بلغت الازمة التي باتت تعصف بمختلف جوانب حياة البلاد السياسية والاقتصادية - الاجتماعية درجة من العمق والحدة لم يعد بمقدور أحد تجاهلها وإدارة الظهر لها. كما غدت تداعيات هذه الأزمة تلسع بشدة وقسوة فئات وشرائح اجتماعية واسعة، باستثناء الشرائح الكومبرادورية والبيروقراطية والطفيلية التي تتحمل هي وايديولوجية الليبرالية الجديدة التي تتبناها وتطبقها المسؤولية الأساسية عن نشوء هذه الازمة، التي أصبح استفحالها مصدرا لتذمر شعبي واسع تجلى بجلاء في المقاطعة الشعبية الواسعة لانتخابات المجلس النيابي التاسع عشر، وفي تحيّن أي فرصة لتوجيه رسائل قوية لدائرة صنع القرار عبرت بكل صراحة ووضوح عن رفضها للنهج السياسي والاقتصادي المطبق ومطالبتها دون لبس بتغيير هذا النهج، وتنفيذ إصلاحات جذرية وعميقة، تطال في المقام الاول الدستور، ومن ثم البنية التشريعية الناظمة للحياة السياسية والعامة (قوانين الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية والمنظمات الأهلية والجرائم الالكترونية)، والنهج الاقتصادي. 

وكان حزبنا أحد الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة، التي لعبت دورا سياسيا فعالا في صياغة وبلورة مطالب الحركة الشعبية، وفي رفع درجة الوعي السياسي بها، وفي طرحها امام الجهات الرسمية المعنية. وكان على الدوام يدعو السلطة السياسية الى الانفتاح على أحزاب وقوى المعارضة الوطنية والقومية واليسارية ومحاورتها والاستماع الى رؤاها وافكارها وطروحاتها. ومنذ تفشي جائحة كورونا، التي عمقت مظاهر الازمة الاقتصادية والمعيشية، طالب حزبنا بحوار يشمل مختلف الأحزاب والقوى والشخصيات في المعارضة والموالاة لتدارس الأوضاع القائمة وإقرار سياسات وتدابير عاجلة لمواجهة الأزمة. 
لم تستجب السلطة في حينه لهذه الدعوات وتجاهلتها كالعادة، الى أن التقط رأس الدولة، جلالة الملك، الحاجة الى الحوار بعد نحو شهرين من انتخابات المجلس النيابي وما كشفت عنه من اتساع وعمق هوة الثقة بين النظام السياسي وقطاعات واسعة من الجماهير الشعبية. وقد جاءت التطورات اللاحقة لتكشف عن عمق الازمة التي طالت الجميع دون استثناء، والتي قادت البلاد والمجتمع اليها قوى النيو ليبرالية، التي تغلغلت في مؤسسات السلطة، وهيمنت على مفاصل أساسية فيها، بددت موارد البلاد وأهدرت مقدراتها، اشاعت الوهن في بنى الدولة وجهازها الإداري، تردت في ظل سيطرتها هيبة الدولة ومكانتها على مختلف الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وتفشت أكثر من أي وقت مضى، مظاهر الفساد الإداري والمالي، والمحسوبية وجرى بصورة منهجية استبعاد أهل الخبرة والكفاءة والنزاهة من الوظيفة العامة واحلال عناصر متزلفة مطواعة مكانها. 
إن صدور الإرادة الملكية بتشكيل لجنة تمثل طيفا سياسيا واسعا للحوار حول تحديث قوانين الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية وتعديل احكام الدستور المتعلقة بهذه القوانين قد تكون احدى الفرص الأخيرة التي قد تفضي لوقف هذا التدهور الحاصل وايجاد مخارج مناسبة من جملة المآزق التي دُفعت اليها البلاد على يد التحالف الطبقي الحاكم.
في هذا السياق يهمنا التأكيد على أن الحوار لا يجري بين ممثلي قوى وشخصيات متفقة ولا حتى متوافقة على جوهر التحديث المنشود، وعمقه ومدياته. على العكس هو يجري بين أطراف متناقضة ومتعارضة تماما، تحتكم العلاقات فيما بينها في ظل الظروف والشروط القائمة موضوعيا الى قانون وحدة وصراع الأضداد. وبالاستناد الى ذلك يصبح أمرا مفهوما أن ينخرط ممثلو هذه القوى متعارضة النهج والمصالح والرؤى في حالة من الاشتباك السياسي المباشر وغير المباشر عندما تصل الأمور الى مأزق يصعب الخروج منه الا بتوافق هذه القوى عبر الحوار. وتقدم لنا الحياة نماذج مستمدة من الماضي البعيد والقريب تشير الى أن هذا التعارض لم يحل عندما توفرت ظروف تنحاز نسبيا لصالح القوى الشعبية دون التوصل مع ممثلي القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي الى قواسم وتفاهمات مشتركة على أساس من الندية واحترام الرأي والرأي الآخر. وتراجع دوائر الحكم عن الالتزام بما تم التوصل اليه من تفاهمات مع انه يكشف عن طبيعتها المترددة وعدم جديتها في تنفيذ متطلبات الإصلاح، يجب ان يكون باعثا ليس على الانكفاء، بل على مواصلة العمل وممارسة أوسع ضغط شعبي ممكن من اجل التوصل الى مخرجات تستجيب بما تسمح به الظروف وموازين القوى للأساسي من مطالب الطبقات والشرائح الاجتماعية الشعبية مع ضرورة الاستفادة من دروس وعبر تجارب الماضي. الضمانة لنجاح الحوار في تحقيق اهداف الحركة الشعبية وفي الحيلولة دون التراجع عما يتم التوصل اليه يتمثل في تصعيد النضال الجماهيري والشعبي وفي تحقيق قدر من التوافق يتعاظم باضطراد بين الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والتقدمية والديمقراطية المعنية بالتغيير والتحديث على اختلاف انتماءاتها الفكرية وتوجهاتها السياسية.
انطلاقا من ذلك، ولانعدام البدائل، فإن الحزب الشيوعي الأردني إذ يرحب، من حيث المبدأ، بخطوة اطلاق الحوار وتشكيل اللجنة الخاصة بتحديث منظومة القوانين، يهمه ايراد الملاحظات النقدية التالية:
1- مع أن إرضاء كل الناس غاية لا تدرك، الا أننا نعتقد أن تأمين الدعم الشعبي لهذه اللجنة كان يتطلب ابداء اقصى درجات الحرص على حسن اختيار رئيسها وجميع أعضائها من شخصيات غير خلافية، يحظون بسمعة طيبة وثقة من قبل غالبية وازنة من المجتمع، لم يكونوا يوما ضالعين في التسبب بما آلت اليه الأمور وافضت اليه السياسات التي طبقوها والتي يحاولون اليوم إصلاحها. 
2- يلاحظ غياب يصعب تفسيره لممثلي أحزاب (يسارية وقومية) وقوى وشخصيات فاعلة في الحياة السياسية، ورجال قانون مشهود لهم بالكفاءة والمهنية العالية، وشخصيات فكرية وثقافية واعلامية لها حضور متميز في الحياة العامة. وفي نفس الوقت ضمت اللجنة أشخاصا ليس لهم أي حضور في الحياة السياسية والعامة ولا يملكون أي رصيد من المساهمة فيها. 
3- مع الإقرار بأن قانون الانتخاب يشكل المدخل الرئيس لإحداث الانعطافة المطلوبة  في الحياة السياسية وترسيخ تقاليد برلمانية ديمقراطية، الا اننا نرى أن نقطة البدء والانطلاق في عملية التحديث والإصلاح يجب أن تتمحور حول الدستور، بحيث يعود الى صيغته الاصلية التي كان عليها عند اقراره عام 1952 مع اجراء بعض التعديلات الضرورية التي يفرضها الواقع السياسي المعاش وتطوره، الى جانب ادخال تغيرات على السياسات الاقتصادية والمالية النقدية الضرورية لمعافاة أوضاع الاقتصاد الوطني والمالية العامة، بما ينعكس ايجابا وبصورة ملموسة وبأسرع ما يمكن على الأوضاع المعيشية للفئات والشرائح الاجتماعية الشعبية  وانهاء معاناتها المتواصلة منذ عقود. 
4- أن النص في الرسالة الملكية على قوانين بعينها لا يمنع اللجنة من ان تطالب بتوسيع صلاحياتها بالبحث في تعديل الدستور وباقي التشريعات ذات الصلة بالحياة السياسية والعامة.
5- لا زال أحداث انفراج حقيقي في الحياة السياسية مضمونه إطلاق سراح المعتقلين السياسيين على خلفية قضايا الراي، وإنهاء العمل بقوانين الدفاع، واطلاق الحريات الديمقراطية، وخاصة حرية التعبير عن الرأي بالأشكال كافة، مطلبا لم يتحقق بعد، وهو لا زال مطروحا بقوة من جميع الأحزاب والقوى والشخصيات الحريصة على خلق المناخ الصحي الملائم للحوار الوطني. 
6- جاء تشكيل اللجنة واطلاق الحوار على خلفية اتساع هوة الثقة بين الجماهير الشعبية والسلطات الرسمية، وعلى خلفية فشل تجارب سابقة لم تلتزم الحكومات بمخرجات الحوار وجرى التملص من تطبيقها. لذا يتطلب استعادة الثقة المفقودة جهدا إضافيا مضاعفا لان ترتقي مخرجات الحوار الى مستوى الطموحات والاستجابة للتحديات تبدد ولو جزئيا أجواء الإحباط واليأس السائدة.
في الجلسة الأولى للحوار سيطالب الحزب عبر ممثله وبالتنسيق مع كل من يمكن التوافق معه بهذا القدر او ذاك من أعضاء اللجنة على ايجاد اليات مناسبة تسعى لتجاوز هذه الثغرات والنواقص والتغلب عليها، الامر الذي من شأنه أن ينهي أو يخفف من الاعتراضات على الحوار ويزيل التحفظات التي يبديها البعض عليه.  
وبالرغم من جميع الظروف المحبطة المحيطة بتشكيل اللجنة وانطلاق الحوار، قررت اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي الأردني الموافقة على المشاركة في لجنة الحوار والاستجابة للدعوة التي وجهت اليه. إن هذه المشاركة لا تعود لأوهام تتعلق بحس نوايا ممثلي التحالف الطبقي الحاكم، ولا تعول على أن اللجنة ستحدث اختراقا غير مسبوق في جدار الازمة، وستنجح في تفكيك جميع جوانبها وحل المشاكل والاختلالات القائمة دفعة واحدة، بل أملاها، بالدرجة الأولى، إحساس الحزب بمسؤوليته الوطنية والاجتماعية. ومشاركته تأتي منسجمة ومتوافقة تماما مع طبيعته كحزب سياسي يجد من واجبه ضمن نطاق نضاله السياسي والجماهيري متعدد الاشكال والوسائل استغلال أي فرصة للوفاء بواجبه الوطني والطبقي في طرح مطالب الجماهير الشعبية والكادحة مباشرة على دوائر صنع القرار، والدفاع عنها والعمل مع جميع من يتفق معه في الرأي والرؤية من أعضاء اللجنة، على تشكيل جبهة تتبنى هذه المطالب وتدافع عنها وتسعى لتحقيق اقصى ما تسمح به موازين القوى من هذه المطالب. 
إن تحليل الحزب للواقع الموضوعي الملموس الذي تعيشه بلادنا ولجوانب القوة والضعف في مواقف القوى الممثلة وغير الممثلة في اللجنة تقودنا الى التقدير بأن هناك إمكانية واقعية لأن تفضي مخرجات الحوار لتشكل ظروف وشروط أفضل من القائمة حاليا لتحقيق أبرز مطالب الحركة الشعبية والوطنية والديمقراطية الأردنية المطروحة من قبلها على المدى المنظور، والتي تتمثل في إقامة أردن وطني، متحرر وديمقراطي، يكفل حقوق جميع مواطنيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون تمييز ويتعاطى مع الجميع انطلاقاً من مبدأ المواطنة، يقوم نظامه السياسي على أساس الالتزام بالدستور في حالته الاصلية وبالفصل التام بين السلطات وتمكين كل واحدة منها من الاطلاع بصلاحياتها كاملة غير منقوصة.
 وترى اللجنة المركزية أن اختيار الرفيق فرج اطميزه بصفته أمينا عاما لحزبنا الشيوعي الأردني عضوا في لجنة الحوار يعد اعترافا بموقع الحزب ودوره في الحياة السياسية والحزبية الأردنية، وبأنه يشكل، كما كان طيلة السبعين عاما الماضية، أحد الروافد الهامة للحركة الوطنية والتقدمية الأردنية، وذلك بفضل النضال الجسور والعمل الدؤوب والمثابر لأجيال متلاحقة من قادة الحزب وكوادره المتقدمة واعضائه. 
بعيدا عن أي أوهام أو مغالاة في تقدير ما يمكن أن يخلص اليه الحوار من مخرجات، يراهن الحزب على حسن تقدير النظام السياسي للظروف الصعبة السائدة والتي لا مخرج منها الا بإجراء تغيير حقيقي ذي مضمون ومغزى يستجيب لمطالب الناس ويعمل على تلبية تطلعاتهم وآمالهم، يرفع من مستوى معيشتهم وينتشلهم من الفقر والعوز والبطالة، يدفعهم الى التفاؤل بالمستقبل وللانخراط بهمة ونشاط في الحياة السياسية والعامة وفي عملية البناء ونقل الأردن الى عصر الحداثة.
 
عمان في 16/6/2021
 
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأردني
 
 …