طريق الشعب

نتيجة لضغط انتفاضة الشعب الجرائري بدأت حملة مكافحة الفساد بإيداع رجال أعمال السجن في الجزائر. وكان رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، اول المشمولين، بتهمة التزوير وتقديم معلومات كاذبة، ويستمر التحقيق معه في قضايا فساد.

ثم أودع السجن بعده يسعد ربراب أغنى رجل في الجزائر، بتهمة التورط في اطلاق تصريحات كاذبة بشأن حركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وتهمة التلاعب بالفواتير.

والتحق بهما في سجن الحراش الإخوة كونيناف بتهمة إبرام صفقات عمومية مع الدولة دون الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية، وتحويل عقارات وامتيازات عن مقصدها الامتيازي واستغلال النفوذ.

وكذلك رجل الأعمال محيي الدين طحكوت وأفراد من عائلته برفقة 45 آخرين، بينهم وزراء ومسؤولون نافذون بتهم الفساد وتبييض أموال واستغلال النفوذ.

كما استقبل سجن الحراش الذي أصبح مأوى للأغنياء مدير "مجمع سوفاك" لتركيب السيارات، رجل الأعمال مراد عولمي بتهم تتعلق بقضايا فساد.

ويبدو أن القائمة لن تتوقف هنا، حيث يحقق الدرك الوطني مع رجال أعمال آخرين في ملفات فساد.

سياسيون فاسدون

لا تنحصر تهم الفساد برجال الأعمال فقط، بل تلاهم إيداع مسؤولين سياسيين من "الوزن الثقيل" في السجن، آخرهم الوزيران الأولان السابقان عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، بالإضافة إلى وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس ومسؤولين آخرين.

ووجهت لهؤلاء تهم "تبديد أموال عمومية ومنح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية والعقود، وإساءة استغلال الوظيفة، وتعارض المصالح".

في حين وضع القضاء وزراء آخرين تحت نظام الرقابة القضائية، آخرهم وزير النقل السابق عمار تو ووزير المالية السابق كريم جودي وبالتهم ذاتها.

هل تسترجع الأموال المنهوبة؟

بخصوص مطالب الجزائريين باستعادة الأموال المنهوبة، قال وزير العدل سليمان براهمي إن القانون "سيطبق على الجميع من دون حياد ولا استثناء".

وأوضح براهمي خلال مراسم إشرافه على تنصيب عبد الرشيد طبي رئيسا أول للمحكمة العليا خلفا لسليمان بودي أن "التحقيقات في جرائم الفساد ستطول، لأن الجرائم الاقتصادية متعلقة بالصفقات العمومية والمبالغ المالية الضخمة التي نهبت من الخزينة العمومية".

ويرى القاضي السابق والمحامي عبد الله هبول أن الآليات القانونية لاسترجاع الأموال المنهوبة متوفرة.

وقال هبول إن "قانون الوقاية من الفساد ومكافحته يسمح في خضم التحقيق بحجز أو تجميد الأموال والعائدات غير المشروعة عن هذه الجرائم كإجراء تحفظي، وبعد صدور قرار الإدانة يمكن مصادرة هذه الأموال والعائدات".

وأوضح الخبير الاقتصادي عبد الحميد علوان أن رجال الأعمال الموقوفين كانوا يعملون تحت غطاء سياسي سهل لهم توسيع نشاطاتهم، والحصول على الدعم.

وعن تهريب الأموال إلى الخارج، يكشف علوان عن أنها تتم بطريقتين، الأولى التلاعب بالفواتير، مستدلا بتصريح وزير التجارة الراحل بختي بلعايب الذي قال "إن 30 في المائة من قيمة الواردات كانت عبارة عن فواتير مضخمة".

أما الطريقة الثانية فهي المشاريع الوهمية، وذلك باقتناء سلع غير مطابقة لما صرح به المستورد، وهذا يحصل بتواطؤ مع مصالح الجمارك والممونين، وفق حميد علوان.

الآليات

بالنسبة لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة في الخارج، يقول نقيب المحامين الجزائريين عبد المجيد سيليني إن "الاتفاقيات الدولية تساعد، ولكن لا بد على الدول الأخرى غير الآمنة أن تقبل بالتعامل مع هذه الاتفاقيات، أما على المستوى الأوروبي فالأمر أسهل".

ويتوقع علوان أن تمتد مدة استرجاع الأموال إلى 10 سنوات، لأن الجزائر لا تملك الخبرة الطويلة والأدوات الفعالة لمعالجة مثل هذه القضايا الاقتصادية، بالإضافة إلى أن تفعيل الاتفاقيات الدولية لا يتم إلا بعد صدور الحكم النهائي.

ولتسريع وتيرة استرجاع الأموال المنهوبة يقترح الخبير الاقتصادي علوان آلية التفاوض المباشر مع رجال الأعمال والمسؤولين الموجودين رهن الحبس المؤقت بسجن الحراش، والإمضاء على بروتوكول اتفاق لتحويل الأموال التي يصعب استرجاعها قانونيا إلى استثمارات محلية، والاقتداء بالتجربة الروسية التي نفذها الرئيس بوتين.

واعتبر المتحدث أن هذا الحل ممكن جدا شريطة أن تتم معالجته حالة بحالة، وأن تأخذ العدالة هذا المعطى، أي تعاون الفاسدين، بعين الاعتبار أثناء التحقيق مع المسؤولين السابقين في عهد بوتفليقة.

سويسرا مستعدة للتعاون

وقدمت الجزائر طلبات دولية عبر إنابات قضائية لبلدان إما تحتضن فارين أو حسابات بنكية مشبوهة، إذ توجهت بطلب إلى الحكومة اللبنانية لتسليم وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب، كما وجهت مذكرة إلى الحكومة الفدرالية السويسرية بخصوص بيانات مصرفية مشبوهة.

وأبدى النائب والمستشار الفدرالي السويسري إجنازيو كاسيس جاهزية بلاده للتعاون مع السلطات الجزائرية لاسترجاع الأموال المهربة. وقال كاسيس في كلمة ألقاها أمام أعضاء البرلمان السويسري "بالاتفاق مع السلطات الجزائرية إن سويسرا دعمت بعض الأنشطة في الجزائر المتعلقة بمكافحة الأموال ذات الأصل غير المشروع، كما طورت نظاما يقوم على ركيزتين أساسيتين، هما الوقاية والمحاسبة".