بعد شد وجذب، ويشكل مفاجئ اتفق رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، في الثاني من تموز على ترشيح وزيرة الدفاع الألمانية الاتحادية، والقيادية في الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم أورزولا فون دير لاين لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية. وفي حال منح البرلمان الاوربي الثقة لها، ستكون أول امرأة تترأس المفوضية الأوروبية. والمرة الأولى التي يتسلم فيها سياسي ألماني هذ المنصب، منذ خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
وكانت المستشارة الالمانية ميركل تسعى الى دعم مرشح كتلة اليمين المحافظ في البرلمان، القيادي في الحزب الاجتماعي المسيحي الالماني مانفريد فيبر لتولي هذا المنصب. وعندما واجه ترشيحه معارضة شديدة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لجأت ميركل إلى دعم ترشيح الديمقراطي الاجتماعي فرانس تيمرمان.
وفي الواقع جاء الترشيح في سياق تعزيز الهيمنة الالمانية الفرنسية على الاتحاد الأوربي، حيث فرنسا ترشح كرسنينا لاغارد لرئاسة البنك المركزي الأوربي، الذي يعد اعلى سلطة اقتصادية في الاتحاد، بعد ان شغلت قمة صندوق النقد الدولي في السنوات الاخيرة؛ وألمانيا ستشغل اعلى منصب سياسي فيه.
ومرة أخرى، ينكشف جوهر البناء غير الديمقراطي في الاتحاد الأوروبي، فالسلطة الحقيقية يتمتع بها المجلس الأوروبي، حيث يجلس رؤساء دول وحكومات الاتحاد ليرشحو، والبرلمان الأوروبي لديه القليل ليقوله، فاما ان يمنح الثقة، وهو امر معتاد، او في أحسن الاحوال يرفض مرشح مراكز القوى، ليستبدل بعد حين بآخر، اي ان القرار النهائي بيد الثنائي الالماني-الفرنسي، في حين تلعب الـ 26 بلداً عضواً الأخرى في الاتحاد دور المباركة لا اكثر.
ويؤشر ترشيح وزيرة الدفاع الألمانية التوجه لتعزيز سياسات العسكرة في الاتحاد، فرغم كل سوء الادارة التي رصدها خبراء الدفاع، نجحت السيدة التي تقول "ان القوات المسلحة تسكن قلبها"،في رفع التخصيصات العسكرية خلال قيادتها وزارة الدفاع الالمانية في سنوات 2014 – 2019 بنسبة 50 في المائة.
ومع وفرة الاموال المخصصة انفتحت ايضا شهية مجمع الصناعات العسكرية. واشارت جريدة "سود دويجه تسايتونغ" المحافظة في 4 تموز الجاري، الى ان لجنة التحقيق الخاصة بالعقود الخارجية في وزراة الدفاع في اجتماع هذه الايام، وتساءلت الجريدة: "هل أهدى الجنرالات ومسؤولو الوزارة اصدقاءهم الشخصيين في الشركات عقودا بملايين اليوروات؟ ويأتي ذلك بعد ان كشفت لجنة الرقابة المالية أن العديد من العقود قد ابرمت خارج سياق قانون المشتريات العامة، وبالتالي تعتبر غير قانونية. ومنذ ذلك الحين تكرر المعارضة البرلمانية مطالبتها باستقالة وزيرة الدفاع".
وما يجعل الاسلحة باهظة الثمن، ويؤدي الى مضاعفة تكاليفها مستقبلا، هو عملية اعادة هيكلة القوات الأقليمية، التي كلفت بها فون دير لاين من قبل حلف الناتو والحكومة الالمانية، بمعنى آخر، الحفاظ على قدرات الجيش الألماني، ليكون على اهبة الاستعداد للمساهمة في التدخلات الخارجية، وخصوصا قدرته على لعب دور متميز في المناطق القريبة من الحدود الروسية، مزودا باحدث الدبابات والطائرات والسفن الحربية التي يتم انتاجها على التوالي: اسبوعيا وشهريا وسنويا.
ان العدو القديم الجديد لحلف الناتو هو روسيا، و "التهديد من الشرق". وتعتبر فون دير لاين من صقور الناتو، وبالتالي كانت مرشحة لشغل منصب السكرتير العام للناتو. وهي تتبنى موقفا متشددا تجاه الحكومة الروسية، وصرحت مرة للتلفزيون الالماني الثاني: " من موقع القوة "، علينا الاستمرار في الحوار مع روسيا". ومنحها تبني فكرة توسع الناتو والعودة الى مناطق الحدود مع روسيا تعاطف حكومات بولندا وبلدان البلطيق خلال القمة الأوربية، باعتبارها الخيار الأفضل. ومن المعروف انها سهلت نشر قوات مدرعة تابعة للناتوفي هذه البلدان بشكل دائم، منتهكة بذلك اتفاقات الناتو مع روسيا، ومن خلال قيادة المانية لقوات الناتو المدرعة في لتوانيا، تتواجد الدبابات الألمانية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، على أراضي الاتحاد السوفيتي السابق.
إن الكفاءة الأوروبية الوحيدة التي ستجلبها فون دير لاين الى المفوضية الاوربية مستمدة من العسكرة والتسلح، لقد أطلقت بالتعاون مع فرنسا، في تشرين الثاني 2017، عملية "التنسيق الهيكلي الدائم"، حيث وافقت 25 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي، بضمنها 21 دولة عضوا في الناتو، على التعاون بشكل أكبر في قضايا التسلح، وتنسيق أنشطتها العسكرية، لغرض توسيع نفوذها، وتطوير صناعاتها العسكرية. والتزم المشاركين أيضًا بـ "زيادة تخصيصات موازنة الدفاع وفق الالتزامات المقرة".
ان المهمة الاساسية لأورزلا فون دير لين كرئيس للمفوضية، وممثلا عن الدول المهيمنة في الاتحاد ستكون مواصلة عملية تشكيل قوة عسكرية أوروبية قوية، وتعزيز قدرات تسلح جيش أوروبي موحد قوي.