الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها الحكومة تركت آثارها السلبية على كل شرائح وفئات المجتمع العراقي، وان بدرجات متفاوتة بالنظر الى إمكاناتها وانماط استهلاكها وقدرتها على استيعاب ارتفاع الاسعار وتداعيات تخفيض سعر صرف الدينار العراقي، كذلك الاستقطاعات في الرواتب وزيادة الضرائب، مثلما تداولتها وسائل الاعلام.
ويأتي هذا التأثير على مستوى معيشة المواطنين عبر طريقين: مباشر وغير مباشر.
فالمباشر يتمثل اولا في الخفض الفعلي للمداخيل بالنسبة الى الموظفين والمتقاعدين. ثانيا في فرض الرسوم والضرائب كما جاء في مسودة موازنة ٢٠٢١ المسربة. وثالثا في ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستوردة، التي هي جزء من السلة الاستهلاكية للفئات والشرائح ضعيفة الدخل وحتى متوسطته.
اما التأثير غير المباشر فهو الأشمل، وينجم عن التضخم والارتفاع الشامل للأسعار. وهو لا يقتصر على المواد المستوردة، وانما يشمل عموم السلع والخدمات، وذلك ما بدأ المواطن يتلمسه في ارتفاع اسعار سلع غذائية اساسية وخدمات، مثل الرز، الخضروات، الزيت، البيض، الادوية، النقل، مواد البناء، وغيرها. وسيترك الانكماش في الاقتصاد وفي حركة السوق وارتفاعات الأسعار آثارها في مختلف مجالات الحياة. وسيترتب على ذلك انخفاض كبير في القدرة الشرائية للمداخيل، وبنسب تتجاوز حتى التخفيض في سعر صرف الدينار، الذي هو حوالي 23 في المائة، فيما نشهد ارتفاعا في الأسعار بنسب مضاعفة تتراوح بين 30-50 في المائة.
في ضوء ذلك ليس صحيحا القول ان الاجراءات المقررة لن تمس الشرائح الفقيرة وكذلك المتوسطة.
ويجرى الحديث ايضا عن اجراءات اتخذت للتخفيف من تداعيات الاجراءات المذكورة، ومن ذلك مثلا زيادة تخصيصات الرعاية الاجتماعية. لكن عند التدقيق في مسودة موازنة 2021، يلاحظ انه مقابل الزيادة في تخصيصات الرعاية الاجتماعية، جرى تخفيض كبير في تخصيصات البطاقة التموينية مقارنة بعام 2019، تبلغ نسبته 48 في المائة، وتصل الى 57 في المائة اذا حسب على أساس سعر صرف الدينار المعتمد في مسودة الموازنة.
من جانب آخر، وبشأن زيادة التخصيصات للرعاية الاجتماعية، فمن غير المعلوم ان كانت هذه الزيادة تهدف الى إضافة اعداد جديدة الى المشمولين بالرعاية، ام تضاف الى المبالغ التي تدفع حاليا باعتبارها زهيدة اصلا، وستضعف قدرتها الشرائية الآن بنسبة تبلغ 30 في المائة، فهي لا تقدم معونة او إسعافا ملحوظا في ظل الضائقة التي سيعاني منها الملايين.
وتتوجب الاشارة الى ان هذه الإجراءات حتى وان اعتبرت “إصلاحية”،فان عبئها الثقيل سيسقط على كاهل الفئات المتضررة، وهم الفقراء والكادحون وذوو الاعمال غير المنتظمة وذوو الدخل المحدود، بل وحتى المتوسط.
ان اتخاذ مثل هذه الاجراءات على صعيد السياسات الاقتصادية والمالية والتداعيات الناشئة عنها، و بالطريقة التي حصلت بها، يجعل من المتعذر على الحكومة معالجة آثارها ومخلفاتها، نظرا لسعة تأثيرها وضعف الأدوات المتاحة عمليا للحكومة.
ومع ادراك اهمية الاصلاحات، كان الاجدر ان تدار هذه العملية بطريقة اخرى، سواء بتخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار على نحو تدريجي مثلا، بما يتيح للحكومة التعامل مع آثاره السلبية الصادمة. وكان يفترض أيضا ان لا يقترن ذلك باجراءات السياسة المالية في ما يتعلق بالرواتب والضرائب.
وارتباطا بالإشارة حكوميا الى إمكانية استفادة الصناعة والزراعة من الاجراءات المتخذة، يتوجب القول ان ذلك مشروط باعتماد حزم تدابير متكاملة لتذليل المعوقات الكبيرة في هذين القطاعين، والتي تتسبب في ارتفاع كلف الناتج المحلي، مثل الكهرباء والنقل والخزن وتوفير الأسمدة، والقدرة على تطبيق سياسة حماية المنتج المحلي ووقف التهريب والتحكم بالمنافذ الحدودية والسيطرة على الحركة فيها. وان تخفيض سعر صرف الدينار العراقي سيضيف تكاليف جديدة لمتطلبات تأهيل الصناعة.
والمحصلة ان هذه الاجراءات التي اتخذت، او في طريقها عند إقرار الموازنة العامة لسنة ٢٠٢١، لن تزيد الامور الا سوءاً وتعقيداً، وهي ليست ما يتوقعه المواطن وينتظره، الامر الذي يوجب مواصلة الضغط، كي لا يمر مثل هذه الخطوات المتعجلة وذات التداعيات غير المدروسة على مختلف الصعد، خاصة منها ما يمس المواطن ومعيشته، واقتصاد البلد وتطوره.