في آخر ندوات مهرجان طريق الشعب السابع، الذي اختُتم امس الاول الجمعة في بغداد، رد سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي، على اسئلة الإعلامي حسام الحاج في ندوة عامة حول “مشروع التغيير.. الآفاق والتحديات”.

 وفي بداية الندوة دعا الحاج الى التشبث بالصحافة الورقية وقيمها التي انتجت صحفيين كبارا، تتلمذ على أيديهم العديد من الصحفيين، منوها بسعادته في أن يرى “طريق الشعب “ متألقة وان تبقى كذلك.

مشروع قوى التغيير

حسام الحاج: هل تمثل قوى التغيير الديمقراطية تحالفا انتخابيا؟ أم هي تحالف سياسي يتوجه لدراسة الخيارات السياسية المتغيرة في ساحة الاحتجاج والمساحة العامة الوطنية؟

رائد فهمي: قوى التغيير مظلة سياسية يتم من خلالها تنسيق المواقف بين القوى الداعية للتغيير، عبر التلاقي والتوافق على رؤى برنامجية، تعالج كيفية تطوير وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والسياسية من اجل استقطاب واستيعاب قوى اخرى، شريطة ان تلتقي معها بالرؤية البرنامجية.

ونحن لا ننظر الى هذا التنسيق على انه حالة ظرفية مؤقتة ترتبط بانتخابات، فنحن نتحدث هنا عن توفير وتأمين مقومات البديل الحقيقي، من خلال مشروع اجتماعي وسياسي سيظهر خلال الأيام القادمة.

ان قوى التغيير الديمقراطية مشروع استراتيجي، يحتاج الى عمل دؤوب، وسيواجه عقبات ومقاومة، ويحتاج الى درجة عالية من الثبات والحصانة امام الضغوط، التي قد تكون سياسية مباشرة، او تأخذ شكل إغراءات او أشكال اخرى، إضافة للتشويش السياسي.

نحن والإخوة والزملاء في قوى التغيير الأخرى حريصون جدا على التأني في تطوير الأشكال التنظيمية لهذه المظلة، باتجاه ترصين قاعدتها وتطوير العلاقات وتوطيدها في ما بيننا، والتوصل اكثر فأكثر إلى رؤى وتصورات مشتركة اعمق، وترسيخها لتكون قادرة على الصمود امام كل التحديات.

 الحركة الاحتجاجية

حسام الحاج: لا تبدو القوى الناشئة القادمة من ساحات الاحتجاج متهيأة من حيث الخطاب لاقناع الجمهور الاحتجاجي، حيث نلاحظ ان هذا الجمهور تسربت الى داخله مشاعر اليأس والاحباط في بعض الاحيان. 

رائد فهمي: نحن نميز في العمل الاحتجاجي، فهو قد تدفعه عوامل بعيدة الأمد او اخرى بنت اللحظة، وقد يتخذ أشكالا معينة يغلب عليها طابع الرفض، ووصل الامر كما لاحظنا في تشرين الى تقديم تضحيات كبيرة، وبدرجة عالية من المواجهة والشجاعة.

ونعتقد ان هناك مفاهيم خاطئة موجودة لدى أوساط واسعة من المحتجين، فهم يضعون تعارضا كاملا ما بين الاحتجاج والعمل السياسي، وهذا غير صحيح نظرا لكون العمل الاحتجاجي سياسي في مضمونه، وتشرين طرح رؤى واهدافا سياسية كبيرة بامتياز.

والعوامل التي تفجرت على اساسها انتفاضة تشرين معظمها لا تزال قائمة، وربما استفحل قسم منها نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي وتغيير سعر صرف الدولار وغيرها من العوامل، التي قد تعبر عن نفسها وتتفجر بأشكال مختلفة في لحظة معينة.

ان الحراك الاحتجاجي السياسي فرض قيما وجدول اعمال على كل القوى السياسية، ولا يوجد تشكيك في أهداف تشرين بل هناك اعتراض على ممارسات معينة، والسؤال هنا: اذن لماذا تم قمع الانتفاضة؟

ان لحظة تشرين 2019 غير موجودة الآن، لكن هناك اشكالا مختلفة من الاحتجاج، فبعضها احتجاج مطلبي كبير ومستمر حتى الان، والطابع الاحتجاجي الان يظهر على شكل قضايا مطلبية حيث لم ترفع مطالب سياسية. وفي الوقت ذاته لم يجر التخلي عنها، لكن البعض شعر بان موازين القوى اختلت فذهب باتجاه تحقيق بعض المطالب الجزئية.

في الجانب الاخر حمّل الموقف الدولي والإقليمي بشكل واضح الطبقة الحاكمة كل مسؤولية الخراب، وحثّ على التغيير وإنهاء الفساد، وهناك نوع من التوافق الإقليمي والدولي على ضرورة الوصول الى حل في العراق.

في الاول من تشرين الاول الماضي وضعت ورفعت سقوف عالية للمطالب في الحراك، وهي لم تتحقق، وكان وضعها خطأ وأي محلل موضوعي كان يدرك ان الاول من تشرين لا يمكن ان يصفّر الاوضاع او يشكل تهديدا كبيرا.

ان العوامل التي كانت سببا في اندلاع انتفاضة تشرين مرتبطة بنهج المحاصصة، وبكل ما يتفرع عنه من مشاكل في سوء الإدارة والفساد وعدم تأمين الخدمات وغيرها من المضاعفات وعدم حماية الاستقلال السياسي. وهذا النهج لا يزال قائما، والتحدي الكبير اليوم هو ان الحكومة الحالية التي جاءت على أساس روحية إصلاحية، تريد ان تصلح ضمن اعتماد هذا النهج نفسه!

 التحديات امام الحكومة الحالية 

حسام الحاج: الارضية التي شكلت على اساسها الحكومة هي ورقة سُميت ائتلاف ادارة الدولة، فيها من السقوف المرتفعة قضايا لا يمكن تحقيقها مع الكرد ومع تحالف السيادة، وهذا يعطي انطباعا بان عملية تآكل الدعم السياسي ستبدأ ربما من الشهر الأول. على اعتبار ان في هذه الورقة حديثا عن تنفيذ اتفاقية سنجار وحديثا عن سحب قوات الحشد الشعبي من المناطق المحررة، كذلك الحديث عن عفو عام، وهي سقوف كتبت في شهر عسل. ففي حال عدم الايفاء بالالتزامات من قبل حكومة السوداني وهذا هو المتوقع، هل سيسحب الدعم تدريجيا من قبل هذه القوى الرافعة للحكومة؟

رائد فهمي: الخطر الذي كانت تشعر به هذه القوى جميعا، هو ان وضعها مهدد. بمعنى ان منظومة المحاصصة بأكملها تشعر بانها مهددة، وحتى في التحالف الذي دعا له السيد الصدر والذي سمي بالأغلبية الوطنية، لم تكن كل اطرافه متطابقة مع رؤية السيد الصدر، فالأخير رفع شعار ضد المحاصصة بينما الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة ليسا ضد المحاصصة، ولذا فان تشكيل تحالف ادارة الدولة لم يكن مفاجئا.

التعهدات المتبادلة مع الاقليم او مع المجتمع والتي تتعلق بمحاربة الفساد وتامين الخدمات، اذا ما أريد لها الذهاب الى النهاية فحتما سوف تصطدم بمنظومة المحاصصة، لأن هذه بتركيبتها ترعى الفساد وتحفظه.

ولم يعد كافيا فتح ملفات الفساد، فالضرورة تحتم القضاء على عوامل انتاجه دون تمييز، وهذا يؤدي الى حدوث الصدام.

كذلك بالنسبة للخدمات، فنحن لا نعاني من مشكلة مال بل من مشكلة في إدارة المال؛ والمحاصصة هي السبب في الادارة السيئة وغير الكفوءة، فالامر لا يتعلق بالوزير كما يروج له. وهذه الاشكالية والتناقضات ستبرز إذا أراد السوداني المواصلة، فستبرز الخلافات عند التطبيق.

في تحالف سائرون كانت الانتفاضة هي نقطة الافتراق، بعد ان تعرضت لما تعرضت اليه من قتل وقمع واغتيالات. ولم يؤدّ البرلمان دوره، ولم يستطع مساءلة وزيري الداخلية والدفاع او رئيس الوزراء في حينها. ولهذه الأسباب قررنا تقديم استقالتنا من عضوية مجلس النواب.

حواضن الفساد

حسام الحاج: هل تعتقد ان المرتكزات التي ستستند عليها الحكومة الحالية، تمكنها من احداث طفرة في الواقع الاقتصادي، وتوفير فرص العمل ومعالجة المشاكل الاستراتيجية وإعادة تأهيل البنى التحتية؟

رائد فهمي: برنامج السيد السوداني، في جوهره ليبرالي ويعطي حصة للدولة، ويدعو إلى قانون منضبط والى محاربة الفساد.

الحكومة الحالية لديها شرعية قانونية ودستورية ولكنها مشروخة، والأمر يعود الى ان سيطرتهم على الأغلبية داخل البرلمان تمت بطريقة غير اعتيادية، فنسبة المشاركة في الانتخابات كانت ضئيلة.

ان للفساد حاضنة موضوعية، وهناك إمكانية لتحريك بعض الملفات وتحقيق بعض الإنجازات، ولكن من حيث الجوهر ترتبط العناصر المنتجة والمكوّنة والمؤسسة للفساد وسوء الإدارة بنهج المحاصصة، فاذا لم يتم التخلي عنه فلن تكون هناك معالجات جذرية.

عرض مقالات: