فقد نعليه بسبب جولات الكرّ والفرّ مع قوات الشغب التي تتصدي للمسالمين العراة في شارع الخلاني، والهاتفين بحرية الوطن وسيادته الكاملة غير المنقوصة مع مطالبات برحيل الطغمة الحاكمة ومحاكمة الفاسدين. 

توالت الهجمات من اجل اسقاط الجدار الكونكريتي العازل بين الشارع وساحة الخلاني. وفي أحدى الزوايا القريبة جلس أحد المقاتلين لكي يأخذ استراحة قبل انيعاود الكرة. كان الهدف من اسقاط الجدار هو العبور للساحة والسيطرة على الجسر، باعتباره تحدي فرضته السلطات عليهم وهو تضييق الخناق في ساحات وشوارع محددة، وهذه أدوات لا تنفع وغير مجدية لمواجهة شعب ثائر.

كان التحدي للمنتفضين المتواجدين هو الاصرار على المطالب، ومهما كانت هناك موانع وقطوعات يفتعلونها فسنتصدى لها مع كل الشباب، اليوم القضية باتت محسومة لصالح الحرية ولا مناص منها، وإن سالت دماؤنا واستنزفت الطاقات والموارد.

كانت قدماه متورمتين وداميتين، ولونهما بلون المساءات والأيام الدامية، عندما يتساقط عشرات من الشهداء والجرحى بفعل رمي الدخانية والصوتية والرصاص المطاطي والحي مباشرة على المتظاهرين. اختلط لونها مع لون اسفلت الشارع الملتهب بنيران القنابل الدخانية، كانت طاهرة جميلة زاهية، رغم ما ألم بها من تعب ووجع وجراح ثقيلة، لكنها كانت قاسية قوية اذ رفعت جذعها كطود شامخ ودرع منيع، تنطلق به دون تردد بقوة وباس شديد، كي تشق عباب القمع وأمواجه العاتية، فتشمخ بصاحبها عاليا.

تلك الساق امتدت جذورها عميقا في هذه التربة الخصبة، فأزهرت ثواراً لا يثنيهم صوت الرصاص الحي والمطاطي الذي يرمون به بين فترة وأخرى لترهبيهم وقتلهم، وربما أصولها تمتد لعصور الثورات في الخمسينيات او العشرينات وربما لعصور الحضارات الصاعدة.

كانت محببة لمن ينظر اليها، لانها لم تبالي بخشونة بقايا المقذوفات الجارحة، لم تكثرت لقسوة الاسفلت ونيرانه الحاقدة، لقد نبذت نعليها، وأبت الا ان تلامس معشوقتها الأرض، فأي عشق غريب وعجيب بينهما، ان تتلامسا بكل هذا الحب، ان يتمازج عرقها ودمها مع أديم الارض ونيرانها.

حاولت مرارا ان أقنعه بلبس حذاء، لم يرض غير ان يكون حافيا، لقد تورمت لانها حسب قوله لا تستسيغ غير ارضها.

تناسى صاحبها الاوجاع ، لأن وجع وطنه المسلوب الإرادة أقسى وامر، كان إصراره مهيبا، واستراحته اكثر هيبة. التقط أنفاسه قليلا، وانطلق شاهرا سلاحه: قدمه العارية المقدسة قدسية الأرض التي وطأها وصوته المدوي، راكضا نحو اسوار كونكريتية، كي يسقطها فيطلق شعاع الامل في نفوس رفاقه. نعم نعم للحرية ولتسقط كل الذيول اللا وطنية. 

عرض مقالات: