تبرز على نحو ملح أهمية وضرورة التوجه نحو اصلاح اقتصادي، ضمن سياسة واضحة الأهداف والغايات، يراد منها في نهاية المطاف بناء اقتصاد قوي متنوع في مصادر موارده المالية، ومبتعد تدريجيا عن طابعه الريعي، مع تقليل الاعتماد على واردات النفط الخام كمموّل أساسي للموازنة. 

وارتباطا باوضاع البلد العامة ومنها الاقتصادية والمالية، وشح الموارد كما تتحدث عنه الحكومة نتيجة انخفاض كميات النفط المصدّر وعائداته، وبالإجراءات  الصادمة   التي أقدمت عليها الحكومة في انسجام مع “الورقة البيضاء”  المفرطة في ليبراليتها وتقيّدها بنصائح صندوق النقد الدولي لمعالجة  العجز الكبير في الموازنة العامة، وكان من تلك الاجراءات ما تسرب عن فرض استقطاعات (ضريبة الدخل الشهرية) في مشروع موازنة ٢٠٢١ على  رواتب الموظفين والمتقاعدين، المدنيين والعسكريين، فقد اصبح ضروريا تسليط الأضواء على النظام الضريبي في بلادنا.    

بدءاً يحتاج هذا النظام جدا الى اصلاح  حقيقي، يأتي ضمن رؤية عامة واستراتيجية واضحة  الأهداف وسياسة  مصادق عليها، وفي اطار إرادة للخروج من الاقتصاد الأحادي نحو التنويع وتفعيل القطاعات الإنتاجية، خاصة الزراعة والصناعة وميادين الخدمات الإنتاجية.  ومن المفترض طبعا ان يكون الاصلاح الضريبي وسيلة مالية فاعلة لتوزيع وإعادة توزيع الدخل والثروة بصورة عادلة، ولتحفيز قطاعات وانشطة اقتصادية محددة  وفقا لحاجات البلد.

 والمقصود بالضرائب هنا ليس ما يفرض عادة  على الرواتب، بل ما يشمل الدخول على اختلاف أنواعها، خاصة الكبيرة منها والمرتفعة، داخل  مؤسسات الدولة وخارجها. ومن ذلك الريوع وارباح المشاريع والشركات والبنوك والمصارف على تنوعها، كذلك العقارات،  وغيرها.

ويشمل اصلاح النظام الضريبي مسارات عدة، منها الإصلاح المالي والإداري، وتوفير معطيات دقيقة عن المكلفين، وتهيئة جهاز كفوء مع قدر من العدالة في الجباية، وسد الثغرات في ما يتعلق بالتهرب الضريبي، تشريعا وإدارة ورقابة.

ولا بد للنظام الضريبي كي ينجح، من ان يستند الى رضا المواطن. ولتحقيق القدر الضروري من الرضا لا بد من تأمين العدالة، وتأمين شفافية كافية لاوجه صرف الإيرادات الضريبية، وان يقترن ذلك بتقديم خدمات مقابلها.

وهناك اشكالات عدة ترافق جباية الضرائب عندنا في العراق، وتجعل نظامها غير فعال، ويحصر به غالبا جمع الضرائب المفروضة على الرواتب، وهي المعلومة والمحددة. اما تلك التي تخضع الى التخمين، فيرافقها الكثير من عدم الدقة ومن الفساد والرشى. وبسبب من هذا يتضاءل مردودها، بل وقد لا تصلها أجهزة الضريبة.

ان تطوير النظام الضريبي لا يعني فرض ضرائب جديدة على المواطنين، مباشرة اوغير مباشرة. على العكس، يعني ان يكون هناك توسيع لمساحة الإعفاءات للكادحين وذوي الدخل المحدود، واعتماد الضريبة المتصاعدة على الدخل بانواعه، وان يأتي ذلك في سياق اصلاح شامل ونظام حوكمة فاعل وبناء دولة المؤسسات والقانون، بما يجعل النظام الضريبي وسيلة لتحقيق العدالة وللاستثمار الأفضل لموارد الدولة وتقديم الخدمات العامة.

ان معالجة  الازمة المالية والاقتصادية توجب الاقدام على حزمة معالجات، بما يحول دون القاء تبعات الازمة  على عاتق المواطنين، خاصة الكادحين والفقراء ومن لا دخل لهم أساسا، والذين تضاعفت معاناتهم جراء عوامل عدة، منها تخفيض سعر الدينار الاعتباطي، وتفاقم نسب الفقر والبطالة، وندرة  فرص العمل او انعدامها، وسوء الخدمات وبضمنها الان الكهرباء والاجراءات الصحية.

ويقينا ان استمرار هذه السياسات  الأحادية والعرجاء لن يحل المشاكل، بل وسيفاقمها ويرفع من منسوب التذمر والسخط والاحتجاج، الذي يصعب التكهن بمساراته واشكال تجليه.