نتائج الانتخابات البرلمانية العامة، التي جرت في ألمانيا الأحد الفائت، هزت النظام الحزبي في البلاد بشكل غير مسبوق. لقد مني الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم بأسوأ هزيمة في تاريخه، بحصوله على 24,1 فقط، بخسارة قدرها 8,8 قي المائة. وتصدر الحزب الديمقراطي الاجتماعي الجميع بحصوله على 25,8، بزيادة 5,2 في المائة. وعلى الرغم من عدم تحقق حلم الخضر بفوز مرشحتهم بمنصب المستشارة، إلا أن الحزب واصل سلسلة نجاحاته، وحقق أفضل نتائجه بحصوله على14,6، بزيادة 6,4 في المائة، ويعود ذلك، أساسا إلى تصدر ملف التغييرات المناخية وقضايا الحفاظ على البيئة اهتمامات الناخب الأوربي، وحصل الليبراليون الأحرار على 11,5، بزيادة طفيفة 0,8 في المائة. وجاء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف خامسا بحصوله على 10,5، بخسارة قرابة 2 في المائة. وعلى الرغم من ذلك فقد استطاع النازيون الجدد تثبيت أقدامهم في النظام البرلماني، واحتلوا الموقع الأول في ولايتين والموقع الثاني في ولاية أخرى في شرق ألمانيا. ومني حزب اليسار بأكبر خسارة انتخابية، منذ تأسيسه في عام 2007. وتجاوز الخروج من البرلمان الألماني بصعوبة.

تراجع اليسار الكبير

وصفت خسارة الحزب الانتخابية بالكارثية، فلم يستطع الحزب تجاوز العتبة الانتخابية (5 في المائة)، وحصل على 4,9 في المائة،  بخسارة قدرها 4,3 في المائة، أي قرابة النصف، ويعود الفضل في بقائه ممثلا بـ 39 مقعدا برلمانيا في البرلمان الجديد، إلى فوز ثلاثة من مرشحيه بالمقعد المباشر عن دوائرهم الانتخابية، اثنان في برلين (غريغور غيزي، وغيزينا لوتزش) وسورين بيلمان  في لايبزغ، أعفي الحزب من شرط تجاوز العتبة الانتخابية، وبالتالي سيكون الحزب ممثلا بمجموعة برلمانية، وستكون حقوقه داخل البرلمان محدودة، مقارنة بالدورات الماضية. وبلغ معدل ما حصل عليه الحزب في الولايات الشرقية، التي كانت تمثل قلاعه الانتخابية 9,8 في المائة. وهذا يعكس حجم الخسارة التي تعرض لها الحزب.

أسباب هذه الهزيمة وفق التحليلات الأولية متعددة منها استراتيجي، عبر التأكيد على إزاحة اليمين المحافظ من الحكومة الاتحادية، وطرح الحزب نفسه بديلا محتملا للحزب الليبرالي الحر، في تحالف مع قوى الوسط، أي الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر، مع أن استطلاعات الرأي كانت تؤشر صعوبة حصول الحزب على نسبة تتجاوز الليبراليين الاحرار.

تبني الديمقراطي الاجتماعي لمطلب حزب اليسار بحد أدني للأجور مقداره 12 يورو في الساعة، في سياق توجه تكتيكي لتبني مطالب يسارية. ولم يجد نفعا تبني حزب اليسار لحد أدني جديد قدره 13 يورو في الساعة، لان الكثير من الناخبين يراهنون على فرص الديمقراطي الاجتماعي الأكبر في الوصول إلى الحكم.

تحفظ اغلب نواب الحزب على منح الجيش الألماني تفويضا حربيا لأجلاء الأفراد المهددين من قبل طالبان من أفغانستان، وضع الحزب في خانة الاتهام الأيديولوجي، في مواجهة المطالبة بإخراج العالقين في أفغانستان.

تأجيل مؤتمر الحزب لاختيار قيادة جديدة مرتين بسبب وباء كورونا، وجاء انعقاد المؤتمر وانتخاب قيادة جديدة في وقت قصير قبل الانتخابات العامة، لم يمنح الفرصة لزعامة الحزب الجديدة طرح رؤيتها، وبالتالي زجت في استحقاق انتخابي، لم تكن مستعدة جيدا لخوضه. وهذه المشكلة عانى منها الحزب الديمقراطي المسيحي أيضا.

والسبب الأكثر تأثيرا هو الصراعات الفكرية والسياسية بين تيارات الحزب بشأن ملف الهجرة واللاجئين والتعامل مع ناخبي اليمين المتطرف، وكذلك مطالبات بتبني خطاب يساري شعبوي، بالإضافة إلى عدم استطاعة الحزب احتواء الناخبين المبتعدين عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي في سنوات تراجعه منذ عام 2012، فضلا عن احتلال ملف تغييرات المناخ موقعا محوريا في الحملة الانتخابية. لقد أثر الصراع الداخلي على ناخبي الحزب من الشباب، الذين كان توجههم نحو الحزب في السنوات السابقة لافتا جدا.

يترتب على الحزب بعد هذه الهزيمة العمل على بلورة استراتيجية جديدة للتعامل مع الناخبين، وتحديد الأخطاء التي ارتكبت في السنوات الأخيرة والعمل على حلها وإعادة تطوير الحزب، كما اشارت زعيمة الحزب المشاركة سوزان هينيغ-ويلسو، خلال كلمة مشتركة مع قيادة قائمة الحزب الانتخابية.

نجاح مغيب

صوت الناخبون في برلين في استفتاء شعبي عام على الزام برلمان الولاية الجديد بتشريع قانون يقضي بإعادة شركات العقار الكبيرة، التي تملك 3 آلاف مسكن على الأقل إلى الملكية العامة، ردا على ازمة السكن الحادة وارتفاع أجور السكن، وجاء الاستفتاء نتيجة لحركة احتجاجات طيلة العامين الماضين توج بتشكيل "مبادرة المصادرة" المدعومة من حزب اليسار، ومن الواضح أن حكومة الولاية الجديدة، ملزمة بأخذ نتيجة الاستفتاء بعين الاعتبار، لكنها ستعمل على الالتفاف عليه، ارتباطا بالتحالف الذي سيقودها، على الرغم من محافظة حزب اليسار إلى حد بعيد على مواقعه في برلمان الولاية التي شهدت الأحد الفائت أيضا انتخابات برلمانها المحلي، إلى جانب ولاية مكلنبورغ فوربومرن، والتي لم تشهد تغييرات كبيرة.

 سيناريوهات الحكومة الجديدة

افرزت الانتخابات عدة سيناريوهات ممكنة منها، استمرار تحالف الكبار السابق، ولكن بقيادة الديمقراطيين الاجتماعيين هذه المرة، وهو امر مستبعد. السيناريو الممكن هو قيادة الاشتراكيين الديمقراطيين لتحالف يضم إلى جانبهم الخضر والليبراليين الأحرار، والسيناريو الذي يعمل عليه الاتحاد الديمقراطي المسيحي، على الرغم من خسارته الانتخابات هو قيادته لأكثرية تضم إلى جانبه الخضر والليبراليين الاحرار، نتيجة لتقاربه في البرنامج الاقتصادي مع الأخير. وهذا ما ستكشف عنه الأيام والاسابيع المقبلة.

عرض مقالات: