انتفاضة الشعب الجبارة قد صنعت واقع ثوريا عظيما ومنيرا لكل الساعين للغد السعيد ، وحققت منجزات جبارة ، وستخلق نقلة نوعية في حياة شعبنا ، وسيمتد تأثيرها بعيدا في منطقتنا وفي الشرق الأوسط .
وستكون هذه الثورة مدار بحث ودراسة وتقييم .
المجد للشهداء الكرام الأبطال ، شهداء أُكتوبر المجيد ، شهداء الشعب والوطن .
المجد والعزة والفخر بشباب الانتفاضة وشيبها وكل من شارك وساعد وساهم على صنع انتصاراتها .
المجد كل المجد لصبايا العراق ونسائه من مختلف الأعمار ، لقد كان دور المرأة العراقية مشرف وعظيما ، يفخر به كل إنسان غيور يحب وطنه وشعبه .
عاش العراق وشعبه العظيم وقواه التقدمية والديمقراطية ، التي ساهمت ودعمت وشاركت الانتفاضة الباسلة صمودها واصرارها على تحقيق النصر المؤزر ، هذه القوى المناضلة ، وسعيها لبناء عراق مزدهر رخي سعيد .