استطاع تحالف اليمين المحافظ واليمين الليبرالي الياباني الحفاظ على تصدره الانتخابات العامة التي جرت في 21 تموز الحالي والاستمرار في حكم اليابان. لكن تحالف يسار الوسط المعارض الذي يشارك فيه الحزب الشيوعي الياباني، حقق خطوة باتجاه السلام، عندما نجح في منع التحالف الحكومي من الحصول على نسبة الثلثين التي يحتاجها لتغيير الدستور، وبالتالي عسكرة السياسة الخارجية للبلاد. ورغم فوز اليمين، الا ان حلم الرأسمال الكبير في اليابان بالإسهام في حروب التدخل العدواني ظل مؤجلا.
عندما اصبح شينزو آبي رئيسا لوزراء اليابان للمرة الأولى في عام 2006، كان يحمل في حقيبته أجندة يمينية قومية. لقد أراد تحجيم نظام ما بعد الحرب الليبرالي. واعلن مساعية الى العودة باليابان الى دوره السابق في السياسة الدولية، لكنه فشل بعد عام واحد فقط. وبدا واضحا له ان تحقيق ذلك بضربة واحدة غير ممكن، لذلك لجأ الى سياسة تحقيق الأهداف الجزئية. وبعد تجديد الثقة به في عام 2012، أعلن أن الأولوية في سياسته ستكون لبرنامج الحكومة الاقتصادي.
لكن القوميين، ذوي التأثير العميق في الحزب الديمقراطي الليبرالي بزعامة آبي، يطالبون بنتائج ملموسة، تشكل المراجعة الكاملة لدستور ما بعد الحرب، الذي يثير الحقد، والذي لم يتعرض للتعديل منذ كتابته في عام 1947. وربما سيكتفون مؤقتا بخطوة اولى تنحصر في ازالة ما يتعارض مع سعيهم الى العسكرة والسماح بتدخل الجيش الياباني، باشكال مختلفة، في الصراعات العسكرية الخارجية الى جانب بلدان الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي يستعيديون كرامة "الامبراطورية المجيدة" التي انتهكتها هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية. دون ان يتراجعوا عن سعيهم الى تحجيم حقوق الإنسان، التي يعتبرونها تتعارض مع تقاليد اليابان، وتفسد العلاقة الحميمة بين الإمبراطور والناس وتشوه "الشخصية الحقيقية" لليابانيين.
وينص الدستور الياباني، الذي اقر في 3 ايار 1947 ، في اعقاب مأساة القصف الوحشي الامريكي بالقنابل النووية لمدينتي هيروشيما و ناغازاكي ، في مادته التاسعة، على تخلي الشعب الياباني " وفي جميع الاوقات عن الحرب كحق سيادي للامة، وعن التهديد واستخدام القوة كوسيلة لحل النزاعات الدولية". وتتضمن المادة أيضا "من اجل تحقيق الهدف الوارد في الفقرة السابقة، سوف لا يتم تمويل أية قوات مسلحة في البر والبحر والجو. ولا يعترف بحق الدولة في شن الحروب".
إن هذا الدستور ما زال نافدا، على الرغم من تجاهل مضمونه السلمي بشكل تدريجي في اجواء الحرب الباردة في خمسينيات القرن الفائت، عندما تم في عام 1954 تحت تأثير الولايات المتحدة وتدخلها المباشر تأسيس «قوات الدفاع الذاتي» اليابانية . وعبر «اتفاقية الأمن» مع الولايات المتحدة تم جر اليابان الى اطار الخطط العسكرية الامريكية في الشرق الاقصى. وتحتفظ الولايات المتحدة الى يومنا هذا بقواعد عسكرية كبيرة في الجزر اليابانية، على الرغم من الانهاء الرسمي للاحتلال الامريكي لليابان منذ عقود. ولكن نشاط الجيش الياباني ظل محصورا من الناحية الرسمية في الدفاع عن البلاد في حال وقوع اعتداء خارجي عليها.
وطيلة عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تتجرأ الأوساط الحاكمة على الغاء مواد الدستور التي تؤكد سلمية النظام السياسي الياباني، او تعديله. ويعود الفضل في ذلك الى حركة الإحتجاجات الواسعة التي تصدت الى جميع المحاولات السابقة، والتي جسدت توق مواطني اليابان الى العيش بسلام والمحافظة على الدستور باعتباره الضامن لذلك.
دور محوري لحركة السلام
ادت محاولات الحكومة، ومذهبها العسكري الجديد، وقوانين "الدفاع الجماعي عن النفس" التي شرعتها عام 2015، والتي تنتهك جوهر الدستور الياباني، وتتيح مشاركة اليابان في حروب التدخل خارج حدودها، الى صدمة في المجتمع الياباني، وانتعاش حركة السلام اليابانية مجددا. لكن الهوة بين احزاب المعارضة كانت لا تزال عميقة، وهو امر قاتل، ارتباطا بطبيعة النظام الانتخابي النافذ في البلاد. لقد نجحت الحركة الاحتجاجية في ردم الصدع بين الشيوعيين والديمقراطيين الاجتماعيين، الذين ظلو لعقود متقاطعين. وكان نجاح الحركة في تنشيط التنسيق بين قوى اليسار والوسط في انتخابات مجلس الشيوخ عام 2016، ومن هنا كانت البداية. وتسعى حركة السلام الى تعزيز تحالف يسار الوسط، الذي حقق نجاحا لافتا في الانتخابات الاخيرة، وصولا الى اسقاط حكومة اليمين في الانتخابات البرلمانية المبكرة المتوقعة، والتي يعتقدون ان رئيس الوزراء سيضطر الى العمل بها ، اذا ما استمر فشله في تنفيذ اهدافه الرئيسة.