ما زال مشروع الموازنة العامة  لسنة ٢٠٢١ يثير الجدل والنقاش. فهذه الموازنة ليست فقط استثنائية  في تاريخ العراق، حيث تبلغ نفقاتها ١٦٤ ترليون دينار عراقي، وعجزها حوالي  ٧١ ترليون دينارا، بل ان تداعيات مضامينها من اجراءات بدأت منذ الان وحتى قبل ان تقر هي، اي الموازنة، بصيغتها النهائية.

ولعل ما يلفت النظر فيها هذه الزيادة الكبيرة في الانفاق، والقفزة المسجلة فيها حتى مقارنة بنسختها المسربة التي بلغ حجمها ١٥٠ ترليون دينار. فالفرق يصل الى ١٤ ترليون دينار وقد اضيف خلال أيام معدودات. فاية ضغوط مورست حتى رفع سقف العجز بهذه الدرجة؟ 

وليس هذا وحده يثير الاستغراب والدهشة، فقد تحدثت تقارير نشرت  أخيرا عن ان النفقات الحكومية الكلية لعام ٢٠٢٠ بلغت ٧٨,٤ ترليون دينار عراقي ، وفي عام ٢٠١٩ لم تزد على ١١١,٧ ترليونا!

فما الذي جعلها ترتفع الى هذا الرقم الفلكي في موازنة ٢٠٢١؟!

تؤكد التقارير المذكورة ايضا ان مجموع العجز الحقيقي في سنة ٢٠٢٠ وصل الى ٢٥ ترليون دينار، في حين استدانت الحكومة مرتين ضمن باب تسديد الرواتب وتخصيصات الرعاية الاجتماعية وصرفيات حاكمة أخرى، وبلغ ما استدانته في المرة  الأولى ٢٠,٧  ترليون دينار ، وفِي الثانية وافق  مجلس النواب على ١٢ ترليون دينار(مقابل٤٥ ترليونا طلبتها الحكومة) لا اكثر، فزاد المجموع على ٣٢ ترليون دينار!

أوَلا تحتاج هذه الأرقام واوجه صرفها الى متابعة وتدقيق؟!

من جانب اخر اعلن وزير النفط ان  سعر بيع النفط الخام يمكن ان يستقر عند ٥٥ دولار  للبرميل الواحد ، فيما  المثبت في مشروع موازنة ٢٠٢١ هو ٤٢ دولارا، وبذلك يصل الفرق الى حوالي ١٣ دولارا. وعند الاخذ في الاعتبار إمكانية التسويق الفعلية للنفط العراقي ومواصفاته،  فمن المعقول جدا ان يتم تحريك سعر البيع الى ٤٦ وحتى اكثر. علما ان  كل  دولار زيادة في سعر الخام المباع  يعني واردا اضافيا للعراق بحدود مليار دولار سنويا.

من جانب آخر اذا عدنا الى الموازنات السابقة نجد انها جميعا جرى إقرارها من دون تقديم حسابات ختامية، ما يُغيّب عن مجلس النواب الأرقام الفعلية للواردات والنفقات وآلية صرفها والى اين تذهب. لذا اصبح مطلوبا ان يجري تعديل سعر بيع الدينار العراقي عند إقرار الموازنة.

واخذا بنظر الاعتبار هذا كله وغيره، يغدو ملحا الان الرجوع الى قضية الضريبة الجديدة التي فرضت على من يستلم راتبا من الدولة، في اتجاه توسيع رقعة الإعفاءات لذوي الدخل المحدود، كذلك مراجعة الضرائب غير المباشرة التي فرضت على المواطنين، وزيادة  المخصص من مبالغ للبطاقة التموينية وتحسين مفرداتها كما وعددا، وضمان انتظام توزيعها .

هذا وغيره من أمور يحتاج الى وقفة جادة من جانب مجلس النواب، وهو يناقش مشروع الموازنة بعيدا عن الاعتبارات السياسية الضيقة، وعن”مكاسب” هذا النائب او تلك الكتلة.

فالمطلوب هو مراجعة شاملة لمشروع الموازنة، بحيث تكون بحق أداة تحفيز للاقتصاد الوطني ولتنويع مصادره، وللحد من نسب الفقر وزيادة فرص العمل وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية لملايين العراقيين.