في مثل هذه الأيام من عام ٢٠١٤ ابتدأت  فصول كارثة داعش الإرهابي، بسيطرته على الموصل والعديد من قصبات ومدن محافظة نينوى وتمدده الى محافظات أخرى، وبممارساته الظلامية والوحشية، التي الحقت أذى بالغا  بسكان المناطق التي ابتليت به.

 وقد حقق شعبنا إنجازا وطنيا كبيرا في ما بعد بتحرير تلك المناطق من رجسه وظلمه، وهو ما لم يتحقق من دون تضحيات جسام وخسائر بشرية كبيرة، وشجاعة واقدام ، فضلا عما لحق بالمدنيين وبالبنى التحتية والدور السكنية والمنشآت العامة والمعالم الاثرية والحضارية  في المدن المحررة من قبضة الارهاب، من اضرار ودمار وخسائر بشرية ومن نزوح للملايين.

لقد كانت هزيمة داعش ودحره عسكريا مفخرة لجماهير شعبنا ولكل من دعم وساند الكفاح ضده، معنويا وماديا، وللمقاتلين على اختلاف تشكيلاتهم، ومن ابناء المناطق التي ذاقت الامرّين من سلوكه الاجرامي الهمجي.

لكم المؤكد ان هزيمة داعش عسكريا لم تكن تعني هزيمة الارهاب، وان تحقيق هذا الهدف يحتاج الى مقاربات متكاملة، سياسية وعسكرية – امنية واقتصادية واجتماعية وثقافية واعلامية.

وتبرز الآن على نحو ملح  مهمة مواصلة معركة شعبنا الوطنية ضد داعش  الإرهابي لمنعه من لملمة صفوفه، ومهمة كشف خلاياه النائمة وافشال مخططاته الشريرة، عبر إجراءات فاعلة وتنسيق عال بين مختلف الأطراف ذات العلاقة، وتنمية الجهد الاستخباري وضبط السيطرة على الحدود، والتعزيز المتواصل لامكانات وقدرات وجاهزية القوات العسكرية والأمنية العراقية .

ويتطلب الامر كذلك معالجة ما تركه الإرهاب وممارساته  من مآسٍ وكوارث، والعمل الحثيث على العودة السريعة للنازحين الى مدنهم وقراهم، والكشف عن مصير المختطفين والمغيبين، وإعادة بناء المدن المحررة وتوفير مستلزمات عودة الحياة الطبيعية اليها، فليس من المعقول بعد التحرير ان يبقى النازحون في مخيمات البؤس والشقاء. كما يتوجب التعامل مع هذا الملف بصورة تعزز اللحمة الوطنية والسلم الأهلي، بعيدا عن أية نعرات طائفية او شوفينية او قومية ضيقة، وبعيدا عن كل ما يمس التركيب الديموغرافي للسكان، وتوفير أجواء ملائمة لتحقيق المصالحة المجتمعية والوطنية الشاملة.  

وفي ذكرى تلك الكارثة السياسية - العسكرية نؤكد واجب الاستمرار في مسعى الوقوف على أسبابها وعوامل وقوعها، والعمل الجاد على تجاوزها وردم الثغرات، وفِي المقدمة تأتي أهمية مواصلة بناء القوات المسلحة والأمنية، واسناد المسؤوليات فيها على أساس الكفاءة والنزاهة والمهنية، وابعادها عن منظومة المحاصصة والفساد، وعدم زجها في الصراعات السياسية، وضمان قيامها بدورها وفقا لما هو محدد دستوريا . فيما يبقى مشروعا ان تستمر المطالبة  بكشف الحقائق والتفاصيل الخاصة بما حصل ، ومسؤولية مختلف الجهات والأشخاص عن ذلك، وما وقع لاحقا وخاصة جريمة سبايكر .

ومن المؤكد ان هذا يحتاج الى إرادة سياسية وموقف وطني، يضع مصلحة البلاد والمواطنين فوق كل اعتبار، ومعالجة حالة الاستعصاء السياسي والاحتقان الاجتماعي، والاقدام على خطوات جادة تقود الى الخلاص من أس البلايا: منظومة المحاصصة والفساد، وتدشين السير على طريق الإصلاح الجدي المفضي الى تغييرات عميقة، تستجيب لتطلعات شعبنا في بناء حياة جديدة آمنة ومستقرة، وبناء دولة  المواطنة والديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية.