هناك فئات واسعة من العراقيين تعيش في ابشع الظروف السكنية وهذا يشمل جميع مناطق العراق، وساهمت الحروب الداخلية واعمال العنف الاجرامية الناتجة عن الارهاب والطائفية بتفاقم قساوة و شدة هذه الظروف. فيفتقر سكن الكثير من العوائل العراقية الى ابسط الخدمات، مثل المياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية. وتضيف هذه الحالة انتهاكا اخرا للانتهاكات الفادحة لحقوق الانسان العراقي نتيجة ما تعرض ويتعرض له العراقيين من قمع وفقر وتشريد قسري. فالسكن اللائق يعتبر حسب التشريعات والقوانين الدولية حق من حقوق الانسان.
"على الرغم من ان الحق بالسكن اللائق يشغل حيزا واسعا ويتخذ موقعا محوريا في حقوق الانسان التي اكدتها الشرعة الدولية سواء بالإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948م او العهدين الدوليين الاول والثاني 1966 م والمصادقة والمنضمة لها حكومة جمهورية العراق الا اننا لا زلنا نشهد انتهاكات جسيمة لهذا الحق مع ضبابية واضحة تحيط به." (خالد الخالدي)
بلغ العجز في عدد الوحدات السكنية في العراق حوالي 2 مليون وحدة سكنية في الوقت الذي تم فيه انجاز ما لايزيد عن 10 الاف وحدة سكنية فقط، هذا حسب معطيات ﺧﻄﺔ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴة 2018 -2022 لوزارة التخطيط العراقية. ولكن كل المؤشرات تشير الى ان العجز في الوحدات السكنية اكبر من ذلك نتيجة معدلات النمو السكاني العالية ونتيجة الاحداث الامنية والهجرة بسبب الظروف المناخية والاقتصادية.
فحسب معطيات المصدر المذكور سابقا بلغت نسبة الفئة العمرية الاقل من 15 سنة من مجموع سكان العراق 39,5% في عام 2013 ولكنها ارتفعت الى 40،5% بعد ثلاث سنوات فقط اي في عام 2016، اما الفئة العمرية 15-24 عام فكان عددها 7,2 مليون نسمة عام 2013 وارتفع في عام 2016 الى 9,9 مليون نسمة، واضافة لازدياد اعداد السكان حدث ارتفاع في متوسط العمر المتوقع للعراقيين ايضا، كل هذه المعطيات تشير الى ان هناك حاجة متصاعدة ومستمرة لمزيد من الوحدات السكنية.
وحسب هذه البيانات فالحاجة للوحدات السكنية تختلف وتتوزع بشكل غير منتظم على مناطق العراق، فنصف سكان العراق تقريبا يتركز، حسب الاحصائيات 49،1% في خمس محافظات يبلغ مجموع مساحتها 20،9% من مساحة العراق فقط، هذه المحافظات هي:
بغداد، نينوى، البصرة، السليمانية، و ذي قار، وتبرز بغداد حيث يسكنها اكثر من 21% من سكان العراق.
كما نلاحظ زيادة لعدد سكان الحواضر في العراق على حساب سكان الريف، حيث يشكل سكان الحواضر 70% من مجموع سكان العراق وتبلغ نسبة سكان الريف 30% فقط، وجاء هذا نتيجة الهجرة المستمرة من الريف الى المدينة والتي لم تتوقف منذ فترة طويلة. هذه الهجرة سببت ضغطا كبيرا على كمية المساكن المتوفرة في الحواضر، وهي اضافة لعوامل اخرى تشكل احد اهم اسبابها. يعكس عبدالله صخي في روايته "خلف السدة" هذه الحالة:
"في ذلك الصيف البعيد وصلت المجموعة الاولى من المهاجرين الذين تركوا أرياف الجنوب واهواره وقدموا الى المدينة حالمين بحياة جديدة ..." وبهذه الصورة السردية يصف عبدالله صخي هجرة اهل الريف من الجنوب الى بغداد، مؤكدا على "حلم النازحين بحياة جديدة" هذا الحلم الذي جلبوه معهم نتيجة الظلم والشروط القاسية في موطنهم الريفي، انقلب الى كابوس واحلام رعب لهم وللعراق.
وليست بغداد مركز الجذب الوحيد للحالمين بحياة جديدة، فهناك البصرة والموصل واليوم ازداد عدد هذه الحواضر الجاذبة لسكان الارياف ولم يعد الحلم بحياة افضل هو الدافع الوحيد للهجرة بل جاءت اسباب ودوافع اخرى فكثير من سكان الارياف هاجروا للحفاظ على ارواحهم وارواح اولادهم من ارهاب المسلحين من مختلف التوجهات و الطوائف المتناحرة أو نتيجة التغييرات الحاصلة على بيئتهم كازدياد ملوحة الارض او شحة المياه او القحط.
"تعاني مياه شط العرب من شدة الملوحة بسبب السياسات المائية الجائرة لدول اعالي النهرين التي أدت إلى قلة الواردات المائية في عمودي نهري دجلة والفرات وسياسة بناء السدود وتحويل مجاري الأ نهر المشتركة من قبل إيران إلى داخل الأارضي الأيرانية مما أدى إلى تدهور الوضع البيئي في محافظة البصرة وخاصة مناطق (مركز محافظة البصرة، قضاء الفاو، قضاء أبو الخصيب، ناحية البحار ومنطقة السيبة) نتيجة ارتفاع تراكيز الأملاح الصلبة الكلية الذائبة T.D.S والملوحة Salinaty الى اضعاف ماكانت عليه سابقا والشحة المائية التي أدت الى جفاف الأراضي الزراعية والبساتين (خاصة بساتين النخيل ومزارع الحناء) إضافة الى نفوق الحيوانات الداجنة التي تقتات على هذه المصادر المائية فضلا عن تدمير (35) حوضا لتربية الأسماك." (مثنى ابراهيم حيدر)
تتباين درجات التحضر بين المحافظات العراقية وبشكل كبير ففي بغداد تبلغ درجة التحضر 87،5% وتأتي بعدها السليمانية بنسبة 84،7% ثم تليها اربيل والبصرة وتأتي ادنى النسب في بابل والمثنى وصلاح الدين 43،8% ,45،4%, 45،1% على التوالي.
تأثر العراق، في العقود الاخيرة، بشدة بالحروب والنزاعات الاقليمية والداخلية ومن الاثار الكبيرة لهذه النزاعات والحروب وما رافقها من اعمال ارهابية هو الدمار الكبير الذي اصاب البنية التحتية والمساكن واسس معيشة البشر، هذا ادى الى نزوح لكتل هائلة من البشر، لم يشهد لها تاريخ العراق مثيلا، اما هربا او بالتهجير القسري مما سبب ضغطا اضافيا على وضع السكن والخدمات والبنى التحتية في المحافظات المضيفة. بلغ عدد العوائل النازحة 1.008.524 عائلة وكما يلي حسب المحافظات:
نينوى 470.070 عائلة، الانبار 265.806 عائلة، صلاح الدين 133.183 عائلة، ديالى 62.308 عائلة، كركوك 29.423 عائلة، بغداد 28.326 عائلة، بابل 8.427 عائلة.
العرض السابق وتحليل لقطاع الإسكان في العراق يكشف عن مجموعة واسعة من التحديات في السنوات المقبلة. العديد من هذه التحديات "تتشابك" بعضها بالبعض ألاخر، أي أنها تشكل مجموعة من العوامل المترابطة التي لايمكن معالجتها الا بطريقة ونظرة شاملة. وهنا نذكر، وبترتيب تنازلي حسب الأهمية، اهم هذه التحديات الرئيسية:
1 - الطلب الكبير على المساكن غير الملبى والذي يقيده العديد من الاختناقات المختلفة، فلم يتمكن الاقتصاد العراق، ممثلا بالقطاع العام والقطاع الخاص، من إنتاج مساكن جديدة وبكميات كافية لتلبية احتياجات السكن المتزايدة. فاشارت التقديرات إلى أن الحاجة وصلت إلى حوالي 2 مليون مسكن في المناطق الحضرية في العراق بحلول عام 2016، بمعنى اخر سيكون من الضروري انتاج 200 الف وحدة سكنية في السنة للسنوات العشر القادمة و هذا يعني حوالي وحدة سكنية كل 50 ثانية من يوم العمل. وهذا تحدي كبير للاقتصاد العراقي.
2. نقص حاد في الأراضي القابلة للبناء في المناطق الحضرية. فلا يوجد نظام إدارة للأراضي يقوم بتحويلها بشكل منهجي إلى الاستخدام السكني أو يوفر قطع الأراضي الصالحة للبناء الى مختلف شركات البناء والمطورين المحتملين.
3. شبه غياب للتمويل الإسكاني الحكومي، فهناك اليوم شحة في رأس المال الذي يمكن الحصول عليه بسهولة، كقروض لتحسين وتطوير المساكن أو كتمويل على شكل رهن عقاري طويل الأجل.
4. غياب نظام قانوني مكتمل ينظم استثمار القطاع الخاص في مجال الإسكان. فلا يمكن ان ينمو اي إقراض عقاري فعال ومنخفض التكلفة إلا عندما يمكن تحويل قيمة الأصول محل العقد إلى نقد.
5. تراكم البنية التحتية غير المنجزة في العديد من المناطق السكنية والمستويات الهابطة لخدمات البنية التحتية بسبب انعدام الصيانة اللازمة.
6. ازدياد عدد الأسر ذات الدخل المتدني والتي لا تستطيع تحمل تكاليف السكن اللائق، وانعدام البرامج الفعالة لتمكين هؤلاء الأفراد وأسرهم وجعلهم مستهلكين محتملين للسكن في منظومة السوق.
7. وضع متدهور لحالة المساكن المتوفرة نتيجة ضعف الاستثمار في صيانتها، ونتيجة لذلك، يستمر اضمحلال المخزون المتوفر من المساكن.
8. لايمتلك قطاع الإنشاءات الراسمال الكافي ويتسم بسيطرة شركات قطاع عام ذات انتاجية منخفضة. كذلك قلة عدد المستثمرين والمطورين العقاريين الذين يخدمون حاجات ذوي الدخل المنخفض والمتوسط والمناطق ذات الكثافة السكانية الواطئة.
9. عدم وجود إجراءات متبعة لتحسين أو إعادة تطوير المستوطنات العشوائية.
لذلك لابد من ايجاد منظومة حيوية ومرنة وفعالة تتمكن من إنتاج مساكن لائقة توفر الاسس للنمو المستمر للاقتصاد العراقي. ان بناء المساكن هو جزء اساسي من مخزون رأسمال البلاد، كما ويجب ان يرافق تجهيز المساكن تطوير البنية التحتية والصناعة والمرافق المجتمعية الاخرى مثل المدارس والمستشفيات.
والجدير بالذكر ان بناء المساكن هو نشاط اقتصادي عالي الإنتاجية، ويتمكن هذا النشاط اذا تم دفعه وتحريكه من امتصاص البطالة وتوفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويزيد من الدخل الوطني وفرص التوظيف بمستوى القطاعات "الإنتاجية" التقليدية الأخرى، مثل الزراعة والصناعة والخدمات. والإسكان مفيد للمجتمع ويستجيب لسد الحاجات الأساسية للمواطن العراقي. وتعتمد رفاهية الأفراد والأسر والمجموعات السكانية في العراق على النمو المطرد وتحسين المتوفر من المساكن.
ان تحديد واعتماد سياسة إسكانية من قبل الدولة، سيساعد في وضع الاطر و المعايير العامة لتطوير قطاع الإسكان في العراق. وسيعطي اتجاهات سد الحاجة وكيفية تسريع إنتاج المساكن لتلبية الطلب وتمكين النمو الاقتصادي، كما وستحدد السياسة الاسكانية الدور الأساسي الذي يجب أن يلعبه الإسكان في الدعم المستدام للسكان المنتجين والمتنقلين، وستراعي أهمية قطاع الإسكان في الاستجابة لاحتياجات جميع العراقيين، بما يتماشى مع التركيبة السكانية المتغيرة في البلاد. وعلى هذه السياسة ان تعتبر أهمية الاستثمار الحكومي العام لنمو القطاع ككل أضافة لتوفير السكن للفئات الضعيفة وذات الدخل المنخفض.
أن المقصود بالسياسة الإسكانية هي جميع التدابير والسبل التي تتخذها المؤسسات والهيئات الحكومية المعنية بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف الى التأثير على توفير السكن للمواطنين. وهي تشمل:
1- سياسة بناء المساكن و
2- سياسة ادارة مخزون المساكن.
ففي الوقت الذي تكون فيه مهمة سياسة بناء المساكن هي تأمين عملية بناء مساكن تتوافق مع أهداف السياسة الاسكانية من حيث الحجم والكمية والبنية والنوعية والكلفة، تكون مهمة سياسة ادارة مخزون المساكن هي ضمان استخدام وتوزيع وادامة وإدارة المخزون السكني الموجود حسب أهداف السياسة الاسكانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- خالد الخالدي، حق الانسان بالسكن اللائق - قانون دولي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=616246&r=0
- جمهورية العراق وزارة التخطيط، خطة التنمية الوطنية 2018-2022 ، حزيران 2018
- مثنى ابراهيم حيدر، دراسة تملح مياه شط العرب الواقع والمعالجات الممكنة، أعداد قسم مراقبة المياه والتربة، شعبة المصادر المائية .