حان الوقت لإنقاذ الكويت قبل أن تتحوّل من دولة فاسدة إلى دولة فاشلة ومنهوبة

 لعلنا مثل كثيرين من أبناء شعبنا الكويتي الصابر لم نُصدم بتراجع درجات الكويت ضمن مؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عن العام 2019 من 41 درجة في العام الماضي إلى 40 درجة من مئة درجة في التقرير الأخير وكذلك تراجع ترتيبها من المرتبة 78 إلى المرتبة 85 من بين 180 دولة في العالم، ذلك أنّنا شأننا شأن جميع المواطنين الكويتيين كنا ولا نزال نلمس ونشاهد ونتابع بكل أسى وأسف مدى تفشي الفساد وانتشاره وتغوّل الفاسدين في بلادنا وما يحظون به من حماية ورعاية ونفوذ، وهذا ما كنا ننبه إليه ونحذّر منه، خصوصاً بعد أن تحوّل الفساد في الكويت خلال السنوات الأخيرة إلى نهب منظم لمقدرات البلاد وخيراتها ومواردها المالية تقوم به مافيات متنفذة تتحكم في العديد من مفاصل الدولة، وذلك بالاستفادة المباشرة من النهج السلطوي في التضييق على الحريات، وبالاستناد إلى التخريب المتواصل والمتعمد للعملية الانتخابية؛ وحالة الارتهان شبه الكامل للمؤسسة البرلمانية في الخضوع لمراكز النفوذ؛ وتمييع رقابة المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد وتحويلها إلى واجهات فارغة، بحيث خلت الساحة تماماً أمام المافيات التي تواصل نهبها لخيرات الكويت وتلاعبها بمقدراتها وسطوها على المال العام من دون حسيب أو رقيب.

ولا يمكننا أن ننخدع بالتصريحات الرسمية التي تدعي محاربة الفساد في الوقت الذين كنا ولا نزال نرى فيه العديد من العناصر الفاسدة والمفسدة تتولى مسؤوليات تنفيذية وقيادية في أجهزة الدولة، فيما جرت لفلفة معظم ملفات الفساد التي افتضح أمرها.

ونحن هنا لا نبالغ عندما نستنتج أن الفساد اليوم أصبح جزءاً من بنية المنظومة الاقتصادية والسياسية القائمة في الكويت، بل أنه يجري تكريس الفساد ضمن الثقافة الاجتماعية السائدة، ذلك أن الأساس الموضوعي لهذه الظاهرة الخطيرة يعود إلى الطبيعة الطفيلية لمصالح القوى الطبقية الرأسمالية المتنفذة، التي تعتمد في تكوين ثرواتها وتراكمها على النهب والاستحواذ على مقدرات البلاد والتلاعب بها.

 وترى الحركة التقدمية الكويتية أنّ المعركة ضد الفساد والإفساد إنما هي بالأساس معركة سياسية وطنية كبرى، معركة من أجل إنقاذ الكويت، معركة يجب أن تكون أولى أولويات النضال من أجل التغيير الوطني والديمقراطي والاجتماعي... إذ لا يمكن الحديث عن الإصلاح في ظل تحكّم الفاسدين، ولا يمكن التعويل على مشروع وهمي للتنمية بينما الفساد يعشعش في كل المؤسسات، ولا يمكن الثقة في حكومات تعاقب عليها مسؤولون ووزراء فاسدون، ولا يستطيع أحد أن يثق في برلمانات تلكأت عن عمد في ملاحقة المسؤولين الدفيعة والنواب القبيضة من السابقين والحاليين، ولا معنى للحديث إطلاقاً عن معالجة عجز الميزانية وتآكل الاحتياطي فيما الفساد يستشري ويتنامى... ومن هنا فإن مكافحة الفساد تبدأ أول ما تبدأ بإصلاح سياسي ديمقراطي يطلق الحريات العامة للشعب؛ ويعيد الاعتبار إلى الأمة كمصدر للسلطات؛ ويتيح للمواطنين اختيار نوابهم على أسس سليمة؛ ويخضع الحكومة للمحاسبة الشعبية قبل البرلمانية، وينهي تحكم المافيات ومراكز النفوذ، ويعاود بناء الكويت مثلما يفترض أن تكون كدولة مدنية ديمقراطية حديثة وعادلة اجتماعياً.

لهذا فقد حان الوقت لإنقاذ الكويت قبل فوات الأوان، وعلى القوى الحيّة في المجتمع الكويتي أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية وتوحد جهودها حول التوجهات والمطالب التالية:

 الإسراع في تشكيل حكومة إصلاحية تكون محل ثقة الشعب واطمئنانه في محاربة المافيات وقوى الفساد.

  • البدء في تطهير أجهزة الدولة من العناصر الفاسدة، وكشف قضايا الفساد أمام الرأي العام، وعدم لفلفتها والجدية في ملاحقة الفاسدين وعدم التغطية عليهم ومحاكمتهم علنياُ ومحاسبتهم جزائياً، أياً كانت اسماؤهم ومواقعهم، ومصادرة الأموال المنهوبة وإعادتها إلى خزينة الدولة.
  • تصحيح المسار البرلماني واستعادة الدور الرقابي الجدي لمجلس الأمة عبر الإسراع في إقرار قانون انتخابات ديمقراطي بديل يعالج الاختلالات الخطيرة التي نشأت عن مرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء، ليعقبه إجراء انتخابات نيابية مبكرة نزيهة خالية من التدخلات الحكومية والمال السياسي.
  • إطلاق الحريات الديمقراطية وإلغاء القوانين المقيدة لها، وتحقيق إنفراج سياسي عبر العفو عن المحكومين والمحبوسين والملاحقين في قضايا الرأي والتجمعات.

 

نعم، لقد حان الوقت لإنقاذ الكويت، وذلك قبل أن تتحوّل من دولة فاسدة إلى دولة فاشلة ومنهوبة.

 

الكويت في 23 يناير 2020