الحوارات التي استوعبها كتاب الباحث والكاتب محمد علي محيي الدين ، الذي صدر عن ( دار الفرات للثقافة والاعلام في الحلة)، كانت ساخنة بالفعل، فقد تضمنت تلك المقالات حوارا ساخنا بمعنى الكلمة، وهو ليس غريبا على الشيوعيين وحزبهم، فقد كانوا في مرمى سهام البعض من الجهات التي تناصب الحزب الشيوعي العراقي العداء، وحسب قناعاتها، أو أنها ترى رأيا يختلف تماما عن توجهات الحزب، أو أنها تعتقد أن تنظيم الشيوعيين وانضباطهم وتماسكهم، أنما يمثل جدارا صلبا لا يمكن اختراقه إلا بصعوبة كبيرة، كما لا يمكن أن تؤثر  على الحزب تلك الافتراءات والمفردات الناقصة والواهية والمتداعية.

الكاتب المعروف محمد علي محيي الدين، كان بارعا جدا في رده وحواراته ولغته الرصينة في عدم الانجرار للغة السب والشتم التي يتبعها البعض وهم يهاجمون الحزب بلغات اعتادوا عليها، ولسنا بصدد ان نسلك ذلك السلوك المعروف لتلك الأطراف التي اتخذت من الاعلام المعادي للشيوعيين ستارا ليواري سوءاتهم.

فقد كان محيي الدين متوازنا جدا وهادئا ومتمسكا بحوارات كانت على نار هادئة، رغم أنه يؤكد وقوفه بمواجهة الرياح غير عابئ بما يصيبه جراء هذا الموقف. 

هكذا هم الشيوعيون.. النزاهة والشرف والعفة والكفاءة، واليد البيضاء التي تشرف بها الشيوعيون في مسيرتهم الوطنية والمهنية والاخلاقية.  في خبر نشرته البينة الجديدة (خبر بسيط في محتواه عظيما في فحواه يقول الخبر: رائد فهي ...شكرا لنزاهتك.

بلغت تكاليف المؤتمر الذي دعا اليه وزير العلوم والتكنولوجيا رائد فهمي وحضره علماء وعراقيون من كل مكان في العالم مع أجور الطائرات والفنادق 150 مليون دينار، في حين أن وفدا عراقيا مؤلفا من ثلاثة أفراد يغادر إلى الخارج ينفق هذا المبلغ او ضعفه.

وزير العلوم والتكنولوجيا أبلغ رئيس الوزراء بأن التكلفة اصبحت 110 مليون دينار حيث 90 مليون دينار منها مقدمة كمعونة من الأمم المتحدة و20 مليون دينار من الجهات العراقية. هكذا هي النزاهة التي نريدها، فتحية لوزير العلوم والتكنولوجيا رائد فهمي الذي يحرص على المال العام وكأنه ماله الشخصي.)

    ويعلق الكاتب محمد علي محيي الدين قائلا (وهذا الأمر رغم أنه من عجائب العراق الجديد الغارق في الفساد، إلا أنه ليس غريبا على الشيوعيين العراقيين الذين عرفهم وخبرهم الشعب عبر أكثر من سبعة عقود بالنزاهة والشرف والحفاظ على المال العام والوطنية والنضال من أجل بناء الوطن الحر والشعب السعيد).

كما تضمن الكتاب (حوارات ساخنة في الماركسية واليسار)، الكثير من المقالات التي تؤكد على أهمية وضرورة العمل لتوحيد قوى اليسار والشيوعيين، والعمل الجاد للوصول

 (إلى حد أدنى من التقارب بين فصائل اليسار المختلفة، ووضع البرامج الكفيلة بتجاوز العقبات وتذليل الصعوبات التي تعرقل مواصلة المسيرة وتحد من تقدم اليسار وتطويره وعدم ابقائه في حالة بائسة من التردي والاندحار).

وتأتي موضوعات الكتاب في إطار “ اعادة بناء التيار اليساري الديمقراطي الجديد “ وتوحيد مسارات القوى الفاعلة في التيار اليساري بمختلف فصائله، ولابد من مراجعة دقيقة وفاحصة لوحدة هذه الفصائل التي تتقدم بوعيها وادراكها بضرورة إجراء تغيير شامل في العملية السياسية من خلال وحدة قوى اليسار والديمقراطية والقوى الوطنية والمدنية بشكل عام، لإنقاذ البلاد من سياسة المحاصصة والطائفية والفساد والسلاح المنفلت وعصابات الجريمة المنظمة وبناء العملية السياسية على أساس المواطنة والدستور وتحقيق العدالة الاجتماعية. إضافة إلى اهمية ان تعمل مفوضية الانتخابات على منع الجهات التي تمتلك اجنحة مسلحة من المشاركة بالانتخابات، وحسب ما ورد في الدستور العراقي.

والكل يعرف مواقف بعض القوى المتنفذة او تلك التي تشعر بالخوف من الحركة اليسارية في العراق وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي، لأنه يحمل برنامجا اقتصاديا لصالح الطبقات الشعبية الكادحة والتي أصابها الكثير من الحيف في ظل الفساد والمحاصصة وسياسة توزيع المغانم بين المتحاصصين، وترك الشرائح الاجتماعية التي ليس لها ارتباطات مع اولئك المتنفذين، يعيشون تحت رحمة المجاعة والفقر وضنك العيش والحرمان والبطالة والتهميش.

      أما عن العناصر الموتورة والتي تناوئ الحزب الشيوعي من بوابات مصالحها الأنانية ونظراتها القاصرة واحلامها الطوباوية، فأن الكاتب كان مدركا وواعيا جدا ويمتلك ادواته الرصينة في الرد وكبح جماح تلك الجماعات التي تسللت للحزب في ظروف خاصة ثم تحولت إلى عناصر معادية لمسيرة الحزب ومعوقة لسياساته في توحيد ولملمة شمل القوى اليسارية المبعثرة واعادة اللحمة إلى صفوفها، ونبذ سياسة الاحتراب والتشرذم والتباعد وضياع الفرص التي يسعى الحزب جاهدا لتوحيدها تحت خيمة التيار الديمقراطي المدني.

   الكتاب يأتي متناغما مع الجهد والسعي والمحاولات الجادة من قبل قيادة الحزب الشيوعي للتحاور الفعال مع قوى اليسار ومحاولة ايجاد البدائل التي تعيد صياغة مسار العملية السياسية المتعثرة في بلادنا والتي تسببت في ضياع فرص التقدم والتطور والبناء، واهدرت المال العام في السنوات الثماني عشرة الماضية، ورغم صعوبة المهمة التي يضلع بها الحزب، لكن المستقبل والتحدي الكبير والإيمان بدور قوى اليسار وأهمية توحيدها، هو الضمانة في ظل وضع يثقل بكلكله على أكتاف الطبقات التي تقع في اسفل الهرم الاجتماعي، حيث تعاني شرائح كثيرة وواسعة من سياسة الفاشلين والفاسدين، وتتطلع تلك الشرائح لحياة حرة كريمة تسودها العدالة الاجتماعية ونبذ العنف والتطرف وابعاد البلاد عن مهاوي السلاح المنفلت واللادولة وضياع القانون في متاهات التمسك الأعمى بالسياسات التي ثبت فشلها خلال العقدين منذ سقوط نظام البعث الفاشي.