على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تعيشها البشرية، والأزمة الاجتماعية والصحية الحادة الناجمة عن انتشار وباء كورونا، تستمرالعقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية المنافية للقانون الدولي وحقوق الانسان الاساسية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية  ضد كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وإيران. وفي اطار مواجهة هذا الصلف الإمبريالي  وبلدان أخرى. اطلق منتدى ساو باولو لقوى اليسار في امريكا اللاتينية في السادس من نيسان الجاري حملة بعنوان "لا للحصار نعم لتضامن الشعوب" تهدف لانهاء هذه العقوبات الجائرة بكل اشكالها، وتستمر الحملة حتى  نهاية الشهر الحالي.

وتشمل الحملة تقديم مذكرة إلى السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريسالى جانب ونشر المعلومات والتعريف بالعواقب الخطيرة للعقوبات على خلفية الوباء، للتتضح للراي العام العالمي الطبيعة اللاانسانية لسياسات الحصار التي تستخدمخا البلدان المهيمنة ضد الشعوب والبلدان المستقلة. ودعا منظموا الحملة الى نشر المعلومات المتعلقة بها على  شبكات التواصل الاجتماعية ، وتوظيف الصلات بواسائل الاعلام على اختلاف تنوعها للتعريف بها.

 حصار وعقوبات في زمن الكورونا

 بينما تلعب كوبا دورا رياديا في مساعدة شعوب العديد من البلدان في مكافحة الوباء، منعت الولايات المتحدة  وصول المساعدات الطبية الصينية الى كوبا ، وقال السفير الكوبي في بكين كارلوس ميغيل بيريرا إن شركة النقل الأمريكية الشمالية انسحبت من تنفيذ العقد "في اللحظة الأخيرة"، بعد تلقيها تهديدات بفرض غرامات مالية  كبيرة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الشاكلة ذاتها  رفض صندوق النقد الدولي  منح فنزويلا قرضا طارئا قيمته 5 مليارات دولار لتعزيز قدراتها  على مكافحة الوباء. وفي الوقت الذي تواجه فيه فنزويلا الوباء، تضاعف  الحكومة الأمريكية ضغطها العسكري، وتنفذ واحدة من أكبر العمليات العسكرية، منذ 30 عاما، في المنطقة وترسل السفن الحربية قبالة سواحل فنزويلا

وتعد ايران من البلدان التي ضربها لوباء بقوة . وياتي  حظر الولايات المتحدة الأمريكية على استيراد المعدات الطبية ليعمق من تاثيراته السلبية. وووفق دراسة أجرتها منظمة "هيومان رايتس ووتش" الامريكية لحقوق الإنسان إن "الواردات الإنسانية مستثناة من عقوبات الحكومة الأمريكية ، لكن هذا الإستثناء غير مؤثر في الواقع"، لان الشركات والبنوك الأمريكية والأوروبية تخشى العقوبات والإجراءات القانونيةعمليا،  في حال تصدير وتمويل السلع الإنسانية غير المشمولة بالعقوبات ، وتقول وثيقة المنظمة : "نتيجة لذلك ، يفقد السكان الإيرانيون إمكانية الحصول على الأدوية الأساسية وتتعرض صحتهم للخطر". وبالتالي يمكن اعتبارالحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة ، وخاصة على المنتجات الصحية ، جريمة بحق شعب ايران. ويمتنع صندوق النقد الدولي الواقع تحت الهيمنة الأمريكية منح ايران قرضا بقيمة 5 مليار دولار، طلبته في منتصف اذار الفائت لمواجهة الأزمة.

 بيان الحملة

ومما جاء في بيان اعلان الحملة:  إن الحصار المالي والاقتصادي والتجاري الدولي ، المفروض من جانب واحد على دول مثل كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وغيرها ، له عواقب إنسانية خطيرة. والعقوبات مستمرة الآن على الرغم من الأزمة الاجتماعية والصحية الخطيرة الناجمة عن الوباء.

ويستمر البيان:

إن انتشار الوباء لا يغير "سياسة الضغط الأقصى" التي تطبقها الولايات المتحدة ضد البلدان المعنية. هذا ماقاله، في وقت سابق من هذا الشهر، برايان هوك المبعوث الخاص الامريكي لإيران.

وعلى الرغم من أن الأدوية والمواد الطبية مستثناة  نظريًا من العقوبات ، إلا أن الحقيقة هي أن هذه البلدان  لا يمكن لها ببساطة شرائها ، أو نقلها إلى بلدانها ، أو استخدامها في أنظمتها الصحية ، وخاصة العامة منها.

وللعقوبات أيضًا عواقب اقتصادية خطيرة ، بما في ذلك على سلاسل الإنتاج الوطنية التي تؤثر على الحكومات في وضع  يحتاج فيها السكان إلى دعم حكومي للبقاء في الحجر الصحي والحفاظ على حياتهم.

بالنظر لانتشار الوباء، توجهت الصين وروسيا وإيران وسوريا وكوريا الديمقراطية وكوبا ونيكاراغوا وفنزويلا الى الأمانة العامة للأمم المتحدة في 23 اذار لحثها على المشاركة في العمل على  الرفع الكامل للاجراءات  القسرية غير الشرعية.

يمثل التضامن في مثل هذه الأوقات قيمة في غاية الأهمية، وإجابة منقذة للحياة. لقد نشرت روسيا مذكرة في 17 اذار وصفت فيهاالعقوبات الأمريكية بأنها غير قانونية وغير إنسانية. وقدمت الصين الاطباء ومختصي القطاع الصحي إلى البلدان في جميع أنحاء العالم ، ووعدت بمساعدة تلك البلدان في عملية الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء.

و في خضم مثل هذا السيناريو الخطير ، تواصل كوبا إرسال حملات طبية إلى العديد من بلدان  العالم لدعم أنظمة الرعاية الصحية فيها،  والتي توشك على الانهيار. ولهذا فان الحصار المفروض على هذه البلدان في زمن الوباء يمثل جريمة ضد الإنسانية.

وباسم منتدى ساو باولو ، نكرر دعوة السكرتير العام للأمم المتحدة: نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التضامن والأمل والإرادة السياسية للتغلب سوية على هذه الأزمة ، كأمم متحدة موحدة حقًا.

وعلى اساس ما تقدم تقترح السكرتارية التنفيذية لمنتدى ساو باولو التالي:

حملة تواقيع واسعة ستنشرت على موقع Change.org  ويجرى توزيعها على الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني

حملة تعريف في منتديات التواصل الاجتماعي على مدى ثلاثة أسابيع خلال  نيسان الحالي لنشر المعلومات والتعريف  بالعواقب الوخيمة للعقوبات ارتباطا بانتشار الوباء ، واستنادا على المذكرة الموجه إلى السكرتير العام للأمم المتحدة.

ولتحقيق الأتي، أولا كشف الترابط  بين العمل ضد كوبا / فنزويلا والأهداف الجيوسياسية للولايات المتحدة. ثانياً ، ذكر مسببات الحصار السخيفة، للكشف عن لا معقولية الاقدام على محاصرة بلد بأكمله لأي سبب  كان ؛ ثالثًا ، وهو الأهم ، الإشارة إلى الكيفية  التي يؤدي فيها الحصار الاقتصادي الى الابادة الجماعية، عندما  يمنع الوصول إلى الأدوية واجهزة الفحص والمواد الوقائية في زمن انتشار الوباء.

التجربة العراقية

يعد الحصار الذي فرض على العراق بعد مغامرة صدام حسين بغزو الكويت واحتلالها، عامل رئيس في تدمير ما لم تدمره حروب النظام من البنى التحتتية والمرافق الاقتصادية، وكل مقومات الحد الأدنى للحياة في بلد مثل العراق في حينه، ولكن التدمير النفسي والاجتماعي الذي سببه الحصار كان اكثر واعمق خطرا. لقد غابت خلال سنوات الحصار وما بعدها، وفي سياق الصراع من اجل البقاء، الكثير من القيم الانسانية، واصبح التضامن غائبا حتى داخل العائلة الواحدة، وانتشرت الانانية، وتبرير الجريمة والكراهية، وبالتالي تسارعت عملية التفتيت الاجتماعي، وفقدت قيم الوطنية العراقية الكثير من ملامحها، لتفتح الباب على مصراعية لصعود الهويات الفرعية طائفية كانت ام قومية. ولقد تمسلك المتنفذون في السلطة بعد سقوط الدكتاتورية بهذا النمط، وحولوه الى عرف كريه سبب على هشاشة الدولة وفشلها.

ولكن تجربة الحصار الجائر على الشعب العراقي اكدت سياسيا صحة: ان ضحايا الحصارات الامبريالية هي الشعوب اولا، وان النظام السياسي في البلد المعني، اذا كان على نمط نظام صدام حسين، فسيوظف الحصار لمقع أصوات التغيير ويطيل من عمره، لهذا اعطت الحياة الحق للوطنيين والديمقراطيين والشيوعيين العراقيين الذين طالبوا حينها بالرفع الفوري للحصار عن الشعب، على عكس قوى المعارضة العراقية الأخرى التي راهنت على الحصار وقبله الحروب لتسقط النظام، وتبني الدولة الفاشلة المستمرة منذ سبعة عشر عاما. واكدت التجربة ايضا ان معارضة النظام السياسي في بلد معين لا تمنح الشرعية لتاييد الابادة الجماعية  "الناعمة" للشعوب، كما فعل ويفعل قصيري النظر او الطامحين للسلطة، وفي الوقت نفسه ليس صحيحا الدفاع عن اي نظام شمولي ومعادي للديمقراطية، بحجة مناهضة الإمبريالية كما يفعل المتأدلجون على اختلاف هوياتهم الفكرية.  

 

 

عرض مقالات: