الدكتور محمد الحسّان المحترم
نحن تحالف 188 للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية النافذ، الذي يضم قوى سياسية ومدنية وشبكات نسوية، ومنظمات المجتمع المدني ومدافعي حقوق الانسان، يسرنا ان نهنئكم بمناسبة تسنمكم رئاسة بعثة يونامي في العراق، مقدرين جهود الأمم المتحدة ودورها الفاعل في العراق لدعم الاستقرار وبناء الأمن والسلام وتنمية مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والعدالة، والاهتمام بشكل خاص بالنساء والشباب، إضافة إلى دعم منظمات المجتمع المدني وتوسيع آفاق التعاون مع جميع وكالات الأمم المتحدة العاملة في العراق.
لقد استمعنا إلى حديثكم في مؤتمر ميري الذي عقد في أربيل مؤخرا، وتطرقتم فيه إلى حجم التحديات الكبيرة التي مر بها العراق، ودور يونامي في دعم الحكومة العراقية راهناً ومستقبلاً.
أشرتم إلى تقييمكم العالي لوضع المرأة في العراق باعتباره أفضل من بعض الدول والغربية منها، من دون تحديد لوصف الأفضلية الذي يميز وضع المرأة العراقية، الأمر الذي أثار استغرابنا وعدم ارتياحنا، في الوقت الذي يشهد واقع النساء العراقيات تراجعاً كبيراً في أغلب المجالات.
هنا نود أن نلفت انتباهكم إلى مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959النافذ، المعروض للتصويت في مجلس النواب، الذي أثار، ولايزال، جدلاً واسعاً وخلافات كبيرة في داخل مجلس النواب، وبين أوساط الرأي العام العراقي والدولي. علماً ان هذا القانون يعتبر واحدا من أكثر الأطر القانونية تقدما في المنطقة العربية. وهو يغطي جوانب مهمة من حقوق المرأة في مجالات مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال. وما يحسب له هو تعامله مع القواعد الشرعية وانتقاء الأفضل منها، ومن دون التقيد بمذهب معين، وصياغتها على شكل قواعد قانونية هدفها ترسيخ هوية المواطنة، والابتعاد عن الهويات الفرعية.
إن التعديل المقترح يضرب في الصميم مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون الذي نصت عليه المادة 14 من الدستور، بتكريسه التمييز الطائفي، وتقويض النظام المدني، مهدداً الاستقرار الأسري ووحدة النسيج والتعايش المجتمعي القائم على الزيجات المختلطة ما بين المذاهب والقوميات والأعراق. كما يطلق التعديل الزواج والطلاق خارج المحكمة وزواج الطفلات، ويهدد استقلال المؤسسات القضائية المعنية بتنظيم الأحوال الشخصية للمواطنين، من خلال ربط محكمة الأحوال الشخصية بديواني الوقفين الشيعي والسني، وهما أجهزة تنفيذية إدارية لحفظ أموال المسلمين لا علاقة لهما بالأحوال الشخصية. إضافة إلى تناقضه مع التزامات العراق بالمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
بهذا الصدد نشير إلى رسالة الخبراء المستقلين للأمم المتحدة الموجهة إلى الحكومة العراقية بتاريخ 10 أيلول الماضي أعربوا فيها عن قلقهم من أن التعديلات على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 "ستمثل تراجعاً خطيراً في عدد من المجالات الأساسية التي ستؤثر على النساء والأطفال سلبا، خاصة في مجالات الزواج والطلاق وحضانة الأطفال" و" من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم انتشار أشكال العنف ضد النساء والفتيات العراقيات. "وحذروا من أنه إذا تم تمرير التعديلات، فإن تأثيراتها السلبية ستنعكس على المجتمع العراقي ككل وستقوض التزامات العراق بضمان المعاملة المتساوية لكل من النساء والفتيات، وتوفير الحماية لحقوق الأطفال.
كما نضيف أن استمرار النزاعات وتنامي نفوذ الجماعات المسلحة، وانتشار العنف واستشراء الفساد، وفقدان ثقة المواطنين بالعملية السياسية، أدت إلى هشاشة مؤسسات الدولة ومنها الأمنية والقضائية، وساهمت بشكل واضح بتراجع حقوق النساء ومكاسبهن طوال عقود من النضال، وارجاعهن للحيز الخاص، واقصائهن عن دورهن في بناء السلام والتنمية، بالضد من مبادئ الدستور العراقي النافذ، الذي ضمن للنساء مساواتهن بالرجال في الحقوق والفرص.
إضافة إلى ذلك، لم تحقق السياسات والخطط الوطنية الخاصة بالمرأة التي اقرتها الحكومة العراقية، الأهداف المرسومة لها، في تقليص الفجوة بين الجنسين ومكافحة العنف والتمييز، بسبب ضعف الإرادة السياسية في توفير الموارد اللازمة (البشرية والمالية)، وغياب دور المجلس الأعلى لشؤون المرأة في معالجة قضايا واحتياجات النساء. كذلك نشير إلى انخفاض نسبة تمثيل النساء في مواقع صنع القرار وحل النزاعات والمفاوضات، وضعف نسبة مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي، وانتشار الفقر والعوز والجهل بين أوساطهن، وعدم تشريع قانون مناهضة العنف الأسري وقانون حماية الطفل، والتلكؤ في تعديل قانون العقوبات، مقابل تفاقم مستويات العنف ضدهم في المجالين العام والخاص، في ظل ضعف منظومة إنفاذ القانون. كما تواجه المدافعات عن حقوق المرأة تحديات جدية في ظل غياب آليات حمائية لهن.
وختاما من منطلق تفويض يونامي بمنح الأولوية لتقديم المشورة والدعم والمساعدة إلى حكومة وشعب العراق، بتعزيز الحوار السياسي والعملية الانتخابية وحماية حقوق الانسان، والإصلاح القضائي والقانوني، نطالبكم بحث الكتل السياسية ومجلس النواب بعدم المضي بتشريع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، وتعزيز العمل المشترك مع المجتمع المدني لتشريع قوانين تنظم الحقوق والحريات على أسس المواطنة والعدالة.
تحالف 188 للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية
بغداد في 3-11-2024