منذ عام 2016، تجددت احتجاجات طلابية متكررة ضد الهجوم السياسي على الجامعات الحكومية الهندية.  وتمثل جامعة جواهر لال نهرو اليسارية في العاصمة الهندية دلهي، والتي تضم 8 آلاف طالب فقط، أهم مراكز الصراع مع اليمين الهندوسي العنصري الحاكم.  وتتمتع احتجاجات طلبة هذه الجامعة بأهمية اجتماعية وسياسية كبيرة، حيث يركز الطلبة المحتجون على الصراعات الاجتماعية المركزية في شبه القارة الهندية: محاولات اليمين الحاكم إحياء وترسيخ نظام الهرمية التراتبية الطبقية والاجتماعية، وفق تصنيفات دينية أو قومية موروثة، التمييز وعدم المساواة الاجتماعية واضطهاد المرأة. ولذلك فإن الجامعة غدت شوكة في عيون اليمين العنصري وسياسات الليبرالية الجديدة الاقتصادية. وفي بداية العام الحالي تعرض الطلاب والمعلمون لهجوم من قبل مجموعات ومليشيات يمينية منظمة، ردا على احتجاجات الطلبة على قانون المواطنة العنصري الجديد، الذي يشرعن منح المواطنة للمهاجرين من غير المسلمين، والعمل بما يسمى بالسجل الوطني للسكان، والذي يعد هجومًا على دستور الهند العلماني، ويسعى لفرض تغييرات ديموغرافية، ضحيتها الأولى الأقلية المسلمة في البلاد، من خلال تحويل الديانة الهندوسية إلى انتماء قومي.

لقد اكتسبت الاحتجاجات طابعا سياسيا عاما ضد سياسات الحزب الحاكم وزعيمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وشارك فيها الملايين في جميع أنحاء الهند. وامتازت الاحتجاجات التي شهدتها حديقة شاهين وسط العاصمة، برمزية متميزة، حيث لعبت الحركات النسوية دورا في قيادتها. واستمرت الاحتجاجات لمدة ثلاثة أشهر متواصلة. وجوبهت بقمع حكومي شديد، اشتركت فيه حشود هندوسية عنصرية، في تداخل وتعاون بين مؤسسات القمع الرسمية، وامتداداتها غير الشرعية. ولم تتوقف الاحتجاجات، إلا في آذار الفائت، نتيجة لانتشار وباء كورونا وإجراءات العزل الاجتماعي المقرة لمواجهته.

وبعد البدء بتطبيق الإجراءات المرتبطة بالوباء، اندلعت الاحتجاجات من جديد، وهذه المرة ضد تعليق العمل بقوانين العمل، وقضم مكتسبات السلامة المهنية للعاملين، عبر اعتماد قوانين الليبرالية الجديدة. وهذه الاحتجاجات مستمرة إلى الآن. وفي أيلول الفائت شهدت الهند تظاهرات كبيرة ضد العنف الجنسي، وعمليات الاغتصاب الجماعي في بلدة هتراس. وهي المرة الأولى في تاريخ الهند التي تندلع فيها احتجاجات واسعة ضد العنف الذي تمارسه الفئات العليا قي إطار التراتبية الدينية ضد الفئات السفلى، المنبوذين، والذين يسمون بـ “الداليت”.

ومنذ شهرين تستمر احتجاجات المزارعين، بعد أن رفضت الحكومة المركزية في دلهي الاستجابة لمطالب المحتجين، الذين أعلنوا الخميس الفائت أنهم سيواصلون نضالهم. ولا يزال المزارعون ممنوعين من الوصول إلى العاصمة، وتجمع مئات الآلاف منهم ونصبوا الخيام عند حدود المدينة. ويشدد المحتجون على أن الحكومة رفضت الاستجابة لمطالبهم المشروعة، وأن الوفد الحكومي لم يكن مستعدا لأية استجابة، ولم يترك للمحتجين سوى خيار استمرار الاحتجاج. واتهم راهول غاندي، رئيس حزب المؤتمر المعارض، رئيس الوزراء ناريندرا مودي، باعتماد سياسة اقتصاد القرابة، والسياسات التي تلبي مصالح الشركات الزراعية الأجنبية، بالضد من مصالح سكان البلاد

وفي هذه الأثناء تصاعد التضامن ورفض العنف الحكومي ضد الفلاحين في الخارج ايضا، حيث أدان نواب من اصول هندية في بريطانيا وكندا استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ضد المتظاهرين. وكان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو هو أول رئيس دولة في العالم يعبر عن تضامنه مع المزارعين. ورفض ممثلو الحزب الحاكم هذه التصريحات معتبرين إياها تدخلا في الشؤون الداخلية.

الإضراب الأكبر في تاريخ العالم

شارك 250 مليون عامل في الهند في الإضراب العام الذي دعت له مجموعة من الاتحادات العمالية في 26 تشرين الثاني الفائت، احتجاجًا على سياسات حكومة اليمين المحافظ الداعمة للمستثمرين والشركات الأجنبية على حساب مصالح السكان. وكان تحالفٌ مُكوَّن من عدة نقابات عمالية مركزية قد دعا إلى إضرابٍ شامل على مستوى البلاد احتجاجًا على تمرير قوانين ضد حقوق العمال والمزارعين. ودعمت قوى اليسار السياسية والحركات الاجتماعية العمال المضربين.

والاضرابات العمالية بهذا الحجم واسعة المشاركة ليست جديدة على الهند، التي يبلغ عدد سكانها 1,4 مليار نسمة، حيث شارك قرابة 200 مليون عامل في إضراب تاريخي بداية عام 2019، وقرابة 150 مليون عامل في إضراب 2016، وقرابة 100 مليون في إضراب عام 2012 متجاوزين كافة الانقسامات العرقية والدينية.

عرض مقالات: