صدر كتاب ( المسيحيون في العراق ) عن مؤسسة مسارات للتنمية الثفافية والاعلامية في 816 صفحة من القطع المتوسط يضم عددا من البحوث والدراسات المتخصصة بشأن المسيحيين في العراق .. في المقدمة يسأل سلوم امكانية تخيل الشرق الاوسط من دون مسيحيين؟ حيث تتغير هويته إلى هوية أحادية فاقدة امتيازات التنوع التي كانت تشكل رأسمالها الحضاري، اذ تشهد العقود الأخيرة غياب المكون المسيحي وتحولهم إلى طائفة منقرضة في دائرة عنف وكراهية شملت الجميع. ولم يكن المسيحيون عنصرا دخيلا أو طارئا بل كانوا وسيظلون جذورا تربطنا بحضارتنا الأولى وشركاء ومساهمين فاعلين في بناء الحضارة الاسلامية كما في بناء الدولة الوطنية في العصر الحديث..

الباحثة المتخصصة بتاريخ المسيحية في العراق الدكتورة سهام رسام تقول في موضوعة جذور المسيحية في العراق إنها تعمقت في العراق منذ القرن الميلادي الأول وأصبحت كنيسة ذات مؤسسة جيدة التنظيم مع عدد كبير من الاتباع ليس في العراق فقط بل في بلاد فارس وآسيا الوسطى والصين والهند وجنوب شبه الجزيرة العربية كذلك ومع حلول القرن السابع للميلاد كان لها مزيد من الاتباع تحت وصايتها وقد نمت الكنيسة الشرقية بعيدا عن أي سيطرة غربية ومن خلال تجذر ثقافتها السريانية العميقة كانت مطلعة بشكل واسع على الفلسفة واللغة اليونانية. كان المسيحيون السريان يتمتعون بعلاقات كبيرة مع العرب وأصبح كثير من القبائل العربية مسيحيين قبل مجيء الاسلام وفي وقت لم تتطور الكتابة العربية حتى بعد القرن الثالث الميلادي كان المسيحيون العرب يتعلمون السريانية ويدعون أنفسهم بالعرب السريان، ووجد العباسيون في العرب المسيحيين المتحدثين باللغة السريانية معينا كبيرا لهم في الترجمة والطب والتخصص في العلوم المتداولة في ذلك الزمان.

أما عبد الامير الحمداني وحكمت بشير الأسود  فيكتبان عن خريطة التراث والآثار المسيحية في العراق عن كنيسة المشرق التي تأسست على أرض الرافدين مرتكزة على خلفية حضارية عريقة في القدم .. يقدمان في هذه الورقة التراث الثقافي والآثاري لمسيحي العراق سواء ما كشف عنه خلال البحوث والدراسات الآثارية أو ما جرى الحديث عنه من رجال الدين والمؤرخين والجغرافيين والادباء، تعرض الورقة البداية مع دخول وانتشار المسيحية في العراق ومن ثم تناولت الجذور والأصول الاثنية لمسيحيي العراق والكنائس والأديرة في شمالي العراق وجنوبه. والاستاذ فؤاد قزانجي يستعرض أهم مدن العراق المسيحي، كشكر او (كسكر) في محافظة واسط اليوم وقسطيفون (المدائن) والرصافة وهو اسم لمدينة سريانية منسية، وفي كربلاء تتربع في صحرائها كنيسة قاومت الرمال المتحركة وما تزال تأمل أن تنتشل من وحدتها بين الرمال أنها واحدة من الكنائس العائدة لكنيسة المشرق القديمة في العراق وقد دفنها الزمن والرمل. والبصرة وفرات ـ ميسان او ميشان وهيت.

مساهمة الدكتور خوشابا حنا الشيخ تناولت خريطة الطوائف المسيحية في العراق، الكلدانيون، الاشوريون، السريان، الأرمن والبروتستانت والطوائف الغربية الأخرى نسبتهم قليلة وهي وليدة التبشير البروتستانتي في العراق الحديث.

مار لويس روفائيل الاول ساكو كتب عن مسيحيي العراق في ظل الحكم العربي الاسلامي مشيرا إلى أنهم عراقيون أصليون اعتنقوا المسيحية منذ نهاية القرن الاول الميلادي ولم يأتوا من الخارج بل هم أبناء هذه الأرض المباركة التي نمت فيها حضارات متعددة يقيمون فيها منذ الفي سنة. تمتع المسيحيون في الخلافة الاسلامية بسقف من الحرية وفر لهم الاسهام في بناء صرح الحضارة العربية والاسلامية التي عدوها جزءا من تراثهم وتفاعلوا معها لا سيما في حكم العباسيين الأوائل وبوساطتهم نقلت الثقافة والفلسفة العالمية آنذاك إلى العربية. إن مسيحيتهم لم تسلخهم عن وطنهم وقضاياه وإذا كان الاسلام في الخلافة الاسلامية قد اعتبرهم (اهل الذمة) لعدم انخراطهم في العسكر فالمسيحيون اليوم مواطنون حاضرون في جميع مجالات الحياة العامة.

اما الأب بطرس حداد فيقدم مساهمة مهمة تتعلق عن وضع مسيحيي بغداد في ظل الحكم العربي الاسلامي والدكتور سامي ناظم حسين المنصوري يشرح وضع مسيحيي العراق في ظل الدولة العثمانية ويقدم جداول عن التقديرات السكانية للمسيحيين في العراق وعدد الطوائف المسيحية في ولايات العراق العام 1907 وجدولا لأسماء رؤساء الطوائف المسيحية في العراق العام 1903 وجدولا لمقاعد الاعضاء المسيحيين في مجالس ادارة ولاية بغداد 1875ـ 1907 وجدولا آخر عن مقاعد الاعضاء المسيحيين في مجالس ادارة ولايتي البصرة والموصل والمدارس المسيحية في العراق 1805ـ 1897 ، اما ما يخص المطابع فكان أولها المطبعة الكلدانية في الموصل التي أسسها في العام 1863 م الشماس روفائيل مازجي الآمدي ومطبعة للأرمن فتحت في بغداد العام 1874 م وكانت تطبع المناهج الدراسية فضلا عن صحيفة بونج ( الباقة ) التي تعد أول صحيفة أرمنية تصدر في بغداد العام 1890 .

 أما الباحث هيثم محي طالب فيقدم دراسة عن وضع المسيحيين في العراق في العهد الملكي ومن خلال جداول تتضمن أعدادهم في العراق بالنسبة للجماعات الدينية الاخرى حسب احصاء 1947 و1957 ويشير إلى دورهم في الحياة السياسية والمجال الاقتصادي والاجتماعي ..الدكتور عدنان زيان فرحان يتناول في بحثه القضية الآشورية وتداعياتها في العراق الملكي، ويعرض سعد سلوم الخريطة الجديدة لانتشار المسيحيين بعد الحرب العالمية الثانية ومع بداية هجرة يهود العراق في بداية خمسينيات القرن الماضي وتحفز المسيحيين على تنشيط دورهم على أكثر من صعيد لسد الفراغ الذي تركته هجرة اليهود. الأكاديمي العراقي رياض الحيدري كتب في رسالته (الآثوريون في العراق) والتي نال عليها درجة الماجستير من جامعة عين شمس والتي صدرت في كتاب العام 1977 ومن ثم أصبحت محدودة التداول لاحتوائها على وثائق لم ترد حكومة البعث أن يطلع عليها العراقيون، فهل كان البعث يريد أن يحجر على ذكرى مجزرة سميل بوصفها قطعة من الماضي من الأفضل نسيانها؟ أو أنه بطريقة ما كان يرى نفسه وريثا لمخلفات المسألة الآشورية؟ كما من الواضح أن المخاوف من الآشوريين ومحاولة احتوائهم لم تكن بسبب تمثيلهم خطرا مباشرا على وحدة الدولة كما جرى تصويره في الثلاثينات، لكن نزوع أفراد الأقلية الاشورية للانضمام إلى الحزب الشيوعي أو الحركة الكوردية كان يجعلهم مع بقية افراد الاقليات مشروعا للتوظيف في جبهة المعارضة للنظام السياسي الجديد. لا سيما أن آيديولوجية الحزب الشيوعي المنفتحة على مطالب الأقليات وحقها في تقرير المصير شكلت عامل جذب لأفراد الاقليات للانضمام في صفوفه. كما أنه في العام 1977 منع فيه الاشوريون من ادراج قوميتهم في السجل المخصص لاحصاء نفوس العراق وكان الخيار الوحيد هو (عربي أو كردي) وتم منع تداول كلمة آشوري في الادبيات والمطبوعات الاشورية وتسلم (النادي الثقافي الآشوري) كتابا رسميا بهذا الخصوص. وفرضت الرقابة على مجلة (المثقف الاشوري). وفي السياق ذاته تم اعتقال مجموعة من الفنانين والمغنين الآشوريين وزجوا في السجن وهذا ترك أثره السلبي وايضا تعرضت الحركات والتيارات السياسية التي تمثل المسيحيين الآشوريين إلى حملة قمع في سياق حملة أوسع شملت جميع أطياف المعارضة السياسية للنظام ففي العام 1984 جرت حملة اعتقالات واسعة لقياديين في الحركة الديمقراطية الاشورية فضلا عن المئات من الآشوريين من مختلف طبقات الشعب. كما مضت الدولة خطوة أكبر في السيطرة على شؤون الطوائف الدينية في العراق من خلال التدخل في شؤونها الداخلية والرجوع إلى سلطة مركزية تمثلت بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية. ويتناول الباحث المتخصص بشؤون مسيحيي العراق الاستاذ وليم وردا في مقاله (المسيحيون في أعقاب التغيير في العراق 2003) الدستور الدائم الذي يشير بشكل واضح وصريح للحقوق السياسية والإدارية والثقافية والتعليمية للمسيحيين (الآشوريين والكلدان) والتركمان من خلال ما جاء في نص المادة 125. وفي هذا النص ارتكب المشرع خطأ جوهريا عندما فصل الكلدان والاشوريين بواو العطف وكانهم قوميتان أو مكونان مختلفان وهذا ما يتنافى مع الحقيقة التي تؤكد انهما شعب واحد ذو اصل واحد ولهما التاريخ نفسه والمقومات القومية والعرقية الأخرى. الأمر الذي جاء بشكل مختلف عن قانون ادارة الدولة الذي كان قد عالج موضوع التسميات المتنوعة للشعب نفسه بادماج التسميتين الكلدواشورية. وتضمنت مقالته عناوين المسيحيون بين المسؤولية الوطنية والحماية الدولية والمسؤولية الوطنية في حماية المسيحيين ومسؤولية الدولة في حماية الوجود المسيحي ودعوات الحماية الدولية وحكم ذاتي للمسيحيين .

ويشير الدكتور فائز عزيز اسعد في مقاله إلى مستقبل الوجود المسيحي بين الحضور والاضمحلال وكتب عن القبائل العربية المسيحية والتكوين السياسي والحضاري العربي المسيحي متناولا تاريخيا الوجود العربي المسيحي في العهد العربي الاسلامي والعهد الاسلامي غير العربي. إن استعراض التاريخ العربي المسيحي ليس هدفا بحد ذاته بل هو استرجاع للتاريخ ليكون درسا لمستقبل آت وكان الدور العربي المسيحي مساهما فاعلا في نهضة البلاد العربية وتحررها برغم النكسات التي تعرض لها العرب المسيحيون والتشتت الكبير لقبائلهم. كما تضمن الكتاب عددا من تشريعات واحصائيات ووثائق عن مسيحي العراق، جداول بكنائس الطوائف المسيحية في العراق واحصائيات خاصة بالذاكرة الجريحة للمسيحيين خلال فترة الحكم البعثي وجداول للقرى المسيحية المدمرة 1963 ـ 1988 والكنائس التي تم تدميرها خلال الفترة 1976 ـ 1997 وأسماء رجال دين مسيحيين تم تصفيتهم 1972 ـ 1989 واسماء المفقودين في عمليات الآنفال من المسيحيين والمفقودين اثناء النزوح الجماعي من كردستان العراق آذار 1991 ووثائق وتشريعات خاصة في النصف الاول من القرن العشرين.

عرض مقالات: