1 - تعددية التنوع ضد الثقافة المهيمنة

يطرح الدين تحدي الاختلاف والنقاش، ويجري تناول الصراعات من مواقع التضاد. وتثار اسئله مثل: كيف نتعامل مع الأعياد الدينية وهل يجب أن تكون هناك أعياد عقائدية أكثر؟ هل ينبغي تعليق الصليب (الرموز الدينية - المترجم) في مؤسسات الدولة؟ هل يسمح للمعلمات ارتداء الحجاب في المدارس؟ كيف نتعامل مع ختان الفتيان والرجال بدوافع دينية ؟ ما هي الحقوق التي يتضمنها قانون العمل الخاص بالكنائس وتشمل من؟ كيف ينبغي تمويل الجماعات الدينية والعقائدية؟ وعلى هذه الشاكلة، يمكن طرح المزيد من الاسئلة . ويظهر الاهتمام بهذه الأسئلة أن ألمانيا أصبحت بعد اعادة توحيدها أكثر علمانية وأكثر تعددية دينية.
كيف ينبغي للمرء أن يتعامل بشكل كاف مع هذا التنوع في العقائد والأديان، التي لها تاريخ مختلف في شرق ألمانيا وغربها؟ ما هو الدور الذي تلعبه الجماعات الدينية والفلسفية، ارتباطا بمواجهة الصراعات التي تزداد حدة للحفاظ على الديمقراطية والحقوق الاجتماعية وسيادة القانون؟ كيف ينبغي ان يكون تأثيرها في داخل هذه الجماعات، وابعد من ذلك داخل المجتمع؟ ما هي العواقب المترتبةعلى العلاقة بين مؤسسات الدولة والدولة ككل والجماعات الدينية والعقائدية؟
بالنسبة لليمين ، فإن الإجابة على هذه الأسئلة هي المطالبة بالثقافة المهيمنة أو الدفاع عما يسميه "الغرب" (الثقافة الغربية المترجم). وزير العدل الالماني توماس ديميزير يجيب بـ "نحن لسنا البرقع"- ويعني بذلك لاننا "البابا"، كما جاء في العنوان الرئيس لجريدة "بلدتسايتونغ" (الصحيفة الاكثر مبيعا والارخص سعرا في المانيا، وهي جريدة يمينية فضائحية - المترجم). حركة بغديدا، حزب "البديل من اجل المانيا" حركات واحزاب اليمين المتطرف - المترجم)، وحتى الحزب الاجتماعي المسيحي (الجناح الاكثر يمينية في اليمين التقليدي - المترجم)، يصرخون "الاسلام لا ينتمي الى المانيا"- ويعنون بذلك، لاننا "غربيون". إنهم لا يسألون كيف يمكننا التعامل مع التعددية وتطوير المجتمع ، يل يمارسون باجاباتهم التمييز. وبهذا لا ينصفون واقع تعدد الاديان والعقائد الحقيقي في ألمانيا ، ولا القانون النافذ. يجب ان تتشكل هذه التعددية الجديدة ديمقراطيا وتضامنيا. ان التسامح يعني أكثر من مجرد جيرة، ويجب ان يؤدي الى الاعتراف بالآخر.

2 – الدين قضية شخصية

الموضوعة الاكثر انتشارا في اوساط اليسار المجتمعي هي: "الدين قضية شخصية". وهذا صحيح، بمعنى ان من حق كل شخص ان يختارالدين والمعتقد الذي يريد، وكذلك الشكل الذي يشهره فيه. ان موضوعة "الدين قضية شخصية" كانت منذ اقرار برنامج الحزب الديمقراطي الاجتماعي في مدينة غوته في العام 1875 ، مطلبا مركزيا بالنسبة لقوى اليسار المجتمعي، ولكنه شهد لاحقا تغييرا مهما في معناه، وكان على الصيغة الجديدة ان تسوي خلافا حزبيا داخليا: الدين قضية داخلية ولا علاقة لها بالحزب او الدولة. ولاحقا ولأسباب متعلقة بحق الدفاع عن حرية المعتقد، اعتبرت هذه الموضوعة،مبدءا لاخراج الدين من الحياة العامة. واستنادا الى منطلقات الأحادية، جرى في الحقبة الستالينية تدميرنهج الحرية الدينية والتسامح. وبالضد من ذلك، فان حزب اليسار الالماني، ليس حزبا دينيا او معاديا للدين، كما جاء في البرنامج الذي اقر في مؤتمر ايرفورت في عام 2011 ، وجاء في البرنامج: "وفي مواجهة مسؤوليتنا التاريخية، استخلصنا دوروسا من الظلم الذي لحق بالمؤمنين في جمهورية المانيا الديمقراطية". نحن امتداد لما توصلت اليه روزا لوكسمبورغ في عملها "الكنيسة والاشتراكية" الصادر في عام 1905، بشأن طبيعة الدين: "ان الديمقراطية الاجتماعية لا تسلب احدا إيمانه ولا تحارب الدين! ومع ذلك، وبالضد من ذلك تطالب بحرية الضمير الكاملة للجميع واحترام أي اعتناق وقناعة. لكن عندما يسيء الكهنة استغلال المنابر كوسيلة للنضال السياسي ضد الطبقة العاملة، فإن العمال ينقلبون ضدهم، كما هو الحال ضد كل أعداء حقوقهم وتحريرهم ". ويجد اليسار نفسه في جزء هذه التقاليد في النضال ضد القوى المضطهدة في الكنيسة وفي عموم المجتمع، ولكن ايضا مع الهام او سند ديني.

3 -حرية الدين والمعتقد كحق من حقوق الإنسان

ان المفتاح الاساسي للتعامل مع النزاع هو حق الإنسان في "حرية المعتقد والضمير وحرية اعتناق اي عقيدة دينية او فلسفية". (المادة 4 من القانون الأساس – الدستور الالماني) إنه الجواب على تاريخ طويل ومتضارب من التعلم في التعامل مع التنوع الديني والفلسفي. إن حق الإنسان في حرية الدين والمعتقد منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة (المادة 18) ، والميثاق المدني للأمم المتحدة (المادة 18) وأنظمة حقوق الإنسان الإقليمية مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة 9 (1)) ) وفي المادة 4 من القانون الأساس.
إن نتيجة هذا الدرس التاريخي، الذي لم يكتمل بعد، هو تشكيل أشكال الحياة المتنوعة المختلفة والمتضاربة والمتناقضة. والمعيار الرئيسي لذلك هو تحقيق الحرية في تقرير المصير لكل فرد ، وتعزيز التماسك القائم على التضامن وتعزيز الالتزام المجتمعي الديمقراطي.
ان حرية الدين تحمي قبل كل شيء حرية قرار الإنسان في تحديد دينه وفلسفته، والعيش على هذا الاساس. وحدود هذا الحق في الحرية، هناك عندما يتعارض هذا الحق مع حرية الآخرين في تقرير مصيرهم. ويمكن ان تقع نزاعات عندما يمس هذا الحق الإنساني حقوق الإنسان الأساسية الأخرى ، مثل الحق في التعليم والسلامة البدنية والعلاقة مع الدولة المحايدة أيديولوجياً. والحرية الدينية تتيح معالجة هذه النزاعات في الدستور وحلها ديمقراطيا.

4- حقوق الإنسان والتحرر

ان اليسار حركة تحررية. تريد تحرير الناس من الاضطهاد والإكراه والقيود والتبعية لسلطات معدة سلفا. وينصب تركيزها على أولئك الذين ينتهك حقهم في الحريات، ويحد من فرصهم في التطور، والذين يعانون او مهددون بالتمييز والاستبعاد الاقتصادي والسياسي والثقافي . ولذلك تتمتع حقوق الانسان والعمل بها بالنسبة لهم باهمية مركزية. ويريد حزب اليسار خلق فضاءات للحرية بحيث تستطيع كل مواطنة اومواطن أن يعرف أو يفترض أو يعتقد ما يعنيه. شريطة أن يتمكن الناس من التعبير عن قناعاتهم الفلسفية أو الدينية على المستويين الخاص والعام، ويتمكنون من العيش وتغيير المجتمع وفق قناعاتهم. للحرية الدينية ثلاثة أبعاد: حرية شخصية في الاعتقاد (الحرية الدينية الإيجابية) ، التحررالشخصي من العقيدة (الحرية الدينية السلبية) ، والحرية المجتمعية – الجماعية في ممارسةعقيدة الإيمان علنًا وبشكل صريح.و هذه الأبعاد الثلاثة مترابطة وغير قابلة للتجزئة.
وعلى هذا الأساس ، يدعو حزب اليسار إلى مساهمة الجماعات الدينية و الفلسفية بنشاط بناء في إنشاء نظام إنساني عادل وديمقراطي وموجه نحو السلام، ومكافحة معاداة السامية وكراهية الإسلام وأي شكل آخر من أشكال العنصرية والاستبداد والتعصب في صفوفها (الجماعات) وفي عموم المجتمع.

5 – اللا دينية و العلمانية التعددية

تقوم الحرية الدينية على ذات الاحترام لحرية الضمير لدى الجميع ، والحياد الأيديولوجي للدولة وفصل الدين عنها. ويمكن الفصل بين الدين والدولة بطريقين، نستطيع التمييز بينهما بوضوح: احدها توصف بالرؤية اللادينية للعلمانية وفق النموذج الفرنسي، والأخرى تعرف باللادينية – اوبصيغة اكثر وضوحا – العلمانية المتعددة.
انحدرت الرؤية الفرنسية – اللادينية من واقع خاص في فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر، عندما قاومت الدولة الفرنسية تفوق كنيسة كاثوليكية مناهضة للتنوير ومعادية للجمهوريين. وتضع هذه الرؤية اللادينية للعلمانية الحرية الدينية الايجابية، الحرية الدينية والحرية المجتمعية – الجماعية في ممارسةعقيدة الإيمان، خلف الحرية الدينية السلبية، باعتبارها تحررا من الدين. ووفق هذه الرؤية اللادينية للعلمانية، تتخلى الدولة عن فصل الكنيسة عن الدولة وعن حياديتها، وتتحول الى دولة لادينية مذهبية. من خلال انحيازها الى فلسفة او دين، وعندها تقع في تناقض مع صفة حياد الدولة العلمانية، وتهدد في النهاية حق الإنسان في حرية الدين والمعتقد. هذه الرؤية اللا دينة العلمانية كانت اجابة على صراع بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة في وقت محدد وظروف واوضاع وطنية خاصة. وتسعى الرؤية اللا دينية العلمانية إلى حل النزاعات الدينية عن طريق استبعاد الدين من الفضاء العام، لكنها تخلق صراعات دينية جديدة.
وبالضد من ذلك تنظم العلمانية التعددية بشكل مثالي فضاءً حرا للتنوع والقرار الحر، عندما يواجه الناس قناعاتهم بصراحة، ويستطيعون التعامل مع التعددية: اللا دينيون والمتدينون ، الملحدون والمتحولون ، المتشككون والا أدريون (غير العارفين) سوية في مجتمع واحد.
ان اجابتنا (حزب اليسار الألماني) على هذا التحدي هي مجتمع تعددي ديني وفلسفي، العلمانية التعددية التي تعيش عالما متضامنا، تشغل فيه الكثير من العوالم والرؤى مكانها.

6 - التعددية في المجتمع المدني

يجب أن تكون الدولة المحايدة أيديولوجياً ودينياً منفصلة عن الديانات ، لكن هذا لا يستبعد التعاون في اطار الانفصال ، بل ان ذلك يتطلبه فعليًا. في مجتمع ديمقراطي، لا تحتكر الدولة فيه السياسة ، لكنها تعتمد بشكل أساسي على مساهمات منظمات المجتمع المدني ، التي يجب أن تمنحها فضاء وأن تنشط في خلق هذا الفضاء.ان الجماعات الدينية والفلسفية ، إلى جانب منظمات المجتمع المدني الأخرى ، اساس لديمقراطية حية. ان دفع هذه الجماعات الى فضاءاتها المغلقة سيضعف المجتمع المدني ويحرم المجتمعات الدينية والفلسفية من المساهمة في المجتمع المدني والخطاب الديمقراطي.
ولأن الدولة مفتوحة دستوريًا على جميع الأديان والمعتقدات ، يجب عليها احترام التعددية وحمايتها وتحقيقها ايضا. ان منح امتياز للكنائس المسيحية لا يجب شرعنته وفق القانون والسياسة الدستوريين. ان حزب اليسار يرحب بعودة الحياة اليهودية في ألمانيا بعد عام 1945 ، وبعد عام 1990 . ويجب أن تكون الجماعات المسلمة وكذلك الأديان والمعتقدات الفلسفية الأخرى قادرة على احتلال مكان متساو مع الكنائس المسيحية والجماعات الدينية اليهودية.

7 - السياسة الديينة لحزب اليسار و النزاعات المجتمعية

يعلن حزب اليسار موقفه في وقت يجري فيه التشكيك بحرية الدين والمعتقد من قبل اليمين. ان الحزب يتبنى الفصل بين الدين والدولة، ويدعو الى حرية الاديان. وللحزب موقفه في النزاعات والنضالات الثقافية، التي تجري في المجتمع، وكذلك في الكنيسة، وفي الجماعات الدينية والفلسفية. ان حزب اليسار يعمل من اجل ان تتمكن جميع الجماعات الدينية والفلسفية من العمل بنشاط لأجل تنظيم ديمقراطي وتضامني وسلمي لمجتمع جمهورية ألمانيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي، وخارجهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* وثيقة لجنة الجماعات الدينية والجماعات الفلسفية والدولة والمجتمع في حزب اليسار الألماني. (نيسان/ ايار 2018)

 

عرض مقالات: