شهدت عموم ولايات الهند والكثير من مدنها في 8 كانون الثاني الحالي، أكبر إضراب في تاريخها الحديث، وشارك فيه قرابة 250 مليونا من العمال والموظفين والمزارعين والعمال الريفيين عن العمل، وعاشت شوارع المدن احتجاجات حاشدة ضد سياسات حكومة مودي الاقتصادية المعادية لأوسع فئات الشعب، وسياساتها العنصرية المثيرة للانقسام الديني والقومي.

اضراب شامل ومشاركة واسعة

ووفق تقارير إعلامية فان الاضراب شمل القطاع العام الضخم في البلاد، بكل فروعه الرئيسة: الصلب والفحم والتعدين والإنتاج الدفاعي والموانئ والإرساء والنفط والغاز الطبيعي والاتصالات وتوليد الطاقة، وصناعة السيارات، وصناعة الغزل والنسيج.
وفي القطاع الخاص شارك عمال قطاعات الهندسة والسيارات والمكونات والاتصالات والمعادن والمنسوجات والملابس والكهرباء والعديد من القطاعات الأخرى، بدعم من العمالة غير المستقرة، والفئات الأشد فقرا في البلاد. وتوقف الموظفون في البنوك والنقل والموانئ والمكاتب الحكومية والعمال المخططون والمزارعون والعمال الريفيون عن العمل.
ودعا الى الإضراب العام والاحتجاجات منبر نقابي مشترك ضم 10 نقابات مركزية، وتخلفت نقابة واحدة فقط عن الاشتراك، وتم دعم الاضراب، الذي وصف بغير المسبوق، من قبل عشرات الاتحادات والنقابات المستقلة. ودعم الاضراب كذلك منبر يضم 10 نقابات مركزية رفضت نقابة واحدة فقط المشاركة. ولا يبدو أن إلغاء الاشتراك قد أحدث أي فرق في المشاركة في الإضراب، الذي تم وصفه بأنه "غير مسبوق". تم تقديم الدعم من قبل عشرات الاتحادات والنقابات المستقلة. كما قدمت منصة مشتركة تضم 175 منظمة للمزارعين والعمال الزراعيين.
وأعلن طلاب أكثر من 60 جامعة ومؤسسة تعليمية والكليات التابعة لها إضراباً عن الدراسة، وساروا في مسيرات احتجاج حاشدة. وحظي الاضراب بدعم واسع من قوى اليسار والحركات الاجتماعية.
وكانت مطالب المضربين متعددة مثل زيادة الحد الأدنى للأجور، والحد من ارتفاع الأسعار، واعتماد سياسات جدية لمكافحة البطالة، والغاء التعديلات العدوانية لقانون العمل، وإنهاء عمليات بيع القطاع العام، والدفاع عن عقود العمل الثابت وإلغاء العمالة غير المستقرة.
والى جانب المطالب الاقتصادية والاجتماعية، طالب المضربون والمحتجون بسحب التعديلات على قانون الجنسية، ووضع حد للهجمات على المجموعات السكانية لأسباب دينية وعرقية، والتوقف عن عمليات تدمير الطبيعة العلمانية والديمقراطية لدستور الهند. وإيقاف هجمات المجموعات الطلابية الفاشية المرتبطة بالحزب الحاكم على عدد من الجامعات اليسارية مثل جامعة جواهرلال نهرو، والتي استهدفت المنظمات الطلابية اليسارية، وكذلك الجامعات الإسلامية.

اثار مباشرة

وكان للأضراب تأثير مباشر، حيث خلت الشوارع في عموم البلاد من الشاحنات والحافلات والعربات الآلية وسيارات الأجرة. ونظم عمال السكك الحديدية احتجاجات في أجزاء عديدة من البلاد مثل غرب البنغال وبيهار والبنجاب وغيرها، وتم إيقاف خدمات السكك الحديدية من قبل المتظاهرين. واشتبك المتظاهرون مع الشرطة في عدد من الولايات. وفي المناطق الريفية، أوقف المحتجون حركة المرور في حوالي 480 مقاطعة في البلاد، حيث شاركت حشود من المزارعين والعمال الزراعيين، إلى جانب العمال الريفيين غير الزراعيين في الاحتجاجات.

الاضطراب الاقتصادي يؤجج الغضب

تشير الاحصائيات الى وجود أكثر من 7.3 في المائة من العاطلين عن العمل، معظمهم من الشباب. وبلغ معدل البطالة في كانون الأول الفائت 7.7 في المائة، وبلغ في المناطق الحضرية 8.9 في المائة، وهي نسبة هائلة.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار القمح بنسبة 56 في المائة وأسعار دقيق القمح بنسبة 26 في المائة وأسعار الأرز بنسبة 14 في المائة في العام الفائت، حتى عندما كانت حكومة مودي تحتفظ بمخزونات قياسية من الحبوب الغذائية، حوالي 567 طنا في كانون الأول 2018، وقد انخفضت بمقدار 25 في العام الفائت.
وهناك سخط وغضب على نطاق واسع في الطريقة التي تتبعها حكومة مودي في تقديم المغريات للشركات الكبرى والشركات العالمية، حتى أنها تتجاهل أصوات العاملين في البلاد. ولم يقتصر الأمر على خفض الضرائب على الشركات ومنح تنازلات ضخمة لكبار الصناعيين، فقد فتحت الحكومة أيضًا العديد من القطاعات لرؤوس الأموال الخاصة وحتى الأجنبية، مثل الفحم وإنتاج الدفاع والسكك الحديدية. وفي المناطق الريفية، ظلت أجور العمال الزراعيين راكدة فعليًا على مدار العامين الماضيين على الرغم من الحصاد الوفير. لقد احتج المزارعون مرارًا وتكرارًا وطلبوا بزيادة في أسعار الدعم وتعزيز نظام الشراء من أجل إنقاذهم من الفقر. وتحمل أكثر من نصف المزارعين في البلاد لديون باهظة، أدت حالات انتحار مجنونة، في حين تواصل الحكومة اهمال المطالبات المتكررة بإلغاء هذه الديون.

نضال متواصل

ويعد هذا الإضراب العام، الرابع خلال عهد حكومة اليمين المتطرف الهندوسي، وحدت الإضرابات الثلاثة السابقة في أيلول2015، وأيلول الذي تبعه، والثالث هو الإضراب الذي استمر يومين في الفترة من 8 إلى 9 كانون الثاني 2019. الإضافة الى سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات القطاعية.

عرض مقالات: