لا يستطيع أحد أن يتجاهل الدلالات المهمة للتجمع الشعبي العفوي الواسع والناجح في ساحة الإرادة مساء يوم الأربعاء ٦ نوفمبر، الذي مثّل تعبيراً شعبياً صادقاً عن اتساع التذمر من تردي الأوضاع العامة، خصوصاً المعيشية، والشكوى من تزايد معدلات الفساد الاستفزازي، والاستياء من التضييق على الحريات، والاحتجاج على تجاهل حل مشكلات المقترضين والكويتيين البدون وتدني الخدمات العامة، والمطالبة بالعفو عن المحكومين في قضايا الرأي والتجمعات وعودة المقيمين منهم في المهجر وبلدان اللجوء السياسي، وضرورة رحيل الحكومة الحالية الفاشلة ومجلس الأمة المرتهن وتغيير النهج المتبع في إدارة شؤون البلاد، وللتأكيد على إصرار الشعب الكويتي على تحقيق الإصلاح السياسي الذي يشكّل المدخل لكل خطوات الإصلاح المستحقة والأساس في تلبية المطالب الشعبية وحل المشكلات التي تعاني منها الغالبية الساحقة من المواطنين.
ويكشف لنا الواقع القائم والتجارب التاريخية السابقة في ديوانيات الاثنين في العامين ١٩٨٩ و١٩٩٠، وفي التعامل مع تجمعات "نبيها خمس" في ٢٠٠٦، وفي التعامل مع الاحتجاجات الشعبية على قضايا فساد الشيكات والايداعات المليونية بين ٢٠١٠ و٢٠١١، وغيرها... أنّ المسؤولين في مواقع القرار لا يدركون ضرورة الاستجابة المباشرة للمطالب والتحركات الشعبية، بل أنهم في العادة يحاولون تجاهلها، ويدفعون بالتالي الوضع نحو مزيد من الاحتقان والتوتر والتأزيم ، إلى أن يدركوا في وقت متأخر أنهم يسيرون، بل أنهم يقودون البلاد نحو طريق مسدود... وهذا ما نأمل أن يتم الاتعاظ منه وتجنب تكراره عبر تلبية المطالب الشعبية ومعالجة المشكلات المتفاقمة.

وترى الحركة التقدمية الكويتية أنه لابد من توفّر الأسس المطلوبة على المستويين الحكومي التنفيذي والنيابي تشريعاً ورقابة للبدء بشكل جاد في مكافحة الفساد وتطهير أجهزة الدولة من الفاسدين، ولحل مشكلات المقترضين؛ والكويتيين البدون؛ وتردي الخدمات؛ والسكن، ولفتح الطريق أمام تحسين مستوى المعيشة والخدمات العامة، وللتوافق على طيّ صفحة الأزمة السياسية، لتنطلق الكويت بعدها نحو مشروع تنموي وطني جدي وعادل اجتماعياً، وذلك عبر الخطوتين المستحقتين التاليتين:
١- استقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة ذات نهج إصلاحي.
٢- إقرار قانون انتخابات ديمقراطي بديل يعالج الاختلالات الخطيرة التي نشأت عن مرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء، ليعقبه إجراء انتخابات نيابية مبكرة نزيهة خالية من التدخلات الحكومية والمال السياسي.
وإلى أن تتحقق مثل هذه الاستجابة، التي قد يطول انتظارها بكل أسف، فلابد من مواصلة التحرك الشعبي الضاغط وتنظيم صفوفه بدلاً من تشتته، والتوحد حول مطالب محددة وملموسة وأساسية تكون المدخل لتلبية بقية المطالب الشعبية بعيداً عن الخلافات الجانبية والاندفاعات الفوضوية وردود الأفعال غير المدروسة وتمجيد الأشخاص والانجرار وراء أجندات الأطراف السلطوية ... فهذه هي دروس الحراكات الشعبية السابقة، التي يفترض أن نتجنب اخطاءها وسلبياتها وجوانب قصورها ونستفيد من خبراتها الايجابية، لضمان نجاح هذا التحرك الشعبي... فالشعب الكويتي يستحق الأفضل.

الكويت في ٨ نوفمبر ٢٠١٩