لم يشهد العالم، منذ أوائل التسعينات، اندلاعا متزامنا ومتسعا لحركات احتجاج مماثلة كالتي نشهدها اليوم في العراق، لبنان، السودان، الجزائر، ايران، شيلي، كولومبيا، الارجنتين، البرازيل، الاكوادور، بوليفيا، فرنسا، اسبانيا، إيطاليا، والقائمة تطول. وقد أدت الاحتجاجات الى استقالة رئيس مجلس الوزراء في العراق، ونظيره اللبناني سعد الحريري. واطاح المنتفضون بالبشير ونظامه الإخواني في السودان، وبالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وفي تشيلي اضطر رئيس البلاد اليميني المتطرف الى أجراء تعديل وزاري. واجبرت الاحتجاجات محافظ بورتريكو على الاستقالة من منصبه. وفي الارجنتين أدت حركة الاحتجاج الى عودة اليسار الى السلطة، بعد ان أعاد اليمين المحافظ البلاد الى مربع الإفلاس، وفي البرازيل نجحت الحركة الاحتجاجية ضد رئيس الجمهورية الفاشي، في الافراج عن الرئيس اليساري الأسبق سلفيا دي لولا، الذي برأه القضاء ورفاقه من تهمة رئيسة موجهة اليه. وفي بوليفيا وفنزويلا استطاعت الحركات الاجتماعية والاحتجاجية في الحد من همجية اليمين والنازيين الجدد.

الأسباب

على الرغم من التنوع الثقافي والتاريخي لبلدان الاحتجاجات والانتفاضات، الا ان أسباب اندلاعها ترتبط بنظام الليبرالية الجديدة السائد في المراكز الرأسمالية، والذي يمتد ويحدد مسارات الصراع في بلدان الأطراف ومنها العراق. ومن جانب آخر يمكن تقسيم الاحتجاجات وفق وضع البلد المعين بين تلك التي تسعى الى تأسيس نظام سياسي بديل قائم على المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان، ومحاربة منظومة الفساد وحيتانه، كما هو الحال في العراق ولبنان، وأخرى استطاعت الإفلات من كماشة الدكتاتورية المقيتة في بلدان كالسودان والجزائر. وفي بلدان أمريكا اللاتينية تركز الاحتجاجات على مواجهة الفساد واليمين المتطرف، او الدفاع عن أنظمة المكتسبات الاجتماعية والهوية الوطنية التقدمية، وبلغة أخرى صراع اليسار ضد واليمين المدعوم من المراكز الرأسمالية، كما هو الحال في البرازيل وفنزويلا وبوليفيا. او صراع الحركات الاجتماعية لمواجهة أزمات تهدد حاضر ومستقبل العالم مثل حركة "جمعة من اجل المستقبل"، التي تدعو الى مواجهة اخطار التحولات المناخية المحدقة، والتي يمثل التلاميذ والطلبة عمادها وتتمتع بدعم واسع من قوى اليسار وحماة البيئة. وهناك حركة "السترات الصفر" المضادة لليبرالية الجديدة، وحركة الاضراب العمالي المستمر في فرنسا. وفي هونكونغ تأتي الاحتجاجات على خلفية السياسات الاستعمارية القديمة التي جزأت الصين، وتحاول اليوم منع اندماج هونكونغ بالصين الشعبية. وفي اندونيسيا فجرت محاولات تمرير قانون تطبيق الشريعة والتضيق على الحريات الشخصية، وانعكاسها السلبي على اقتصاد البلاد المعتمد على القطاع السياحي والتنوع الثقافي. وأخيرا تشهد الباكستان حركة احتجاجية ضد الازمة الاقتصادية الخانقة وتدخل الجيش في تزوير الانتخابات.

منظمة العفو الدولية والحركات الاحتجاجية

لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان شدد السكرتير العام لمنظمة العفو الدولية في المانيا ماركوس بيكو على أهمية التضامن العالمي والتطبيق الفعال للقانون الدولي وحماية حقوق الإنسان: "في الأشهر القليلة الماضية، رأينا مشاهد مثيرة للإعجاب لكيفية دفاع السكان عن حقوقهم الإنسانية من خلال الاحتجاجات السلمية ضد هجمات الحكومات والشركات". وبينما مارس الناس حقهم في حرية التجمع، أظهرت الحكومات أيضًا مدى خطورة الاحتجاج السلمي على امتيازاتها. "لقد واجهت قوات الأمن المتظاهرين السلميين في مصر وهونغ كونغ وإيران والعراق وحتى فنزويلا بالقوة، مجسدة ازدراء مخيفا ومميتا للناس في بعض الأحيان."
ولنفس المناسبة اشارت رئيسة المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة ميشيل باشيليت الى ان احتجاجات 2019، أجبرت الحكومات على حرف اهتمامها عن "أكبر خطر يهدد حقوق الانسان منذ الحرب العالمية الثانية". وعلى خلفية أزمة المناخ، اثنت باشليت على مساعي ملايين الأطفال والشبيبة في جميع انحاء العالم. إذ قالت، لا ينبغي للبالغين أن يتركوهم وحدهم في معركتهم من أجل حماية أكبر للمناخ، بل يجب عليهم التحرك والوقوف إلى جانبهم. واضافت باشيليت إن عواقب الاحتباس الحراري تهدد الحق الأساسي في الحياة والحقوق القانونية في الصحة والغذاء والمياه وعدم التمييز والتنمية وتقرير المصير.

عرض مقالات: