شهدت فرنسا الاحد الفائت الجولة الثانية للانتخابات البلدية. وجاء تحقيق حزب الخضر لنتائج تعتبر تاريخية في مسيرته السياسية، ليطرح من جديد اسئلة جدية، بامكانية عودة معسكر اليسار لحكم البلاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومعروف ان احزاب اليسار الفرنسي قد عاشت في السنوات الثلاث الماضية سلسلة من الهزائم الانتخابية، مقابل صعود اليمين بشقيه الليبرالي الجديد، وكذلك المتطرف.
واستطاع حزب الخضر ان يعزز مواقعه في مدينة غرونوبل الجنوبية. وان ينتصر في مدن ليون، ستراسبورغ، تور، بيزانسون، بواتيي إضافة إلى بوردو التي كانت تعد قلعة لليمين التقليدي منذ 73 عاما. و بهذا يصبح الحزب ، القوة السياسية الأولى في البلاد، ويستكمل بذلك سلسلة انتصارات حققتها احزاب الخضر في اوربا، مستفيدة من الصعود العالمي لملف حماية البيئة.. ومن جانب آخر نجح الحزب الاشتراكي في الاحتفاظ بادارته لمدن : باريس، نانت، مونبوليي، رين، ديجون إضافة إلى بلديات في الجزر التابعة لفرنسا.
بالمقابل تكبد حزب “الجمهورية إلى الأمام” بزعامة الرئيس الفرنسي ماكرون خسارة كبيرة في هذه الانتخابات، رغم فوز رئيس الوزراء إدوار فيليب، الذي لاينتمي لحزب الرئيس في مدينة لوهافر الساحلية. لقد اعتمدت نجاحات الحزب الحاكم على شخصيات تتولى مناصب مؤثرة، وليس اعتمادا على قدرات الحزب، الذي بدا بلا قواعد حقيقية. ومن جانب آخر احتفظ الحزب الجمهوري بمواقعه في بلديات المدن المتوسطة. وانخفضت مقاعد “التجمع القومي” (الفاشيون الجدد) من 1438 (2014) إلى 840 (2020)
تحالفات يسارية
ومهم جدا الإشارة الى التحالفات والتفاهمات التي تحققت بين الخضر والاشتراكيين والشيوعيين، وحركة فرنسا الابية بزعامة ميلنشون، وكانت الرافعة التي وقفت وراء هذا النجاح، وقطعت سلسلة انتصارات اليمين الانتخابية، وما كان بدونها ان يفوز الخضر في مدن مثل بوردو أو مرسيليا، التي ظلت حكرا لليمين. ولم تجد نفعا تحالفات اقطاب اليمين التقليدي في الحد من تراجعه. وجاءت النتائج لتشكل حافزا مهما لتجميع قوى اليسار، وتعزيز عملها المشترك في المعارك الانتخابية المقبلة.
ولم يعد اليمين المتطرف خيار الناخبين الساخطين على الأحزاب التقليدية، وصار بامكان معسكر اليسار ان يقدم اطر مشتركة قادرة على جذب الناخبين من جديد.
الشيوعيون: نتائج مقبولة ولكن!
واشار متابعون يساريون ان مساء الانتخابات لم يكن سارا بالنسبة للحزب الشيوعي الفرنسي، فعلى الرغم من احتفاظ الحزب باكثر من من 200 عمدة بلدية، واستعادة عدد قليل آخرمن البلديات. لكن استمرار خسارته لادارة بلديات “الحزام الأحمر” التي احتفظ بها الحزب لعقود طويلة، تشكل مؤشرا سلبيا ومؤسفا بالنسبة لانصاره. ولم يستطع الشيوعيون الاحتفاظ ببلدية سانت دينيس الملاصقة لباريس ، وكذلك مدينة السكك الحديدية سانت بيير دي كور ، حيث عقد مؤتمر تاسيس الحزب الأسطوري . ولم تلعب نتائج الجولة الأولى للانتخابات دورا مؤثرا في نتائج الجولة الثانية. من جانب آخر فشلت حركة “فرنسا الأبية” مرة اخرى في مسعاها في الانفراد عن قوى اليسار، والأعتماد على قواها الذاتية.
يذكر ان نسبة المشاركة في التصويت كانت منخفضة 40 في المائة، وليس واضحا ان هذا الانخفاض جاء بسبب وباء كورونا، او استمرارا لسخط الناخبين على السياسات التقليدية.وكان معظم الفائزين من الشباب، البعدين عن اعباء المؤسسات السياسية التقليدية.و يمكن لعمد المدن الجدد من الخضر أن يثبتوا كفاءتهم، ليكونوا جديرين بقيادة اليسار في انتخابات 2022 الرئاسية. كما ان غياب امكانية التصويت البريدي، ادى الى انخفاض نسبة الناخبين الأكبر سنا.