ما اكثر ما وجه حزبنا النقد للكتل السياسية المتنفذة على تعاملها مع العملية الانتخابية وتفصيلاتها بما ينسجم مع مصالحها، ويساهم في استمرارية هيمنتها على السلطة. وبعد انطلاق انتفاضة تشرين ٢٠١٩، كان من ابرز مطالبها اجراء انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي يحقق العدالة، ويسهم في زيادة اعداد المشاركين فيها من اجل تحقيق التغيير المنشود.
وطوال الأشهر الماضية سعت الكتل السياسية الى تحريف مطالب الانتفاضة، وروجت عبر ماكيناتها الإعلامية لتشريع قانون انتخابي يلبي طموحاتها ويسهل احتكارها للسلطة، ويضع الصعوبات امام مرشحي القوى الوطنية والديمقراطية والمستقلين.
ويبرز هنا بعض الملاحظات في شأن القانون الذي اقره مجلس النواب، والذي نعتقد انه سيشكل خطورة على مسار العملية الديمقراطية في البلاد، اذا لم يواجه بتحرك سياسي مجتمعي يوقف تمريره:
أولا: طالبت الانتفاضة بتفعيل قانون الأحزاب السياسية وتطبيق مواده على جميع القوى السياسية، بما يمنعها من امتلاك السلاح والمال السياسي غير المشروع. الا انه وبعد تشريع قانون انتخابي يتم الترشيح بموجبه بشكل فردي، بدون قوائم انتخابية حزبية وائتلافية، يصبح قانون الأحزاب رغم الملاحظات الكثيرة عليه غير ذي نفع. علما ان القوائم الانتخابية المعتمدة سابقا لم تمنع الترشيح الفردي للمستقلين، بل مازجت بين الخيارين وتركت للمواطن حرية الاختيار.
ثانيا: العراق بلد تتعدد فيه الاثنيات والأديان، لكن الهوية الوطنية الجامعة فيه تصطدم بالقوى المتنفذة، التي تدعي تمثيلها الدين او الطائفة والقومية، رغم انها لا تمثل تلك المكونات بتاتا بل تمثل نفسها ومصالحها. لذلك فكلما كبرت الدائرة الانتخابية توفرت فرص أفضل للمواطنين، لاختيار ممثليهم الذين قد يختلفون عنهم في الدين او القومية او غيرهما، مبتعدين بذلك عن التمثيل الطائفي المحاصصاتي في البرلمان.
ثالثا: يتصور البعض ان تصغير الدائرة الانتخابية يساعد المستقلين والأحزاب الصغيرة على تنظيم حملة انتخابية لا تكلفهم مالا كثيرا، وتمكنهم من التواصل المباشر مع ناخبيهم ضمن الدوائر الصغيرة. وهذا أيضا غير صحيح، لان الدور التشريعي والرقابي لعضو مجلس النواب يتطلب منه ان يكون ممثلا لكل العراقيين. فهو ليس ممثلا لدائرته الانتخابية فقط، وهو أيضا غير معني مباشرة بتوفير الخدمات لأهالي دائرته، فذلك من واجبات الحكومات المحلية في المحافظات.
وبشأن قدرة المرشح المستقل او ممثل الحزب الصغير على تنظيم حملة انتخابية بإمكانيات مالية بسيطة، فهذا أيضا يفتقد الدقة. فالمنافسين من الكتل المتنفذة لن يكونوا قليلين، خاصة وانها قامت بهندسة وتقسيم الدوائر الانتخابية بما ينسجم مع حضورها وتواجدها. فهي تعلم جيدا من الذي سيتم انتخابه في هذه الدائرة او تلك.
رابعا: لم يجر الحديث عن مخرجات هذا القانون، التي لن تكون بشكل قوائم وتحالفات، وانما ستكون افرادا! فمن الذي سيشكل الحكومة، وكيف سيتم انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان؟ أسئلة نعتقد ان اجاباتها واضحة بالنسبة للكتل المتنفذة، التي تسعى لإيجاد برلمان عاجز يسهل التحكم به من خارجه عن طريق رؤساء الكتل السياسية. والامر سهل لان هذا النوع من القوانين لا يأتي الا بنواب يفكرون بدوائرهم الانتخابية الضيقة.
خامسا: نحن من دعاة التمثيل السياسي الحقيقي للمرأة في جميع مفاصل الدولة، وما وجود كوتا النساء الا ضمانة لذلك. اما التعامل مع الكوتا باعتبارها اعلى طموحات المرأة، وعدم السعي لزيادة تمثيلها فيما هي تشكل نصف سكان البلاد، فامر يجب عدم السكوت عنه. وقد اتسم التعامل مع الموضوع في السابق بظلم كبير للمرأة، ولا يزال كذلك اليوم مع هذه النسبة القليلة، التي يتم استخدامها بشكل سيء والتحجج بها للحد من دخول قوى جديدة الى مجلس النواب.
سادسا: ومن جديد نرى أهمية وضرورة التمثيل النسبي وهناك محاذير جدية بشان فوز المرشح الفردي باعلى الأصوات حيث يقود هذا الى ضياع وهدر أصوات كثيرة للناخبين ، في ظل تعدد المرشحين وتوزع الأصوات.
ان القانون الحالي يحتاج الى مراجعة جدية، وان بلدنا يمر اليوم بفترة صعبة تتطلب من القوى الوطنية والديمقراطية وقوى الانتفاضة تجميع صفوفها، لضمان جعل الانتخابات المبكرة أداة للتغيير. وهذا يحتاج بالطبع الى قانون انتخابات غير هذا الذي اقره مجلس النواب، وهو ما يجب ان يتركز عليه الجهد الشعبي المجتمعي.