متابعة طريق الشعب
يمكن القول ان الحظر الذي يفرضه نائب رئيس الوزراء الايطالي ووزير الداخلية، وزعيم حزب "الرابطة" اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، على استقبال اللاجئين، وسعيه عمليا الى اغراقهم في عرض البحر، تعرض للخرق، فقد استقبلت موانئ ايطالية ما مجموعه 72 لاجئا في الايام الأخيرة. الحدث ادى الى اثارة نزاعٍ داخل الائتلاف الحاكم بين حزب "الرابطة" الفاشي وحركة 5 نجوم اليميني الشعبوي.
وزير الدفاع إليزابيتا ترينتا، من حركة 5 نجوم، ادعت أنها اقترحت على وزير الداخلية سالفيني نقل المهاجرين "غير الشرعيين" من ميناء لامبيدوسا إلى مالطا، وهو ما رفضه. وقالت وزيرة الدفاع إن مقترحها كان سيمنع "ما حدث في الأيام القليلة الماضية".
ورد سالفيني أنه ليس من مهمات القوات البحرية نقل المهاجرين "غير الشرعيين"، بل عليها تشديد منع الدخول غير المصرح به الى الموانئ الايطالية. وفي تصريحات صحفية هاجم وزير الدفاع متهما اياها بتحويل قوات البحرية الايطالية الى "تكسي بحري".
المنظمات غير الحكومية لنقل المهاجرين، وبلغة واضحة، طالبت وزير الداخلية بأن يلتزم القانون الدولي وتقديم العون للأشخاص الذين يواجهون المحنة، في حين لا تريد وزير الدفاع الذهاب معه بعيدا. وأكثر من هذا قدم وزير الداخلية مشروع قرار للسلطة التشريعية يقضي بفرض غرامة قدرها 150 مليون يورو على السفن التي تدخل الموانئ الايطالية، دون الالتزام بقرارته، وبالمقابل قدم محامو آخر سفينة دخلت الموانئ الايطالية، متجاوزة قرارات الوزير الفاشي، لإنقاذ حياة ركابها المعرضين لموت حقيقي، نقضا امام المدعي العام الايطالي.
وفي اجتماع "لجنة النظام العام والسلامة" الاسبوع الفائت، أكد وزير الداخلية تعزيز "مكافحة التهريب" وعدم السماح لمزيد من "الهجرة غير الشرعية". ودعا الى نظام اوربي متكامل يغلق حدود اوربا امام اللاجئين. وفي الوقت نفسه، هدد سالفيني مرة أخرى بإنهاء التحالف الحاكم، إذا لم توافق الكتلة البرلمانية لحركة 5 نجوم على مشروعه الرامي الى اغلاق الموانئ الايطالية بالكامل امام اللاجئين. وقيل إنه التقى رئيس حزب "إخوان إيطاليا" الفاشي، جورجيا ميلوني، وناقش معه فكرة تشكيل "تحالف انتخابي بين الطرفين يمكن أن يحقق اغلبية برلمانية"، ما يعني تشكيل حكومة فاشية خالصة.

محاولة الافلات من الفضيحة

منذ أشهر عدة تحقق النيابة العامة في ميلانو بملف تمويل غير شرعي لمصادر تمويل خارجية لحزب "الرابطة" وزعيمه سالفيني. وخلال سير التحقيقات غير الاخير استراتيجيته الدفاعية عدة مرات خلال أيام قليلة. وقد ادعى في البداية أنه لا يعرف جيانلوكا سافويني، الذي تفاوض مع مبعوثين من الحكومة الروسية ومبعوثي شركات النفط في تشرين الاول 2018، في فندق متروبول في موسكو. ومعروف ان العلاقة بين الرجلين تمتد الى اكثر من 20 عامًا، وكان سافويني المتحدث الرسمي باسمه لفترة من الزمن، لذا كانت الكذبة مفضوحة. وعاد بعدها ليقول، إنه لم ير سافويني منذ فترة طويلة، ولكن صورة مشتركة لهما، خلال لقاء في اطار زيارة الرئيس الروسي الى ايطاليا في تموز 2018 فندت ادعائه الجديد، ما اضطره للقول، انه لم يدع صديقه القديم الى حضور اللقاء، وكرر بغطرسته وعدوانية المعتادة، إنه لم يحصل على روبل واحد من موسكو، وان الأمر برمته مثير للسخرية.
وكانت تقارير صحفية في شباط الفائت قد تحدثت عن لقاءات سرية في موسكو، وصفقات غير نظيفة لصالح حزب "الرابطة". ولكن تأثير هذه التقارير ظل محدودا، وتم وضعها تحت الطاولة. وعادت الفضيحة ثانية الى الواجهة، عندما نشرت وسائل إعلام أمريكية مقطع تسجيل بشأن التفاوض على صفقة نفطية مع شركة آني الإيطالية، ومبلغ اضافي تصل قيمته الى قرابة 65 مليون دولار لصالح حزب "الرابطة"، ولم تكشف التحقيقات حتى الآن حقيقة ما جرى. والفضيحة اليوم مثار اهتمام اوساطا واسعة، على الرغم من استمرار المؤسسات الاعلامية القريبة من "الرابطة"، ومحطات التلفزيون الايطالي العامة، في اتباع الاسلوب الموروث من سنوات حكم رئيس الوزراء الاسبق بارلسكوني، في عدم تناول تفاصيل الفضائح، وانما الدوران في دائرة ردود الافعال المتبادلة بشأنها، وعلى من يريد الوصول الى التفاصيل بذل جهود مضنية.
المعارضة البرلمانية، وخصوصا الحزب الديمقراطي، بدأ الحديث عن لسان ورئيس الوزراء الاسبق رينزي، عن "خيانة عظمى"، وطالب وزير الداخلية وفريقه بتقديم اجابات واضحة. ودعا سكرتير الحزب الحالي نيكولا زينغاريتي إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية. فيما اختارت حركة 5 نجوم الحاكمة موقفا وسطيا يدعو الى التحقيق في كل فضائح الفساد، لتضغط على حليفها بحدود، ولتجر الحزب الديمقراطي المعارض الى دائرة الاتهام.