انبثق تحالف سائرون، الذي يشكل الحزب الشيوعي العراقي والتيار الصدري قاعدته الأساسية، من رحم الحراك الشعبي الذي انطلق أواخر تموز 2015، وجاء امتداداً له.

وخاض التحالف الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب ببرنامج  يحمل أهداف الحراك، ويتبنى شعارات الحركة الاحتجاجية الجماهيرية المطالبة بالإصلاح والتغيير، وبالمحاربة الحازمة للفساد، وتأمين فرص العمل والخدمات العامة شبه الغائبة، لا سيما في المناطق الشعبية، وبإقامة دولة مواطنة ومؤسسات تصون وتعزز استقلالية القرار الوطني العراقي، وتغادر في بنائها وآليات عملها نهج المحاصصة الطائفية والاثنية نحو الفضاء الوطني، القائم على مبدأ المواطنة والذي يحترم الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية لأطياف شعبنا، وفقا للحقوق والحريات المنصوص عليها في دستور العراق الاتحادي.

وعلى أساس هذا البرنامج حظيت قائمة سائرون بدعم واسع من مختلف أوساط شعبنا، وقدم لها السيد مقتدى الصدر الدعم والإسناد، وحققت بفضل ذلك أعلى تمثيل بين الكتل البرلمانية.

وقد اثار هذا التحالف المتميز بتركيبة قواه السياسية ذات المرجعيات الفكرية المتباينة، جدلا لا يزال قائما. وفيما توقع بعضٌ وتمنى آخرون تفككه السريع، عوّل كثيرون، بضمنهم ممن لم يشاركوا في الانتخابات، على ان يكون قاطرة عملية الإصلاح والتغيير.

ومن هنا جاءت المطالبة لنواب تحالف سائرون بأن يكونوا الصوت العالي في فضح الفساد والفاسدين، وفي التصدي للمشاريع المشبوهة وللسياسات الفاشلة التي قادت إلى واقعنا المأزوم، وأن يلعبوا دورا رياديا نشيطا وفاعلاً، في تحقيق الإصلاحات المطلوبة على صعيدي التشريع والتنفيذ، وفي مجالات بناء الدولة وتخليصها من آفة المحاصصة، ودعم وتطوير الإنتاج الوطني في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، وتوجيه الاستثمارات الوطنية والأجنبية نحو إعادة اعمار المناطق المتضررة من الاحتلال الداعشي، ونحو بناء وتطوير البنى التحتية المادية والاجتماعية، في قطاعات التعليم والصحة والثقافة، وتأمين متطلبات الاستقرار الأمني وبسط سلطة القانون ووضع حد للتجاوزات، من خلال حصر السلاح بيد الدولة. 

واليوم وبعد مرور أكثر من خمسة عشر شهرا على الانتخابات وانقضاء فصلين تشريعيين، يتوجب على قوى تحالف سائرون، بما فيها حزبنا الشيوعي، ان تحسن الاصغاء للأصوات والآراء التي تعبر عن نوع من خيبة الأمل في ما أنجزه نواب سائرون، وفي مسيرة التحالف وآليات عمله.    

ولا ريب في ان النقد الموجه الى أداء كتلة سائرون ليس كله منصفا. فبعضه يحاسب سائرون على المنجز التنفيذي، رغم إنها لا تمتلك ذراعا تنفيذيا مباشرا في الحكومة، ورغم ان ما تمتلكه من نفوذ وتأثير رقابي على الحكومة لا يرقى إلى مستوى السلطة التنفيذية المباشرة ولا يعادله. وبعض النقد لا يأخذ بعين الاعتبار التعديلات الإيجابية التي أدخلت على موازنة 2019، بفضل دور نواب سائرون بالذات، ومنها تخصيص تريليون دينار اضافي إلى التعليم لإكمال مشاريع بناء المدارس المتلكئة، وتريليون آخر إلى تنمية الأقاليم، وتوفير تخصيصات لتثبيت أصحاب العقود وإعادة المفسوخة عقودهم، ولمنع تمرير بعض المواد التي يشوبها فساد في حال تنفيذها، وإيقاف المزيد من الاقتراض الخارجي.

ومن جانب آخر لا ينعكس في الاعلام الدور الرقابي لنواب سائرون ومساهماتهم في اللجان البرلمانية، التي يستغرق بعضها زمنا حتى يمكن تلمس نتائجه، كذلك متابعتهم التظلمات والطلبات الكثيرة للمواطنين من الجهات التنفيذية، وملاحقة قضايا توفير الخدمات في مناطق المحافظات التي يمثلها نواب سائرون.

إلاّ أن ما تقدم ذكره لا يعفي تحالف سائرون وقواه الرئيسة من مسؤولية عدم الارتقاء بالأداء والعمل إلى  مستوى ما يعلق عليه من آمال،  وما  يجسد بشكل مقنع أهدافه البرنامجية، خصوصا في المحاور والملفات الأساسية التي كان على تحالف سائرون أن  يكون مبادرا ومحركا رئيسا فيها، وفي المقدمة منها ما يتعلق بقضايا الاصلاح وتشريعاته وخطواته، والخلاص من التقاسم المحاصصي للمناصب العليا في الدولة،وتشريع قانون انتخابي عادل ومنصف  ، وتجهيز ملفات الفساد، والممارسة الفعالة للدور الرقابي واستخدام ادواته البرلمانية لمحاسبة الفاسدين. هذا إلى جانب ممارسة سائرون نفوذها السياسي والبرلماني وعمقها الشعبي، لتكوين تشكيلة حكومية متكاملة تضم عناصر كفوءة وطنية ونزيهة، والدفع في اتجاه الإصلاحات التي توفر مقومات دولة المواطنة، ووضع البلاد على طريق النهوض بالواقع المعيشي والخدمي لعموم شعبنا.

ان تحالف سائرون، بخصائصه المميزة الخارجة عن المألوف في تجربة بلادنا التاريخية المعاصرة، يمثل وعدا بتحقيق الاصلاح على أيدي قوى وشخصيات سياسية موثوقة وذات صدقية، بالنسبة لجماهير واسعة فقدت الثقة والأمل بنظام المحاصصة وساسته، المسؤولين عمًا آلت اليه أوضاع البلد والدولة ومؤسساتها من وهن وتشظٍ وسوء إدارة وفساد. فليس لنا ان نستغرب شدة حكمها وردود فعلها حين لا تجد الأفعال متطابقة ومنسجمة مع أولويات برنامج سائرون الإصلاحي. ومن ذلك الموقف من التعديلات الاقصائية لقانون انتخابات مجالس المحافظات التي رفضها حزبنا، وكذلك عدم الوضوح الذي ساد مدة غير قصيرة في شأن مفاوضات توزيع مناصب الوكالات والدرجات الخاصة، على أسس تحاصصية لا تمثل قطيعة مع الممارسات السابقة لها، إضافة إلى غياب النشاطات والفعاليات السياسية المشتركة لأطراف تحالف سائرون على المستوى الجماهيري، وضعف الترويج لبرنامج التحالف، ما شوش صورة التحالف خلافا لوضوح برنامجه، الذي اجتذب تأييد أوساط جماهيرية واسعة، يحسب بعضها ضمن تيارات إسلامية وأخرى مدنية.

 وفي العموم وعلى رغم المآخذ التي قد تسجل على الأداء السياسي والتشريعي والرقابي لتحالف سائرون وكتلته النيابية، فإنه ما زال المعول عليه شعبيا اكثر من سواه في خدمة مصالح شعبنا، وفي نبذ نهج المحاصصة والسير على طريق الإصلاحات العميقة. علما أن هذه الثقة معرضة للاهتزاز والانحسار ما لم تتعزز بالانجاز، وباعتماد البرنامج الإصلاحي لتحالف سائرون مرشدا للعمل المشترك تحت قبة البرلمان وخارجها، وتبني هموم المواطنين والدفاع عن مصالحهم بثبات، والعمل بمثابرة لإنهاء نهج المحاصصة وبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

ويظل حزبنا يسعى الى تعزيز وتطوير هذا التحالف، طالما بقي يحترم الاستقلالية الفكرية والسياسية والتنظيمية لأعضائه، وطالما التزمت أطرافه بالمشتركات السياسية التي ينص عليها برنامجه، وعملت بصورة مشتركة من أجل تحقيق أهدافه الإصلاحية.

كما سيواصل حزبنا طرح وجهات نظره الخاصة ومواقفه المستقلة، كما هو حق الأطراف الأخرى في التحالف، عندما يتعذر التوصل إلى مواقف موحدة لقوى التحالف.